الإيمان قول
وعمل
يبين لنا الله
سبحانه وتعالى أهمية كون الإيمان قول وفعل وأنه يزيد وينقص لنكون متيقظين باستمرار
لنستزيد من الإيمان ، ونستدل على هذا من قوله جل شأنه : (الذين قال لهم الناس إن الناس
قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل )
ويقول
سبحانه وتعالى : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم
آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون )
وجلت : تعنى خشعت قلوبهم واتقوا الله حق تقاته .
يتوكلون
: تعنى العمل
المستمر على طريق شريعة الله مع الإيمان بصفات الله جميعها من أنه يقدّر ويهدى من
يشاء ويضل من يشاء ، وهذا بخلاف التواكل أى ترك الأحداث وإهمالها بحجة القدر .
ومن الآيتين
السابقتين نستنتج أن الإيمان يزداد وما دام يزداد فهو أيضا عرضة للنقصان .
ومما سلفت دراسته
يمكن تصنيف الإيمان إلى شقين :
( الأول
) وهو العقيدة يجب
أن تكون ثابتة فى نفس المؤمن وهى إيمان بأمور ستة ، وإذا سقطت منها واحدة ما صلح
إيمان الفرد ، وإن اكتملت كمل إيمانه ، وهى الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه
ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره
أما الشق ( الثانى ) وهو التشريع الإلهى ، فهذا قابل للزيادة
والنقصان كما اتضح لنا من الذكر السابق .
وقد كان ذكر الإيمان فى هذه الآيات مرتبطا بعمل
الإنسان ، ولا غرو إذ أن هذا الجانب الذى يتصل بالعمل والقول قد لا يتساوي فيه
إثنان ، حيث أن كل إنسان على قدر مختلف من القوة ، والإرادة والرغبة فى الأمر
والمقدرة على الإلتزام ، وأيضا فى مواجهاته المختلفة لأعدائه من نفسه وشيطانه
ونفوس الناس الآخرين ، وفى أنواع مختلفة من الإبتلاآت والظروف المحيطة به ، وكل
هذه الأمور تختلف طريقة مواجهاتها من إنسان لآخر ، وتختلف أيضا مقدرة الإنسان
الواحد على مواجهة هذه الأمور المختلفة ، فقد يقوى فى لحظة ، ويضعف فى لحظة أخرى ،
وقد وصف الله تعالى الإنسان بالضعف فقال : ( وخلق الإنسان ضعيفا )
.
وأيضا وصفه بالهلع
عند المصائب فقال : ( إن الإنسان خلق هلوعا ، إذا مسه
الشر جزوعا ، وإذا مسه الخير منوعا ، إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون ، والذين
فى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم .... ) إلى آخر الآيات
وبذلك قسم الله
الناس إلى قسمين وفقا لمقدار طبيعة هلع الناس ، فمنهم من هو شديد الهلع ومن شديد
الفرح والمنع إذا مسه خيرا ومنهم من تخلص من هذه الصفة المذمومة إذا تسلح بسلاح
الإيمان .
وقدكتب عمر بن عبد
العزيز إلى عدىّ بن عدىّ " إن للإيمان فرائض
وشرائعا وحدودا وسننا فمن استكملها استكمل الإيمان ، ومن لم يستكملها لم يستكمل
الإيمان فإن أعش فأبينها لكم حتى تعملوا بها ن وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص
" .
وقال ابن عمر عبد
الله رضى الله عنهما " لا يبلغ العبد حقيقة
التقوى حتى يدع ما حاك فى الصدر " .
ويعلمنا الله سبحانه وتعالى الإيمان الكامل فى قوله جل ذكره : (( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن
بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وءاتى المال على حبه ذوى القربى
واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وءاتى الزكاة
والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس ، أولئك
الذين صدقوا وأولئك هم المتقون *)
فالإيمان ليس بعملية تجارية ومجادلة ،
وإنما عقيدة تظهر فى قوله جل ذكره : " ولكن البر
من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ........ "
وهذه
هى الصلة بين العبد وربه ، ولنا أن نرد على من ادعوا أن الإيمان يكون بين العبد
وربه فقط ومسئول الإنسان عنه بمفرده ونقول لهم لا تبتروا الآية الكريمة واحذروا ،
فإن الله ألزم بهذه العقيدة عمل الإنسان ، فكان أيضا رابطة بين العبد والعبد ،
وبين العبد والأمة الإسلامية جمعاء ، كما أنه حدد المعاملة بين المؤمن وبين الأمم
الغير إسلامية ، وبين الفرد وبين المشرك والكافر ، فالإيمان علاقة بين العبد وربه
وبين البشرية جمعاء ، بل أكثر من ذلك بين المخلوقات جميعا ، هذا الإيمان الذى حدد
نوع معاملة الإنسان للدواب ، والعلاقة بين الإنس والجن .
وإذا
أمعنا تدقيق النظر نجد أن بدء الخلق حتى إنتهائه سلسلة وحلقة مغلقة ودائرة كلها
إتصال وكل شئ يترتب على ما دونه وأعلاه .
وهذا
الشق الثانى يتضح فى قوله سبحانه : (وءاتى المال على حبه
ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب )
آتى المال على حبه : وهى تعنى أعطى هذا المال الذى له واقع حب وإيثار وفتنة فى نفس
الإنسان ، فلم ينسى ما فرض عليه من زكاة وصدقات لذوى القربى ، واليتامى وهم من فقدوا عائلهم ، والمساكين الذين لا يجدون إلا
قوت يومهم ، وابن السبيل
وهو المسافر الذى يحتاج فى سفره لمأوى أو مال أو طعام ، والسائلين وطالبى المال الذين لا يجدون قوت يومهم (
وليس المتسولين الذين يتكسبون بعمل السؤال ) وفى الرقاب أى بذل المال لتحرير العبيد من ذل
العبودية .
وهذه
هى علاقة المؤمن بالناس .
أما
علاقة المؤمن بنفسه وربه من هذا الجانب العملى فتتجلى فى قوله جل شأنه : (وأقام الصلاة وءاتى الزكاة ) ، تلك الصلاة التى هى صورة
من صور اللجوء إلى الله بالدعاء ليخفف عن نفسه وكذلك هى راحة جسدية ، وراحة نفسية
للعبد ، أما الزكاة فهى تطهير للنفس ، وهى حق ذوى الحاجة على من لديه زيادة عن
حاجته .
كما
أنه أيضا من العلاقات بين الناس الوفاء بالعهود والمواثيق (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا )
وتلك
علاقة العبد بنفسه (والصابرين فى البأساء والضراء وحين
البأس )
هذا
الصبر على الشر والضر الذى يحمى الإنسان من شرور نفسه بالإستجابة لهلعها بما يزحف
بتلك النفس إلى الهلاك حين الشدة بالفقر ( البأساء )
وحين المرض ( الضراء ) ووقت شدة القتال ( حين البأس ) .
وهذا
هو الإيمان ، شقان متلازمان ، عقيدة وعمل على منهاج وشريعة الشارع جل شأنه يربطان
بين المخلوقات كلها وبين الخالق ولا انفصام بينهما .