بسم الله
الرحمن الرحيم
الآيات 1 ـ 2
( سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ )
سورة أنزلناها وفرضناها : تنبيه على أهمية ما يأت من
أوامر فى السورة
هذه سورة أنزلناها ووضحنا فيها تنبيهات يجب اتباعها بينا فيها الحلال
والحرام
الزانى والزانية إذا كانا بكرا ولم يتزوج كلا منهما فيجب معاقبتهما بالجلد
لكل واحد منهما مائة جلدة فى مشهد من المؤمنين ليكونوا عبرة لمن يفعل فعلهما ولا
تترفقوا بهم ولا ترأفوا بحالهم فتخففوا ما أمر الله فى شرعه ودينه بل شدوا عليهم
الضرب .
هذا لو كنتم تخشون الله وتؤمنون بالله ويوم القيامة
وهذا التنبيه من الحكمة أن يخيف المسلمين من الزنى فلا يأتونه .
وقد تقدم ذكر الزانية قبل الزانى لان المرآة هى المسؤلة
عن اشعال الفتنة واغراء الرجل وهى قادرة على منع الرجل من التطلع اليها
اما عند ذكر حد السرقة فقد تقدم ذكر السارق على السارقة
حيث ان الرجل اقوى واجرأ على السرقة والتلصص اكثر من المرأة
الآية 3
( الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )
ويصدر الأمر لمن يريد الزواج فلا يحل لمؤمن التزوج من زانية أو مشركة ،
والعكس صحيح يحرم على المؤمنة التزوج من زان أو مشرك ،
ولكن إن تابا فيحل التزويج
قال صلى الله عليه وسلم : " لا ينكح الزانى المجلود إلا مثله " .
( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ *إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
أما الذين يقذفون المحصنات العفيفات ظلما فإن حد الله فى شرعه أن يجلد القاذف ثمانين جلدة إذا لم يأت بأربعة من الشهود ، وترد شهادته ، ولا تقبل له شهادة فى أى شئ بعد ذلك ويعتبر فاسقا خارج على الدين
فإذا تاب بعد ذلك وأصلح عمله فإن الله يغفر له ويغفر له المؤمنون .
الآيات 6 ـ 10
(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ
أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ *وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ
اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ *وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ
أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ *وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ
الصَّادِقِينَ *وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ )
وفى حالة إذا قذف زوج زوجته ، أو قذفت زوجة زوجها وليس لأيهما شهود
فيعقد لهما مجلسا يسمى مجلس اللعان
يقسم بالله أحدهما أربع مرات بأنها زانية والشهادة الخامسة أن لعنة الله
عليه لو كان كاذبا
وتقسم الزوجة أربع مرات بأن زوجها كاذب فى ادعاءه عليها والقسم الخامس أن
غضب الله عليها إن كان صادقا فإن فعلت ذلك لا يقام عليها الحد من الرجم
ويفرق بينهما ، ويترك الأمر لقصاص الخالق
والله يتوب على من تاب وهو حكيم فى حدوده التى شرعها وحكيم فى أقواله
وأفعاله وأحكامه ، ولولا فضل الله ورحمته لشق على الناس كثير من أمورهم
لصعوبة المجئ بالشهود فى حالة الزوج والزوجة لما تكون عليه الحالة النفسية عند ضبط هذا .
وحكم الزانى أو الزانية المتزوج منهما هو الرجم
والرجم هو وضع الزانى فى حفرة بالأرض ويرميه المؤمنون بالحجارة حتى الموت والدفن أحياء .
الآية 11
)إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ
شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ
مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيم )
الذين قالوا الكذب والبهتان ، إنما هم جماعة منكم ليس واحدا أو اثنين من
المنافقين
ولا تظنوا ان ذلك شرا لكم بل هو خير يا آل أبى بكر خير فى الدنيا بالصدق
وتبرئة من الله فى قرآن يتلى إلى يوم القيامة يدافع عنكم ، وفى الآخرة رفعة ومنزلة
وشرف بالجنة .
