ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطواغيت وأنواعها
وعلاقتها بالشرك
فتحت مذكراتى القديمة وما كنت أكتب فى مقتبل حياتى من كتابات راجية بها وجه الله تعالى لأتعرف على مسببات الشرك ومداخله لأتقى شره وأتجنب موجباته ولأحذر قرائى منه مخافة علينا عند لقاء الله من عقابه ، ومخافة أن تحبط أعمالنا ونحن لا نشعر ، فوجدت ما أتقدم إليكم بأن تسمحوا لى بإعادته على مسامعكم لنتجنب ما كثر منه فى تلك الأيام فلا نسقط فى هاوية الشرك وعقاب الجبار ، ونرجوا رحمة الرحمن ، فأرجوا السماح لى بالحديث معكم فى حلقات ليتسع لى المجال معكم ولتتابعونى فى ذكر الله لنكتسب دعاء الملائكة السائحون ومغفرة الودود .
وأبدأ الحديث بتعريف لمعنى الطاغوت
الطاغوت هو كل معبود من دون الله ، وهو كل ما يشرك بعبادته عبادة الله سبحانه وتعالى وهو راض .
يقول الله عز وجل : فى الآية 257 من سورة البقرة
( الله ولىّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ، أولئك أصحاب النار ، هم فيها خالدون )
يخبر سبحانه وتعالى بأنه يهدى من اتبعوا هديه إلى سبل السلام ويخرجهم من الشك والضلال إلى النور ، أما الكافرين فيزيدهم ضلالا على ضلالتهم ويزين لهم الشيطان أعمالهم وبخرجهم من طريق الهداية إلى طريق الغواية والكفر والجحيم
ويتبين من هذه الآية معنى الطاغوت ، وهو ما يجعله الفاسقون وليا ونصيرا من دون الله
وجاء العلى القدير بالفعل ( يخرجونهم ) فى صيغة الجمع لبيان أن الطاغوت له عدة أنواع وأكثر من شئ بعينه
أنواع الطواغيت :
النوع الأول هو الذى يمثل أخطر أنواع الطواغيت وأسوأها وهو ذلك الذى يتبع طاعته وعبادته الإشراك بالله بشرك الدعوة ، ومنها الأصنام ، وأولياؤها هم الذين اتخذوا منها وسيطا لله وعبدوها ، فقدموا لها القرابين وحجوا إليها وطافوا حولها فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى مقتبل ظهور الدعوة الإسلامية ، وفى مقتبل كل دعوة دينية سماوية ، وما زالت بعض الشعوب حتى الآن تعبد أصناما وتحج إليها فى عصرنا هذا ، منها فى الهند والصين وغيرهما ..
ومنها أيضا النار التى عبدها المجوس والفرس واتبعوا نفس السلوك الذى سلكه عبدة الأصنام فى تقديسها .
والشمس التى قدسها بعض الغافلون ، والكواكب التى سخروا أنفسهم لما لا يرفع عنهم أذى ولا يضرهم ولا ينفع إلا بما شاء الله له من نفع
وهم لهذه الطواغيت عبيدا وليسوا بعبادا بما أذلوا أنفسهم لها بعبادتهم .
وأيضا البقر التى عبدوها لتقربهم إلى الله وكذب ما يزعمون .
وقد كانت هذه المعتقدات تناسب عقلا جاهلا فى حجاب عن الحقائق العلمية وتفسير الظواهر الطبيعية ، ولكن مازال البعض فى غيابات الجهل وظلام البصيرة ، فأوجد الإنسان لنفسه طواغيتا تتناسب مع المسيرة المدنية
فاوجد لنفسه ضرائح ينوح ويبكى إليها ويرجو ويتوسل ويتضرع إليها لترفع أذى وتشفى مريضا وتربط بالله ، وتعلق بالأحجبة والتمائم ظنا بأنها تمنع حسدا أو ترفع أذى .
وهذه آيات كريمة تكشف لنا عن أنواع أخرى من الطواغيت :
يقول سبحانه وتعالى : ( وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم فى الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين )
ومن هذه الآية من سورة العنكبوت 25 يتضح نوعا من الناس يطيعون آخرين تقربا وحبا وتوددا فى الدنيا فيما نهى الله ، وهذا المطاع هو ذلك الطاغوت الذى يشرك به شرك محبة .
ومن مثال ذلك طاعة الأهل والأصدقاء فيما يغضب الله أو التودد لأهل الكتاب فى خارج حدود ما شرع الله ، وما أكثر ما نرى هذه الأيام .
يقول سبحانه نافيا الفضل لمن يفعل ذلك : ( الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، أيبتغون عندهم العزة ، فإن العزة لله جميعا )
فعلينا أن نبحث فى أقرب من حولنا ولن نتعب فى البحث ، ثم نبحث فى أنفسنا فقد تكون أنفسنا طاغوتا لو أطعناها فيما يغضب الله
لنتنبه ونكفها
النفس والهوى :
قد يكونا طاغوتا ، فهذا عدونا الأزلى إبليس يتوعد ويحكو فيقول كما جاء فى الحديث الشريف عن أبى بكر رضى الله عنه قال ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول إبليس أهلكتهم بالذنوب ، فأهلكونى بالإستغفار ، فلما رأيت ذلك منهم أهلكتهم بالأهواء فيحسبون أنهم مهتدون فلا يستغفرون " .
فقد يميل الهوى والنفس إلى الباطل فيحيد عن الطريق المستقيم ، ويبتدع إلى الضلال سبيلا ــــــ وما أعظم حب الإنسان لنفسه ـــــــــ فيغفل عن عن الصواب وعن الإستغفار ، وقد يستزيد من الإعوجاج ناسيا أن عدوه قد استخدم ضده أخطر سلاح ، استخدم ضده سلاح لا يخشاه إلا من خشى الله وكان يقظا حذرا باستمرار
وفوق ذلك فهو يحبه ويحب استرضاءه ، فما أهون مقاومة الإنسان لنفسه ، وما أصعب صدود هذه النفس عن هواها إلا من حباه الله عزيمة وقوة وخشية من الرحمن .
فالحذر كل الحذر من النفس ولا تلومن إلا نفسك ، ولا تتبع هواك فيدعك الله ورسوله فى ظلمات جهلك .
فقد قال تعالى : ( أرءيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ) الفرقان
وهل الحاكم الظالم طاغوتا ؟
لنتدبر معا الآيات حتى نعرف الإجابة :
يقول الله عز وجل : ( ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذين يفسدون فى الأرض ولا يصلحون ) .. الشعراء
فطاعة الحاكم الظالم الذى يفسد فى حكمه ويحكم بشريعة من مبتدع ومن قوانين وضعية ليس له من الحق سبيل تعتبر عبادة لطاغوت
فالعبادة تعنى الطاعة
وكذلك طاعة الشيطان وطاعة الدجالين والمشعوذين والسحرة إنما هى عبادة لطواغيت
وللأسف الكثيرين يتبعون ويقولون نحن لا نقدسهم ولا نعبدهم ... نقول لهم طاعتكم لهم عبادة وتقديس لأفكارهم وآرائهم والتزام بما نصحوا من باطل هو عبادة وهو نوع من الشرك بالله فقد تركت طاعة الله لتتبع غيره فهذه هى العبادة
الحاكم الظالم :
معنى الحكم والإمارة فى الإسلام هو القيام على شئون المسلمين جميعا بإقامة شرع الله فى الأرض من حيث إعطاء حقوق أو إقامة حدود أو قصاص لمظلوم من ظالم ، أو عطاء محروم
ويقصد بالحاكم الظالم ذلك الحاكم الذى يحكم ويأمر بشرع وقانون من وضعه أو وضع بشر من دون شرع وأحكام الله عز وجل .