ولكل من تحدث بذلك عقاب إثمه الذى اكتسبه وتكلم به
والذى قام ابتداء بهذا القول له أكثر العذاب وأشده
وعن هذا الحديث الباطل حديث الإفك نوضح بأنه :
قيل فى شأن عائشة أم المؤمنين حين رماها باطلا أهل
البهتان من المنافقين
فقد قالت السيدة عائشة :
كان
رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج
سهمها خرج بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها
فخرج سهمي فخرجت مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد ما نزل الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل
فيه، فسرنا حتّى إذا فرغ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافلين
آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتّى جاوزت الجيش، فلمّا قضيت
شأني أقبلت إلى رحلي فإذا عقد لي من جزع ظفار(2) قد انقطع فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه، وأقبل
الرهط
الذين كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت وهم يحسبون
انّي فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم انّما تأكل العلقة(3) من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين
رفعوه وكنت جارية... حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعدما استمر
الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فاقمت في منزلي الذي كنت به وظننت
أنّهم سيفقدوني فيرجعون إليّ، فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان
صفوان بن المعطل السلمي ثم الزكواني ـ عرس ـ(4) من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد
إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه
حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي واللّه ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير
استرجاعه، حتّى أناخ راحلته فوطئ على يديها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتّى
أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة(5) فهلك من هلك وكان الذي تولى الافك عبداللّه بن
أبي بن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب
الافك لا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي انّي لا أعرف من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
اللطف الذي كنت أرى منه حين اشتكي، إنما يدخل عليّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
فيسلم ثمّ يقول:
كيف
تيكم؟ ثم ينصرف فذاك الذي يريبني ولا أشعر، حتّى خرجت بعدما نقهت فخرجت معي أمّ
مسطح قبل المناصع(6) وهو متبرزنا، وكنا لا نخرج إلاّليلاً إلى ليل،
وذلك قبل ان نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الاول في التبرز قبل
الغائط، فكنا نتأذى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا.
فانطلقت
أنا وأمّ مسطح وهي ابنة أبي رُهم بن عبد مناف وأمّها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر
الصدّيق وابنها مسطح بن اثاثة، فأقبلت أنا وأمّ مسطح قبل بيتي قد فرغنا من شأننا
فعثرت أمّ مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح.
فقلت
لها: بئس ما قلت أتسبين رجلاً شهد بدرا؟
قالت:
أي هنتاه(7) أو لم تسمعي ما قال؟
قلت:
وما قال؟
قالت:
فأخبرتني بقول أهل الافك فازددت مرضا على مرضي، قالت: فلما رجعت إلى بيتي ودخل
عليّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ـ تعني سلّم ـ ثمّ قال: كيف تيكم؟
فقلت:
أتأذن لي أن آتي أبويَّ؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، قالت:
فأذن لي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فجئت أبويَّ فقلت لامّي: يا أمتاه ما يتحدّث
الناس؟ قالت: يا بنيّة هوّني عليك فواللّه لقلّما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل
يحبّها ولها ضرائر إلاّ كثرن عليها، قالت: فقلت: سبحان اللّه ولقد تحدّث الناس
بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتّى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتّى
أصبحت أبكي، فدعا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب
وأسامة
بن زيد رضي اللّه عنهما حين استلبث الوحي
يستأمرهما فراق أهله، قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود فقال: يا رسول
اللّه أهلك وما نعلم إلاّ خيرا، وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: يا رسول اللّه لم
يضيق اللّه عليك والنساء سواها كثير، تسأل الجارية تصدقك، قالت: فدعا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
بريرة، فقال: أي بريرة هل رأيت شيء يريبك؟ قالت بريرة: لا والذي بعثك
بالحقّ ان رأيت عليها أمرا أغمصه(8) عليها أكثر من انّها جارية حديثة السن تنام عن
عجين أهلها فتأتي الداجن(9) فتأكله، فقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
فاستعذر يومئذ عبداللّه بن أبي ابن سلول، قالت: فقال رسول اللّه وهو على
المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فواللّه ما
علمت على أهلي إلاّ خيرا. ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلاّ خيرا وما كان يدخل
على أهلي إلاّ معي، فقام سعد بن معاذ الانصاري فقال: يا رسول اللّه أنا أعذرك منه
إن كان من الاوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.