والحاكم راع فى رعيته ، يقوم عليها ومسئول عنها وعن مصالحها أمام الله يوم البعث
وأكمل ما نجد هو حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن حكمه مستمد من حكم الله ، ويليه حكم أبو بكر الصديق ثم خليفته عمر بن الخطاب رضى الله عنهما ، الذى نرى فنه فى اختيار الأمير عندما قال لأصحابه : " دلونى على رجل أستعمله ( أى أوليه عملا ) ـ فسالوه : ما شرطك فيه ؟
قال : " إذا كان فى القوم وليس أميرهم ، كان كأنه أميرهم ، وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم "
تلك هى صفة الأمير مجملة فى جملتين كى يستحق ولاية أمور المسلمين
رجل ذو شخصية قوية ومتناهى فى التواضع ، يحيط بأمور الرعاة إحاطة كاملة دون تفاخر .
وهذا هو دستور صلاح الولاية كما أوضحه عمر رضى الله عنه حين قال : " إنه لا يصلح ــــــ أى الحكم ــــــ إلا بشدة لا جبرية فيها ولين لا وهن فيه " .
( جبرية : جبروت وطغيان الوهن : الضعف )
وأوجز صلاح الأمر فى ثلاث
" آداء الأمانة ، والأخذ بالقوة ، والحكم بما أنزل الله "
وأوجز صلاح المال فى ثلاث :
" أن يؤخذ من حق ، ويعطى فى حق ، ويمنع من باطل "
وقد جاءت الرسالة الإسلامية تجمع الأسس والقواعد التى يمكن أن تقام عليها صلاحية الفرد والمجتمع من مراعاة للحقوق وحفظا لها ومراعاة الواجبات وآدائها ، وكلاهما يلتزم بالآخر ، فآداء الواجب هو عطاء حق من فرد أو جماعة إلى فرد أو جماعة .
والمقصود بالحاكم الظالم كما أسلفنا الذكر هو من يحكم بغير شريعة الله وبما يغضب الله ، ومن أطاعه فهو مشرك بالله بهذا الطاغوت واستحق عذاب الله هو ومن أشرك به .
وقد توالت على الأمة الإسلامية كثيرا من هذه الطواغيت إلى أن ضعفت
( وهذا هو مصير كل من اتبع غير الشارع سبحانه وتعالى الحق فلا يجد غير الهوان والضعف ، ويمكن لكل عاقل أن يدرك مدى عظمة الشرع الإسلامى ويدرك أنه حقا لا حول ولا قوة إلا بالله ، وأنه سبحانه يعلم سبيل صلاح أمر العباد وهم لا يعلمون) .
فماذا نرى فى هذا العصر ... هذا العصر الذى يسمونه عصر العلم ويظنون أنهم قد كسروا معظم الستائر عن نظريات العلم وقد وصلوا لقمة الحضارة والتقدم ، ولكن لو عقلوا وتدبروا معنى الحضارة ومعنى المدنية لأدركوا أنما ما قد توصل الإنسان إليه وما حاله الآن ما هو إلا مدنية محرقة ، استخدموها حربا ونكالا بينهم ، وها هم يتفننون فى وسائل الدمار ، وهذا عن حال الحياة الدنيا التى أغواهم الشيطان بالتمتع بملذاتها بأية وسيلة كانت .
والحياة عند الأكثرين غاية وليست وسيلة ، وإذا كان ضرر هذه الوسائل حاضرا هذا الجيل فهو للأجيال القادمة أسوأ وأضر وأعنف ضررا .
وإذا سألتهم عن حدود الله يقولون لك " حد السرقة الذى هو قطع اليد إنما هو تقليل للأيدى العاملة التى تزيد من المدنية والتقدم " ولكن هؤلاء بالله نسوا أن تلك الأيدى التى مرضت بالسرقات لا تعطى تقدما ولا مدنية وإنما هى تعرقل التقدم ( وقد قلت تلك الكلمات منذ 38 سنة مضت ، وها نحن نعانى اليوم مما أشرت إليه وتخوفت منه )
فاليد السارقة عالة وضررا على المدنية وعدم عقابها واستئصالها يشجع الآخرين وتزيد أعداد تلك الأيادى الآثمة .