قالت:
فقام سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج وكان قبل ذلك رجلاً صالحا، ولكن احتملته الحمية
فقال لسعد: كذبت لعمر اللّه لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير وهو ابن
عم سعد فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر اللّه لنقتلنه فانّك منافق تجادل عن
المنافقين، فتثاور الحيان الاوس والخزرج حتّى همّوا ان يقتتلوا ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم
قائم على المنبر فلم يزل رسول اللّه صلى الله عليه
وسلم يخفضهم حتّى سكتوا وسكت،
قالت: فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، قالت: فأصبح أبواي عندي وقد
بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع يظنان أنّ البكاء فالق كبدي،
قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت عليّ امرأة من الانصار فأذنت لها
فجلست تبكي معي، قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
فسلّم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل قبلها وقد لبث شهرا
لا يوحى إليه في شأني، قالت: فتشهد رسول اللّه صلى الله
عليه وسلم حين جلس ثمّ قال: أما
بعد يا عائشة فأنّه قد بلغني عنك كذا وكذا فان كنت بريئة فسيبرئك اللّه وان كنت
ألممت بذنب فاستغفري اللّه وتوبي إليه فانّ العبد إذا اعترف بذنبه
ثم
تاب إلى اللّه تاب اللّه عليه، قالت: فلما قضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتّى ما احس منه قطرة فقلت لابي:
أجب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيما قال:
قال:
واللّه ما أدري ما أقول لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم
فقلت لامّي: أجيبي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قالت: ما أدري ما أقول لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم قالت: فقلت وأنا جارية حديثة السن لا
أقرأ كثيرا من القرآن: انّي واللّه لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتّى استقرّ في
أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم انّي بريئة واللّه يعلم انّي بريئة لا تصدقوني
واللّه ما أجد لكم مثلاً إلا قول أبي يوسف: (فصبر جميل
واللّه المستعان على ما تصفون ) قالت: ثم تحوّلت فاضطجعت على فراشي، قالت:
وأنا حينئذ أعلم انّي بريئة وانّ اللّه مبرئني ببراءتي ولكن واللّه ما كنت اظن ان
اللّه ينزل في شأني وحيا يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلّم اللّه فيَّ
بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول اللّه صلى الله
عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني اللّه بها، قالت: فواللّه ما قام رسول
اللّه صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من أهل
البيت حتّى أنزل عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء(10) حتّى أنّه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو
في يوم شات من ثقل القول الذي ينزل عليه قالت: فلما سرّي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وسري عنه وهو يضحك فكانت أول كلمة
تكلم بها: يا عائشة اما اللّه عزّ وجلَّ فقد برأك، فقالت أمّي:
قومي
إليه، قالت: فقلت: واللّه لا أقوم إليه ولا أحمد إلاّ اللّه عزّ وجلّ وأنزل اللّه:
(إنّ الذين جاءوا بالافك عصبة منكم) العشر الايات كلّها،
فلمّا أنزل اللّه هذا في براءتي قال أبو بكر الصدّيق ـ وكان ينفق على مسطح بن
اثاثة لقرابته منه وفقره ـ: واللّه لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال
لعائشة ما قال. فانزل اللّه: (ولا يأتل اُولو الفضل منكم
والسعة أن يؤتوا اُولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيلِ اللّهِ وليعفوا
وليصفحوا الا تحبّون أن يغفر اللّه لكم واللّهُ غفورٌ رحيمٌ) قال أبو بكر:
بلى واللّه انّي أحبّ أن يغفر اللّه لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه
وقال: واللّه لا أنزعها منه أبدا، قالت عائشة: وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمري فقال
لزينب:
ماذا
علمت أو رأيت؟ فقالت: يا رسول اللّه أحمي سمعي وبصري، واللّه ما علمت إلاّ خيرا،
قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبيّ صلى
الله عليه وسلم فعصمها اللّه بالورع، قالت: وطفقت أختها حمنة تحارب لها
فهلكت في من هلك من أصحاب الافك.
الجزع: الخزر اليماني وظفار: بلد باليمن.
3 العلقة: البلعة من
الطعام.
4 في رواية مسلم . وعرس في السفر : نزل آخر
الليل لنوم أو استراحة ، أدلج : سار آخر الليل .
5 في نحر
الظهيرة: نحر الظهيرة حين تبلغ الشمس منتهاها من ارتفاع كأنها وصلت الى النحر
وهو أعلى الصدر .
6 المناصع: هي المواضع التي يختلى
فيها لقضاء الحاجة واحدها منصع.
7 أي هنتاه: يا امرأة، يا
هذه، يا بلهاء.
8 اغمصه : اعيبه عليها.
9 الداجن : هو الشاة
التي يعلفها الناس في منازلهم وقد يسمى به كل ما يألف البيوت من الطير وغيرها.
10 البرحاء: الشدّة.
الآيات 12 ـ 13
( لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ
الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ
مُّبِينٌ *لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُولَئِكَ عِندَ
اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ )
كان الأولى إذا سمعتم هذا القول الذى رميت به
عائشة لكان المؤمنين والمؤمنات ثقل عليهم هذا القول وكانوا ظنوا الخير وكذبوا ذلك
وقالوا إن هذا باطلا وإفتراء عليها
الذين
تقولوا عليها لو ما أتوا بأربعة شهداء يشهدون معهم على قولهم ، فإنهم فاسقون
كاذبون فى حكم الله فاجرون .
الآيات 14 ـ 15
( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ *إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ )
ولولا أنكم أيها الخائضون فى أمر السيدة عائشة ، تؤمنون باليوم الآخر وتبتم عما أفضتم فيه لكان الله عذبكم عذابا شديدا ، ولكن فضل الله عليكم كبير .
إنكم
تقولون بألسنتكم أشياء لا تلقون بها بالا وليس لكم بها دليل ولا علم وتظنون أنها
بسيطة هينة ، ولكن هذا القول عند الله عظيم وحسابه عليه عسير .
الآيات 16 ـ 18
( وَلَوْلا إِذْ
سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا
بُهْتَانٌ عَظِيمٌ *
يَعِظُكُمُ اللَّهُ
أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ *وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ
الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
كان الحرى بكم إذا سمعتم مثل هذا القول أن تقولوا ليس لنا أن نتحدث فى مثل ذلك ، تعالى الله وتنزه فى علاه ، إن هذا ظلم عظيم وكذب
الله
يحذركم أن تعودوا لمثل ذلك أبدا لو أنكم حقا مؤمنين .
ويوضح الله لكم الدلائل لأنه عليم بما يضركم وينفعكم وحكيم فى أقواله وأفعاله .
الآية
19
( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ )
فالذين
يخطر بخاطرهم سوء الحديث فيتكلمون به وينشرون الفواحش بالقول والقذف للمؤمنين فإن
الله معذبهم عذابا أليما فى الدنيا والآخرة
والله يعلم ما يضركم وما ينفعكم ويرجع إليه جميع الأمور .
الآيات
20 ـ 21
( وَلَوْلا فَضْلُ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ
وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء
وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم
مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ )
ولولا أن الله كان بالمؤمنين رؤوف رحيم لكان هناك عقاب من الله ولكنه يعظكم ليقيم عليكم الحجة ويرحمكم
أيها
المؤمنين ، لا تطيعوا الشيطان الذى يغويكم ، لأنه يأمر بالسوء من الأقوال والأفعال
ويأمركم بما أنكر الله عليكم من فواحش .
ولولا أن الله رحيم بكم وذو فضل عليكم ما جعل من نفس منكم زكية ولا طهر لأحد منكم نفسا ، فالله هو الذى يطهر النفوس لأنه سميع وعليم بأفعالكم وأقوالكم ويعلم من يستحق التزكية ومن يجب أن يعاقب .
الآية 22
)وَلا
يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى
وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا
وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ )
ولا يحلف
أصحاب الفضل والصدقات والإحسان على أن يصلوا رحمهم ويعطوا الأقرباء والمساكين
والمهاجرين فى سبيل الله
وليتسامحوا
ويغفروا لمن أخطأ منهم
ألا تحبون أن يغفر لكم الله الكثير المغفرة والرحيم بالمؤمنين ؟ .
أسباب
نزول الآية :
.......................
نزلت
فى أبى بكر الصديق
بعد
ما حدث من حديث لإفك من مسطح بن أثاثة ابن خالة الصديق ، حلف الصديق بأن لا ينفعه
بنافعة أبدا وقد كان يعطف عليه ويجزل له العطاء لأنه كان مسكينا ولا مال له .
فلما حدث حديث الإفك عن السيدة عائشة ابنته وبعد أإن حسم الله الأمر وكشفه وأنزل الله براءتها ، وأقيم الحد على من قال ذلك ، شرع الله فى أن يرشد الصديق بالعطف على قريبه وقد كان من المجاهدين فى سبيل الله وزل زلته وتاب وأقيم عليه الحد ، فأنزل الله الآية يعطفه عليه فتراجع الصديق عن قسمه الذى أقسم وعاد للعطاء له ثانية نزولا على أمر الله عز وجل .
الآيات 23 ـ 25
( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ
الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ
وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ
الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ )
وهذا وعيد
من الله عز وجل لمن يرمى المحصنات من النساء بالعذاب فى الدنيا والآخرة جزاء لهم
ففى الدنيا
يقام عليهم الحد وهو الجلد ثمانين جلدة وفى الآخرة العذاب فى النار .
ويوم
القيامة يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وألسنتهم وأرجلهم ويشهدون على ما عملوا فى
الدنيا
وعندئذ
يحاسبهم الله بالعدل وبما كسبوا فى الدنيا وسيعرفون أن الله هو الحكم والعدل الذى
لا جور فيه .
ومن
سب السيدة عائشة بعد ذلك فهو خارج على القرآن الذى أنزل الله وهو بذلك يكون كافرا
.
الآية 26
)الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ )
الخبيثات
من القول للخبيثين من الرجال
والخبيثون
من الرجال للخبيثات من القول
والقول
الطيب للطيبين من الرجال
والطيبون
من الرجال للطيب من القول
وقال أحد
الصحابة فى معناها أن :
النساء
الخبيثات للرجال الخبيثة
والنساء
الطيبات للرجال الطيبون
ومحمد طيب
وجعل الله له السيدة عائشة من الطيبات
ولولا أنها
طيبة ما كان الله جعلها زوجة له .
وآل محمد
مبرءون من قول الإفك والزور فيهم ، وبسبب ما قيل فيهم غفر الله لهم وجعل لهم رزق
حسن كريم فى الجنة ووعد بأن تكون عائشة زوجة الرسول فى الجنة .
وهذا يعنى
أن الكلام القبيح هو أولى بالقبيحين من الناس ، والكلام الطيب أولى بأهله من
الطيبين من الناس
الآيات 27 ـ 29
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا
عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى
يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ *لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن
تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ )
يأمر الله
المؤمنين بأن يستأذنوا عند دخولهم بيوتا غير بيوتهم .