ثم ماذا يعود على الإنسان من فائدة من هرولة المدنية إذا لم تكن لديه القيم والسبل التى تجعلها صالحة ، فالإنسان الحاذق الذى يستحق التقدير هو ذلك الذى وجد مجال الفائدة نهل منه وإن لم يجد وجهه للنفع وإلا استأصله ، وإلا فقد أصبح لا يستحق الفضائل التى فضله الله على سائر الخلائق ، ويالضياع الإنسان الذى أصبح مجال عقله هو مجال عينيه ولم يتخطاها إلى أبعد من ذلك ، وأصبح يرى التقدم بعدد الأيدى مهما كانت نوعيتها ويرى أن النفع ينحصر فى فرد وشل اندفاع الجماعة .
وعظيم الخطورة أن أصبح الإنسان ينظر للحد الذى يأمر بجلد الزانى أو رجمه بعين العاطفة ، فقد أبت عيناه أن تنظر المشهد القاسى من إنسان يجلد آخر أو يرجمه ليقتله وهذا لمجرد مجال بصره ، وقد عمت بصيرته عن ما يتسبب فيه مرتكبى الزنا من دمار لنفوس بريئة وحضارة الإنسان
أى ... وربى إن الدمار النفسى والمادى الذى قد تسبب فيه هذا الفاسق لأعظم وأقسى من ذلك الدمار الذى فرضه الله على هذا الجسد الملوث .
وهذه السجون تحتشد بالمجرمين وكل يوم تخرج أعدادا هائلة منهم كما تتخرج طلبة الجامعات ولكن هؤلاء المجرمون قد أدمنوا الحياة الدنيئة وأتلفوا ولن تسمع منهم إلا قول " السجن للرجال "
وقد يتفاخر بعضهم على بعض بما سبق له من جرائم ، وأصبح كالحشرة التى دام استخدام مبيد لقتلها من نفس النوع فأخذت ضده مناعة وازدادت نشاطا وحيوية ومهما استخدم ضدها هذا العقاب فلا يؤثر فيها
وبالله أية مدنية يهدفونها إذا تفشت فيها الأوبئة ؟ !!!
واليوم السرقة أصبحت حق للسارق
لن أحكو عن سابق ولكن أقول باختصار عن الأمس واليوم الذى يسبقه
تعرضت لسرقة أشياء من السيارة ، وتدخل أناس لإسترجاع السرقات فتفضل السارق باسترجاع جزء وبكل استعلاء قال أما الباقى فأنا أحتفظ به لنفسى ... قالوا له نشكر كرمك
واليوم التالى خناقة من جارة لجارتها عندما طلب البيت كله إخراج مواسير الصرف خارج العمارة وإحداهن تريد غصبا إلزام جارتها بدفع المصاريف عنها ... ولا أعرف ماهو المنطق فى ذلك ؟ فهل تعرفون أنتم ؟
وأخطر من ذلك ردا على هؤلاء أصحاب الإحساس المرهف ... إذا كانت إنسانيتكم الرقيقة تأبى إقامة الحدود فكيف تشجعون على إنتشار الفساد بين من قد يساعدهم بعض الخشوع والخضوع لله فى السمو بأخلاقهم وحضارتهم ، فهذه دور السينما والمسارح ووسائل الإعلام المختلفة تجبر من يريد التعفف على المعصية ، فهل هذه أيضا من الحرص على النفس الإنسانية ؟!!