ويكون ذلك
ثلاث مرات فإن أذن لهم بالدخول دخلوا ، وإن لم يؤذن لهم فينصرفوا
وهذا فضل
وخير للمؤمنين لأن الله عليم بأحوال الناس ويعلم ما يصلح أمورهم
وخير
للطرفين لأهل البيت وللقادم عليهم .
ولا ضرر من
الدخول فى البيوت التى ليس بها أحد إذا كانت هناك حاجة لذلك بغير إذن مثل بيت
الضيافة وبيوت التجار ـ الدكاكين ـ للشراء والتجارة ، والبيت الحرام ، ومنازل
الأسفار ـ اللوكاندات ـ وغيرها مما لا يستوجب الإستئذان .
الآية 30
( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )الأمر
الآخر للمؤمنين ، وهو غض البصر عما حرم الله ، فإذا وقع البصر على محرم يجب رد
البصر سريعا ، وحفظ الفرج عن الفواحش وما حرم الله
فالنظر يؤدى إلى فساد القلب ، والله يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور .
الآية
31
( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )
وكما أمر الله المؤمنين بغض البصر ، فإنه يأمر النساء المؤمنات أيضا بذلك ، وعدم النظر لغير أزواجهن أو ما يفسد قلوبهن بشهوة أو غير شهوة
ويأمرهن بحفظ الفرج عما لا يحل لهن
ويأمرهن
بعدم إظهار الزينة للأجانب من الرجال ، إلا ما لا يمكن إخفاءه مثل الثياب والبعض
قال الوجه والكفين .
ويأمر سبحانه بوضع الخمار على فتحة الصدر والعنق والشعر والآذان .
والزينة هى
القرط والخاتم والخلخال والقلادة والسوار ولون الثياب
ثم يحدد
الله المحارم الذين يجوز للمرأة أن تظهر زينتها أمامهم بدون تبرج وهم : الأزواج
والآباء ، وأب الزوج ، والأبناء ، وأبناء الزوج ، والأخوة ، وإبناء الأخوة
والأخوات ،
و نساء
المسلمات ويمنع عن نساء الكافرات وهذا المقصود بقوله نسائهن
ما ملكت أيمانهن : وهم الرقيق من الرجال والنساء
التابعين غير أولى الإربة من الرجال : وهم الأجراء والخدم الذين ليسوا لهم شهوة إلى النساء من وله العقل أو الغفلة أو المخنث ( الذى لا يشتد ذكره )
الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء: الأطفال الذين لا يفهمون أحوال النساء من عورة أو ميل القول أو ترنح المشية أو نظرة العين وما غير ذلك من الأشياء التى تميل قلب الرجل
ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن : وهذا أمر للنساء باعتدال المشية وعدم الضرب بالرجل ليسمع صوت الخلخال أو ما ستر فى قدمها
ثم يأمر
الله الجميع بالتوبة من الصفات السيئة وميل النفس
والله يقبل
التوبة ويرشد إلى ما فيه فلاح المؤمنين .
الآيات
32 ـ 34
( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ )
وَأَنكِحُوا : أمر بالتزويج
الأَيَامَى : من لا
زوج له رجل أو إمرأة
وهذا أمر لتزويج من لا زوج لها أو لا زوجة له من المسلمين والصالحين فالله يغنى كلا من سعته وفضله فهو يعلم من يحتاج للرزق فيرزقه بما يكفيه
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا
حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ : ومن لا يجد
التزويج فعليه بالتعفف عن الحرام حتى ييسر له الله من أمره وعليه بغض البصر
والصيام
وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا :
وهنا أمر
للسادة بأن إذا طلب عبيدهم أن يكاتبوهم على اقتراض مال إذا طلبوا منهم الكتابة
بشرط أن يكون العبد له حيلة فى الكسب حتى يؤدى إلى سيده المال الذى اشترط عليه
أداءه ، وأن تعلموا فيهم الأمانة والصدق .
وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ : واعطوهم من مال الزكاة
وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ
تَحَصُّنًا :
ولا تجبروا الإماء على الزنا للكسب ................ وقد اشتهر ذلك فى الجاهلية
ولو فعلتم ذلك فإن الله يغفر لهم لأنكم اضطررتموهن على ذلك والإثم
على من أكرههن
وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ: وقد أنزل ذلك واضحا فى القرآن ، مع ضرب الأمثال لمن سبقوكم من الأمم لتكون موعظة لمن خاف عقاب الله
الآية
35
( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ
الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ
لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ
تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ
لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ )
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ : الله هو هادى أهل السموات وأهل الأرض وجعل القرآن نورا لهم يهديهم إلى
ما فيه خيرهم وسلامتهم
و
مَثَلُ نُورِهِ : مثل نور الهداية فى قلب المؤمن
كمثل المشكاة
ـ أى فتيلة القنديل ـ التى هى قلب المؤمن وبها مصباح
والمصباح فى زجاجة من الزجاج
الشفاف الصافى يخرج منها نور مشرق كالكوكب المضىء الذى يستمد زيته من زيت زيتون من
شجرة مباركة ليست تصل إلى الشرق ليلفحها حر الشمس ولا إلى الغرب فيضرها امتناع الشمس
عنها عند الغروب ، وإنما هى فى الوسط يعصرها ضوء الشمس من أول النهار لآخره فيكون
زيتها صاف معتدل ومن أجود أنواع الزيت
والإيمان بقلب المؤمن ينطبع على
عمله فيكون قلبه نور وعمله نور الهداية وكلامه وفعله نور يهديه إلى مصير النور
والنعيم فى الجنة فأصبح نور على نور .
ويهدى الله إلى طريق الحق من يختاره من عباده الصالحين الذين يعلم ما فى
قلوبهم من خير فهو واسع العلم بكل شئ .
وهكذا يضرب الله لعباده الأمثال ليفهموا ويتدبروا .
الآيات
36 ـ 38
( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ ، يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ )
وهذه القلوب الصافية التى تضئ
بنور الإيمان محلها المساجد التى أمر الله أن تطهر ويرفع شأنها وتحترم وتطهر من
دنس الفعل والقول واللغو الذى لا يليق بها لأنها يذكر فيها اسم الله ويصلى بها
توجها لله منذ الفجر حتى نهاية النهار ودخول الليل .
ويتلوا كتاب الله فى الصلوات
رجال لهم همم عالية وعزائم لا يشغلهم عن ذكر الله تجارة أو عمل ولا بيع ولا شراء
ولا ملاذ الدنيا ، يحبون الله ويدعونه خوفا من هول القيامة وطمعا فى مغفرة الله
وجنته .
وسيجزيهم الله بأحسن أعمالهم ويجزل لهم العطاء والفضل والرزق الحسن فى الدنيا والآخرة بدون حساب ويتجاوز عن سيئاتهم .
الآيات 39 ـ 40
ويضرب الله هنا
مثلين لنوعين من الكفار :
الأول : مثل الكفار الدعاة إلى كفرهم
هم يحسبون أنهم على الحق وهم فى الحقيقة ليسوا على شئ ، فمثلهم كالسراب الذى يرى
فى القيعان من الأرض على بعد كأنه ماء فى نصف النهار فإذا اقترب منه لم يجد الماء
ويبعد السراب وكلما اقترب يجد أنه ليس بماء
وعندما يظن الكافر أنه فعل شئ يجد أن الله يوفيه حسابه ويعاقبه على سوء فعله .
الثانى : يضرب للكفار أصحاب الجهل المقلدون
مثلهم كمثل الظلام المركب فى بحر عميق لجى طبقاته أمواج فوق بعضها ، وفوقها سحب
تزيد من طبقات الظلام وهى قلب الكافر الذى يغشاه ظلام الجهل والغشاوة على قلبه
وسمعه وبصره وعمله ومصيره إلى النار .
وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ : ومن لم يشأ
الله له الهداية فلا هادى له وهو هالك بلا محالة .
الآيات 41 ـ 42
(
أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ
صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا
يَفْعَلُونَ * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ
الْمَصِيرُ )
الله تقدسه السموات السبع والأرض ومن فيهن من مخلوقات
وكل شئ ينزهه ويعظمه ويحمده على نعمائه ويسبحون كلٌ بلغته ولكن الناس لا يفهمون
هذا التسبيح ، والله أرشد كل شئ لطريقة تسبيحه .
الإنسان
لا يسمع إلا الأصوات التى لها تردد معين لا يقل عنه ولا يزداد
وهناك أشياء لها أصوات أعلى من هذا التردد وأخرى أقل منه من الجمادات فلا تسمعها
أذن الإنسان
وكذلك
لغات الحيوانات والطيور فى حال طيرانها صافات ، والنباتات لا يفهمها الإنسان وكذلك
تختلف الناس فى لغاتهم ... والجميع يسبح الله ويحمده
والله يعلم ما تفعل كل المخلوقات .
والله هو الحاكم المتصرف فى الكون كله ويوم القيامة يرجع له الحكم فى أمور العباد
.الآيات 43 ـ 44
( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ * يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الأَبْصَارِ )
الله يسوق السحاب
ويجمعه بعد تفرقه
ويجعله متراكما
بعضه على بعض
فيخرج من بينه
المطر من السماء
وتنزل جبال البرد
التى فى السماء ما فيها من برد
فينزل الله المطر
والبرد على من يشاء رحمة لهم ويمنعه عن من يشاء فربما يكون عليهم ضرر .
ويكاد ضوء البرق
يخطف الأبصار إذا نظر إليه
ويغير الله من
طول الليل والنهار ويدخل هذا فى ذاك ليعتدلا
وفى ذلك كله عبرة
ودليل على عظمة الله .