هذا قلته منذ سنين ، والآن أرفع كلمة دور السينما والمسارح وأضع بدلا منها فى البيوت وريموت التلفاز بين يدى الكبير والصغير ، المراهق والطفل والفواحش فى ازدياد خطير بلا حياء ولا خجل .... يرحمكم الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطواغيت وأنواعها
وعلاقتها بالشرك
فتحت مذكراتى القديمة وما كنت أكتب فى مقتبل حياتى من كتابات راجية بها وجه الله تعالى لأتعرف على مسببات الشرك ومداخله لأتقى شره وأتجنب موجباته ولأحذر قرائى منه مخافة علينا عند لقاء الله من عقابه ، ومخافة أن تحبط أعمالنا ونحن لا نشعر ، فوجدت ما أتقدم إليكم بأن تسمحوا لى بإعادته على مسامعكم لنتجنب ما كثر منه فى تلك الأيام فلا نسقط فى هاوية الشرك وعقاب الجبار ، ونرجوا رحمة الرحمن ، فأرجوا السماح لى بالحديث معكم فى حلقات ليتسع لى المجال معكم ولتتابعونى فى ذكر الله لنكتسب دعاء الملائكة السائحون ومغفرة الودود .
وأبدأ الحديث بتعريف لمعنى الطاغوت
الطاغوت هو كل معبود من دون الله ، وهو كل ما يشرك بعبادته عبادة الله سبحانه وتعالى وهو راض .
يقول الله عز وجل : فى الآية 257 من سورة البقرة
( الله ولىّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ، أولئك أصحاب النار ، هم فيها خالدون )
يخبر سبحانه وتعالى بأنه يهدى من اتبعوا هديه إلى سبل السلام ويخرجهم من الشك والضلال إلى النور ، أما الكافرين فيزيدهم ضلالا على ضلالتهم ويزين لهم الشيطان أعمالهم وبخرجهم من طريق الهداية إلى طريق الغواية والكفر والجحيم
ويتبين من هذه الآية معنى الطاغوت ، وهو ما يجعله الفاسقون وليا ونصيرا من دون الله
وجاء العلى القدير بالفعل ( يخرجونهم ) فى صيغة الجمع لبيان أن الطاغوت له عدة أنواع وأكثر من شئ بعينه
أنواع الطواغيت :
النوع الأول هو الذى يمثل أخطر أنواع الطواغيت وأسوأها وهو ذلك الذى يتبع طاعته وعبادته الإشراك بالله بشرك الدعوة ، ومنها الأصنام ، وأولياؤها هم الذين اتخذوا منها وسيطا لله وعبدوها ، فقدموا لها القرابين وحجوا إليها وطافوا حولها فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى مقتبل ظهور الدعوة الإسلامية ، وفى مقتبل كل دعوة دينية سماوية ، وما زالت بعض الشعوب حتى الآن تعبد أصناما وتحج إليها فى عصرنا هذا ، منها فى الهند والصين وغيرهما ..
ومنها أيضا النار التى عبدها المجوس والفرس واتبعوا نفس السلوك الذى سلكه عبدة الأصنام فى تقديسها .
والشمس التى قدسها بعض الغافلون ، والكواكب التى سخروا أنفسهم لما لا يرفع عنهم أذى ولا يضرهم ولا ينفع إلا بما شاء الله له من نفع
وهم لهذه الطواغيت عبيدا وليسوا بعبادا بما أذلوا أنفسهم لها بعبادتهم .
وأيضا البقر التى عبدوها لتقربهم إلى الله وكذب ما يزعمون .
وقد كانت هذه المعتقدات تناسب عقلا جاهلا فى حجاب عن الحقائق العلمية وتفسير الظواهر الطبيعية ، ولكن مازال البعض فى غيابات الجهل وظلام البصيرة ، فأوجد الإنسان لنفسه طواغيتا تتناسب مع المسيرة المدنية
فاوجد لنفسه ضرائح ينوح ويبكى إليها ويرجو ويتوسل ويتضرع إليها لترفع أذى وتشفى مريضا وتربط بالله ، وتعلق بالأحجبة والتمائم ظنا بأنها تمنع حسدا أو ترفع أذى .