الآيات
45 ـ 46
( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ
دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي
عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا
يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *
لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ
يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )
لله
العظمة فى قدرته فقد خلق كل الدواب من الماء على اختلاف أشكالها وأنواعها وألوانها
وحركاتها ، فمنهم من يمشى زحفا على بطنه ومنهم من يمشى على رجلين ومنهم من يمشى
على أربعة أرجل ومنهم من يمشى على أكثر من ذلك ، والله يخلق ما يريد وهو قادر على
أى شئ .
ولقد
أنزل الله فى هذا القرآن من الحكم والدلائل الواضحة على قدرة الله وعظمته
والله
يرشد من يرى أنه يستحق الهداية إلى الطريق السوى المستقيم فيتفهمه ويعقله
الآيات
47 ـ52
( وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ
وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا
أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ *
وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ
لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ *
وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا
إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ
يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا
دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *
وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ
اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ )
المنافقون يقولون نحن نؤمن بالله
والرسول ولكنهم يفعلون ما لا يقولون ويظهرون ما يخالف باطنهم ، فهم ليسوا بمؤمنين
.
وإذا طلب منهم اتباع ما أنزل
الله من الهدى على رسوله حيث ليس لهم حق ، فإنهم يستكبرون فى أنفسهم عن اتباعه .
وإذا كان لهم حق فإنهم جاؤوا
مطيعين لأنه وافق هواهم .
وتصرفهم هذا لايخرج عن أن قلوبهم
مريضة
أو أنهم يشكون فى الدين والله
والرسول
أو إنهم يخافون أن يجور عليهم
الله والرسول فى الحكم
وأيا كان ذلك فهم الظالمون الجاحدون
الكافرون .
لأن قول المؤمنين إذا حكم الله
ورسوله بينهم يجب أن يكون الطاعة والسمع والرضا بحكم الله ورسوله ليكون من
الفائزين .
فمن أطاع الله ورسوله كان فائزا
فى الدنيا والآخرة .
الآيات 53 ـ 54
( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل
لّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ
مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * قُلْ
أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى
الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ )
هؤلاء
المنافقين يقسمون بأنهم لو أمرتهم يا محمد بالخروج للقتال معك فسوف يطيعونك
قل
لهم : اجعلوا طاعتكم معروفة بدون حلف ،
فالله علم طاعتكم ويعلم جيدا كل ما تفعلون ويعلم من يطيع ممن يعصى .
ادعوهم
يا محمد لطاعة الله ورسوله واتباع ما نزل من الحق بالقرآن الكريم ، فإن تركتم ما
جاءكم به فعلى الرسول إبلاغ الرسالة التى حملها له الله ، وعليكم قبول ذلك
والإنقياد به
ولو
أطعتموه لكان خيرا لكم لأنه يدعوا إلى الصراط المستقيم ، وليس عليه إلا الإبلاغ
الواضح وعلى الله المحاسبة .
الآيات 55
( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ
دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ
خَوْفِهِمْ أَمْنًا
يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ )
وهذا وعد من الله للمؤمنين الذين يعملون ما أمر الله به
ويطيعونه ويصلحون بأن ينصرهم و يجعلهم خلفاء فى الأرض وولاة على الناس ويصلح لهم
بلادهم ويبدلهم من بعد الخوف أمنة كما فعل بمن قبلهم من المؤمنين
ووعدهم أن ينشر لهم دينهم الذى ارتضاه وهو الإسلام فى
الأرض ويمكنهم بذلك فى عدوهم ويملكهم الأرض ، على شرط أن يعبدوا الله وحده ولا
يشركوا فى عبادته شئ آخر
أما من كفر بعد ذلك وخرج على طاعة الله فكفى له هذا ذنبا
عظيما يحاسبه عليه .
الآيات 56 ـ 57
( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ *
لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ
وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ )
يأمر
الله عباده المؤمنين أن يؤدوا الصلاة فى أوقاتها ويتموا شعائرها
ويدفعوا
زكاة أموالهم
ويطيعوا
الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فى جميع
الأمور
وأن
فى ذلك رحمة لهم من الله فى الدنيا والآخرة
واعلموا
أن الكفار لا يعجزون الله هربا فى الأرض ولن يفلتوا من عذاب الله
ومصيرهم
إلى النار فى الآخرة وبئس المصير .
الآيات
58 ـ 60
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ
يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ
تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاء ثَلاثُ
عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ
جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ
عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ
مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَالْقَوَاعِدُ مِنَ
النِّسَاء الَّلاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ
ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ
لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
وفى هذه الآية حكم آخر من
الأحكام التى وردت بالسورة لتحكم العلاقات بين الناس ، وهو حكم الدخول مع
الإستئذان بين الأقارب بعضهم على بعض ، أما ما ورد فى بداية السورة فكان
استئذان الأجانب بعضهم بعضا .