وهذه آيات كريمة تكشف لنا عن أنواع أخرى من الطواغيت :
يقول سبحانه وتعالى : ( وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم فى الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين )
ومن هذه الآية من سورة العنكبوت 25 يتضح نوعا من الناس يطيعون آخرين تقربا وحبا وتوددا فى الدنيا فيما نهى الله ، وهذا المطاع هو ذلك الطاغوت الذى يشرك به شرك محبة .
ومن مثال ذلك طاعة الأهل والأصدقاء فيما يغضب الله أو التودد لأهل الكتاب فى خارج حدود ما شرع الله ، وما أكثر ما نرى هذه الأيام .
يقول سبحانه نافيا الفضل لمن يفعل ذلك : ( الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، أيبتغون عندهم العزة ، فإن العزة لله جميعا )
فعلينا أن نبحث فى أقرب من حولنا ولن نتعب فى البحث ، ثم نبحث فى أنفسنا فقد تكون أنفسنا طاغوتا لو أطعناها فيما يغضب الله
لنتنبه ونكفها
النفس والهوى :
قد يكونا طاغوتا ، فهذا عدونا الأزلى إبليس يتوعد ويحكو فيقول كما جاء فى الحديث الشريف عن أبى بكر رضى الله عنه قال ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول إبليس أهلكتهم بالذنوب ، فأهلكونى بالإستغفار ، فلما رأيت ذلك منهم أهلكتهم بالأهواء فيحسبون أنهم مهتدون فلا يستغفرون " .
فقد يميل الهوى والنفس إلى الباطل فيحيد عن الطريق المستقيم ، ويبتدع إلى الضلال سبيلا ــــــ وما أعظم حب الإنسان لنفسه ـــــــــ فيغفل عن عن الصواب وعن الإستغفار ، وقد يستزيد من الإعوجاج ناسيا أن عدوه قد استخدم ضده أخطر سلاح ، استخدم ضده سلاح لا يخشاه إلا من خشى الله وكان يقظا حذرا باستمرار
وفوق ذلك فهو يحبه ويحب استرضاءه ، فما أهون مقاومة الإنسان لنفسه ، وما أصعب صدود هذه النفس عن هواها إلا من حباه الله عزيمة وقوة وخشية من الرحمن .
فالحذر كل الحذر من النفس ولا تلومن إلا نفسك ، ولا تتبع هواك فيدعك الله ورسوله فى ظلمات جهلك .
فقد قال تعالى : ( أرءيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ) الفرقان
وهل الحاكم الظالم طاغوتا ؟
لنتدبر معا الآيات حتى نعرف الإجابة :
يقول الله عز وجل : ( ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذين يفسدون فى الأرض ولا يصلحون ) .. الشعراء
فطاعة الحاكم الظالم الذى يفسد فى حكمه ويحكم بشريعة من مبتدع ومن قوانين وضعية ليس له من الحق سبيل تعتبر عبادة لطاغوت
فالعبادة تعنى الطاعة
وكذلك طاعة الشيطان وطاعة الدجالين والمشعوذين والسحرة إنما هى عبادة لطواغيت
وللأسف الكثيرين يتبعون ويقولون نحن لا نقدسهم ولا نعبدهم ... نقول لهم طاعتكم لهم عبادة وتقديس لأفكارهم وآرائهم والتزام بما نصحوا من باطل هو عبادة وهو نوع من الشرك بالله فقد تركت طاعة الله لتتبع غيره فهذه هى العبادة
الحاكم الظالم :
معنى الحكم والإمارة فى الإسلام هو القيام على شئون المسلمين جميعا بإقامة شرع الله فى الأرض من حيث إعطاء حقوق أو إقامة حدود أو قصاص لمظلوم من ظالم ، أو عطاء محروم
ويقصد بالحاكم الظالم ذلك الحاكم الذى يحكم ويأمر بشرع وقانون من وضعه أو وضع بشر من دون شرع وأحكام الله عز وجل .