يأمر الله الخدم أن يستئذنوا
وكذلك الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم للدخول على الكبار فى ثلاثة أحوال :
من قبل صلاة الالظهر حيث الناس نيام فى فرشهم
وفى وقت القيلولة بعد العصر فقد
يضع الإنسان ثيابه للراحة مع الحرارة المرتفعة
وبعد صلاة العشاء لأنه وقت النوم
وقد يكون الرجل مع زوجته ، فلا يدخل الخدم أو الأطفال بدون استئذان كما استأذن
الكبار من ولد الرجل وأقاربه .
أما غير هذه الأحوال الثلاثة فلا
حرج فى الدخول على بعض بلا حرج لأجل الخدمة .
وهكذا يوضح الله للناس شئون
حياتهم لأن الله يعلم ضوابط الأمور وحكيم فى أقواله وأفعاله .
والنساء اللواتى كبرن فى السن
ولم يعد لديهن من الشهوة ولا رغبة التزوج فلا حرج أن يضعن ثيابهن من كشف الوجه
والكفين أو التخفيف من الحجاب بدون أن يتبرجن بزينة
وأن يتمسكن بالحجاب فهو أفضل لهن
والله سميع عليم بخبايا النفوس .
الآيات
61
( لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى
الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا
مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ
بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ
عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا
مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا
جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى
أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ
اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون )
يرفع الحرج عن الأعمى وعن المريض
وعن الأعرج فى عدم مؤاكلتهم وذلك لأن الناس كانوا يتحرجون من مؤاكلتهم معهم لأن
الأعمى لا يرى الأكل فربما يسبق لما فيه من خير من يرى ويأكل معه
وعن الأعرج لأنه لا يستطيع
الجلوس بما يعينه على تناول الطعام مثل غيره
وعن المريض الذى لا يستوف حقه من
الطعام مثل غيره ، فلا حرج فى عدم مؤاكلتهم مع الأصحاء .
ولا حرج على المؤمنين من أن
يأكلوا فى بيوت الأبناء والآباء والخالات وجميع من
ذكروا فى الآية من أقرباء وكذلك الصديق ، و إذا
علمتم أن ذلك لا يشق عليهم ولا يكرهون ذلك ، فلكم أن تأكلوا بغير إذنهم
مَا مَلَكْتُم
مَّفَاتِحَهُ : وليس على
الخادم من حرج فى أن يأكل مما أعطاه سيده
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا : ولا حرج لو أكلتم فى جماعة أو فرادى
وعند دخولكم البيوت فسلموا على
أهلها تحية مباركة من الله
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ
اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون : وهكذا يوضح الله فى السورة من الشرائع والعبادات
والأحكام لتتدبروا وتتعقلوا
الآيات
62
( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ
يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ
شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
وهنا
تأدب آخر وهو الإستئذان عند الإنصراف كما أمر من قبل بالإستئذان عند الدخول فيقول
:
إن من
صفات المؤمنين أنهم إذا كانوا على أمر جامع مع الرسول صلى
الله عليه وسلم فيجب أن لا يتفرقوا
حتى يستئذنوا منه
ثم يأمر
الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأذن إذا شاء ويستغفر للمؤمنين
فالله غفور رحيم بالمؤمنين .
الآية
63
( لا تَجْعَلُوا دُعَاء
الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ
يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ
أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
يا أيها
المؤمنون لا تسموا الرسول باسمه أو كنيته إذا دعوتموه كما تدعون بعضكم بعض ، ولكن
ادعوه يا رسول الله أو يانبى الله تعظيما له
( وتعظيم الرسول من تعظيم الله وإلقاء الإحترام والتوقير له صلى الله عليه وسلم يعلى
شأن الرسالة التى جاء بها فيخضع الناس للطاعة وتكون لهم السلامة )
كان بعض
الناس يلوذ وينشغل بعضهم ببعض إذا كانوا مع الرسول فى جماعة حتى يختفى بعضهم عنه
فلا يراهم ثم يتسللون بعيدا عنه ، فلا يعلمون ما أمر به وما أتى به من قرآن وآيات
وأوامر ونواهى ، فأنزل الله الآية يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ
لِوَاذًا ليحذرهم بأن الله يراهم ويحذر الذين يخالفونه بأن تصيبهم فتنة النفاق
والكفر أو البدعة فى قلوبهم أ وعذاب الله المؤلم .
الآية
64
( أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ
إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )
الله يملك السموات والأرض ويعلم الغيب ويعلم الشهادة ويعلم ما تفعل العباد فى سرهم وعلانيتهم ، ويوم القيامة يرجع الخلائق إلى الله فيخبرهم بما عملوا فى الدنيا فهو يعلم كل شئ كبير أو صغير هام أو حقير .ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمت
بحمد الله تعالى .