والحاكم راع فى رعيته ، يقوم عليها ومسئول عنها وعن مصالحها أمام الله يوم البعث
وأكمل ما نجد هو حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن حكمه مستمد من حكم الله ، ويليه حكم أبو بكر الصديق ثم خليفته عمر بن الخطاب رضى الله عنهما ، الذى نرى فنه فى اختيار الأمير عندما قال لأصحابه : " دلونى على رجل أستعمله ( أى أوليه عملا ) ـ فسالوه : ما شرطك فيه ؟
قال : " إذا كان فى القوم وليس أميرهم ، كان كأنه أميرهم ، وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم "
تلك هى صفة الأمير مجملة فى جملتين كى يستحق ولاية أمور المسلمين
رجل ذو شخصية قوية ومتناهى فى التواضع ، يحيط بأمور الرعاة إحاطة كاملة دون تفاخر .
وهذا هو دستور صلاح الولاية كما أوضحه عمر رضى الله عنه حين قال : " إنه لا يصلح ــــــ أى الحكم ــــــ إلا بشدة لا جبرية فيها ولين لا وهن فيه " .
( جبرية : جبروت وطغيان الوهن : الضعف )
وأوجز صلاح الأمر فى ثلاث
" آداء الأمانة ، والأخذ بالقوة ، والحكم بما أنزل الله "
وأوجز صلاح المال فى ثلاث :
" أن يؤخذ من حق ، ويعطى فى حق ، ويمنع من باطل "
وقد جاءت الرسالة الإسلامية تجمع الأسس والقواعد التى يمكن أن تقام عليها صلاحية الفرد والمجتمع من مراعاة للحقوق وحفظا لها ومراعاة الواجبات وآدائها ، وكلاهما يلتزم بالآخر ، فآداء الواجب هو عطاء حق من فرد أو جماعة إلى فرد أو جماعة .
والمقصود بالحاكم الظالم كما أسلفنا الذكر هو من يحكم بغير شريعة الله وبما يغضب الله ، ومن أطاعه فهو مشرك بالله بهذا الطاغوت واستحق عذاب الله هو ومن أشرك به .
وقد توالت على الأمة الإسلامية كثيرا من هذه الطواغيت إلى أن ضعفت
( وهذا هو مصير كل من اتبع غير الشارع سبحانه وتعالى الحق فلا يجد غير الهوان والضعف ، ويمكن لكل عاقل أن يدرك مدى عظمة الشرع الإسلامى ويدرك أنه حقا لا حول ولا قوة إلا بالله ، وأنه سبحانه يعلم سبيل صلاح أمر العباد وهم لا يعلمون) .
فماذا نرى فى هذا العصر ... هذا العصر الذى يسمونه عصر العلم ويظنون أنهم قد كسروا معظم الستائر عن نظريات العلم وقد وصلوا لقمة الحضارة والتقدم ، ولكن لو عقلوا وتدبروا معنى الحضارة ومعنى المدنية لأدركوا أنما ما قد توصل الإنسان إليه وما حاله الآن ما هو إلا مدنية محرقة ، استخدموها حربا ونكالا بينهم ، وها هم يتفننون فى وسائل الدمار ، وهذا عن حال الحياة الدنيا التى أغواهم الشيطان بالتمتع بملذاتها بأية وسيلة كانت .
والحياة عند الأكثرين غاية وليست وسيلة ، وإذا كان ضرر هذه الوسائل حاضرا هذا الجيل فهو للأجيال القادمة أسوأ وأضر وأعنف ضررا .
وإذا سألتهم عن حدود الله يقولون لك " حد السرقة الذى هو قطع اليد إنما هو تقليل للأيدى العاملة التى تزيد من المدنية والتقدم " ولكن هؤلاء بالله نسوا أن تلك الأيدى التى مرضت بالسرقات لا تعطى تقدما ولا مدنية وإنما هى تعرقل التقدم ( وقد قلت تلك الكلمات منذ 38 سنة مضت ، وها نحن نعانى اليوم مما أشرت إليه وتخوفت منه )
فاليد السارقة عالة وضررا على المدنية وعدم عقابها واستئصالها يشجع الآخرين وتزيد أعداد تلك الأيادى الآثمة .
ثم ماذا يعود على الإنسان من فائدة من هرولة المدنية إذا لم تكن لديه القيم والسبل التى تجعلها صالحة ، فالإنسان الحاذق الذى يستحق التقدير هو ذلك الذى وجد مجال الفائدة نهل منه وإن لم يجد وجهه للنفع وإلا استأصله ، وإلا فقد أصبح لا يستحق الفضائل التى فضله الله على سائر الخلائق ، ويالضياع الإنسان الذى أصبح مجال عقله هو مجال عينيه ولم يتخطاها إلى أبعد من ذلك ، وأصبح يرى التقدم بعدد الأيدى مهما كانت نوعيتها ويرى أن النفع ينحصر فى فرد وشل اندفاع الجماعة .
وعظيم الخطورة أن أصبح الإنسان ينظر للحد الذى يأمر بجلد الزانى أو رجمه بعين العاطفة ، فقد أبت عيناه أن تنظر المشهد القاسى من إنسان يجلد آخر أو يرجمه ليقتله وهذا لمجرد مجال بصره ، وقد عمت بصيرته عن ما يتسبب فيه مرتكبى الزنا من دمار لنفوس بريئة وحضارة الإنسان
أى ... وربى إن الدمار النفسى والمادى الذى قد تسبب فيه هذا الفاسق لأعظم وأقسى من ذلك الدمار الذى فرضه الله على هذا الجسد الملوث .
وهذه السجون تحتشد بالمجرمين وكل يوم تخرج أعدادا هائلة منهم كما تتخرج طلبة الجامعات ولكن هؤلاء المجرمون قد أدمنوا الحياة الدنيئة وأتلفوا ولن تسمع منهم إلا قول " السجن للرجال "
وقد يتفاخر بعضهم على بعض بما سبق له من جرائم ، وأصبح كالحشرة التى دام استخدام مبيد لقتلها من نفس النوع فأخذت ضده مناعة وازدادت نشاطا وحيوية ومهما استخدم ضدها هذا العقاب فلا يؤثر فيها
وبالله أية مدنية يهدفونها إذا تفشت فيها الأوبئة ؟ !!!
واليوم السرقة أصبحت حق للسارق
لن أحكو عن سابق ولكن أقول باختصار عن الأمس واليوم الذى يسبقه
تعرضت لسرقة أشياء من السيارة ، وتدخل أناس لإسترجاع السرقات فتفضل السارق باسترجاع جزء وبكل استعلاء قال أما الباقى فأنا أحتفظ به لنفسى ... قالوا له نشكر كرمك
واليوم التالى خناقة من جارة لجارتها عندما طلب البيت كله إخراج مواسير الصرف خارج العمارة وإحداهن تريد غصبا إلزام جارتها بدفع المصاريف عنها ... ولا أعرف ماهو المنطق فى ذلك ؟ فهل تعرفون أنتم ؟
وأخطر من ذلك ردا على هؤلاء أصحاب الإحساس المرهف ... إذا كانت إنسانيتكم الرقيقة تأبى إقامة الحدود فكيف تشجعون على إنتشار الفساد بين من قد يساعدهم بعض الخشوع والخضوع لله فى السمو بأخلاقهم وحضارتهم ، فهذه دور السينما والمسارح ووسائل الإعلام المختلفة تجبر من يريد التعفف على المعصية ، فهل هذه أيضا من الحرص على النفس الإنسانية ؟!!
هذا قلته منذ سنين ، والآن أرفع كلمة دور السينما والمسارح وأضع بدلا منها فى البيوت وريموت التلفاز بين يدى الكبير والصغير ، المراهق والطفل والفواحش فى ازدياد خطير بلا حياء ولا خجل .... يرحمكم الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