تفسير سورة آل عمران
قال تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
( الم * الله لا إله إلا هو الحى القيوم * نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل * من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان ، إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد ، والله عزيز ذو انتقام * ) 1 ـ 4
الحروف فى بداية السورة كما أوضحنا فى البقرة هى :
ألم :
الحروف فى بداية السور قال فيها العلماء عدة أقوال :
1 ـ أن هذا القرآن بنفس حروف الهجاء بلغة العرب ، حتى ينتبهوا لما ينزل من السماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يحدثهم فى امور دنياهم وأخراهم
2 ـ أن هذا القرآن ينزل بنفس حروف الهجاء للغتهم ولم يفهموا معناها بالرغم من براعتهم فى استخدام اللغة
3 ـ ويتحدى البلغاء منهم أن يأتوا بسورة مثلها ، أو آية
فهو أداة إعجاز كما كانت العصاة أداة إعجاز موسى
4 ـ عندما يحدث البلغاء بحروف لم يفهموها فهذا يجذب الأنتباه
فكأنه يقول ( انتبهوا فالأمر جد خطير )
( الله لا إله إلا هو الحى القيوم )
لاإله إلا الله
عن أبى سعيد الخدرى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( قال موسى : يارب علمنى شيئا أذكرك به وأدعوك به ،
قال : قال يا موسى : لاإله إلا الله ، قال يارب كل عبادك يقول هذا ،
قال : قل لا إله إلا الله
قالموسى : إنما أريد شيئا تخصنى به
قال : ياموسى لو أن أهل السموات السبع والأرضين السبع فى كفة ولاإله إلا الله فى كفة مالت بهم لاإله إلا الله )
الحى القيوم
حى فى ذاته لا يموت ولا ينام لأن فى النوم موتة مؤقته
لا تأخذه سنة ولا نوم
وقال ابن عباس : ( إن بنى إسرائيل قالوا لموسى : هل ينام ربك ؟
قال : اتقوا الله
فناداه ربه عز وجل : ياموسى سألوك هل ينام ربك ؟ فخذ زجاجتين فى يدك فقم الليل
ففعل موسى
فلما ذهب من الليل ثلثه نعس فسقط لركبتيه ثم أنتعش فضبطهما حتى إذا كان آخر الليل نعس فسقطت الزجاجتان فانكسرتا
فقال ربه عزوجل : يا موسى لو كنت أنام لسقطت السموات والأرض فهلكن كما هلكت الزجاجتان فى يدك )
قيومقيم لغيره فجميع الموجودات تفتقر إليه وهو غنى عنها
نزل عليك القرآن يا محمد بلا شك فيه وهو يصدق ما قبله من كتب سماوية أنزلت من قبله وهذه الكتب تصدقه وتبشر به وكذلك التوراة على موسى والإنجيل على عيسى من قبل هذا القرآن ليفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال
والذين جحدوا بها وأنكروها وكفروها لهم عذاب شديد يوم القيامة فالله قوى السلطان منتقم منهم
الآيات 5 ـ 6
( إن الله لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء * هو الذى يصوركم فى الأرحام كيف يشاء لآ إله إلا هو العزيز الحكيم )
يخبر الله تعالى أنه يعلم كل شئ فى السموات والأرض وهو الذى يخلقنا فى أرحام أمهاتنا كما يريد ذكر أو أنثى ، حسن وقبيح ، وهو يستحق وحده الألوهية
الآية 7
( هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ، فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا ، وما يذكر إلا أولوا الألباب )
يخبر تعالى بأنه أنزل بينات واضحة يرجع إليها وليس فيها شك لأحد
كما أنزل أمور غير واضحة
فمن رجع إلى الحق فقد اهتدى ومن لجأ لما فيه التباس وغير وضوح ليوافق هواه فقد ضل
مثال بأن النصارى أتخذوا قول القرآن بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وهى غير واضحة المعنى لدى البعض وتركوا قوله تعالى ( إن مثل عيسىعند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون )
وهم بذلك يريدون الفتنة ، أما أهل العلم والمتفقهون فى الدين يقولون آمنا بما جاء كله فى القرآن ولا يبتغون غير رضوان الله
الآية 8 ـ 9
( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة ، إنك أنت الوهاب * ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ، إن الله لا يخلف الميعاد )
يخبر الله تعالى عن من يؤمنون بالله ويتبعون ما جاء من الحق بأنهم يقولون ربنا ثبتنا على دين الحق الذى أنعمت علينا بالهداية له وزدنا إيمان
ربنا نشهد أنك ستجمع الناس يوم القيامة وتحكم بينهم فيما اختلفوا فيه وتجزى كل بعمله
الآيات 10 ـ 11
( إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ، وأولئك هم وقود النار * كدأب آل فرعون والذين من قبلهم ، كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم ، والله شديد العقاب )
إن الذين كفروا بآيات الله ورسله وخالفوا كتابه فلن تنفعهم أموالهم ولا أولادهم يوم يقوم الحساب ويتوعدهم بأن يكونوا حطب جهنم الذى توقد به
وسيحدث لهم مثل ما جرى على آل فرعون والكفار من قبله عندما كفروا بآيات الله فدمرهم الله وأخذهم العذاب الأليم فالله فعال لما يريد وشديد العذاب
الآيات 12 ـ 13
( قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد * قد كان لكم ءاية فى فئتين التقتا فئة تقاتل فى سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين، والله يؤيد بنصره من يشاء ، إن فى ذلك لعبرة لأولى الأبصار )
يقول سبحانه : قل يا محمد للكافرين أنهم سيغلبون فى الدنيا ويوم القيامة يحشرون إلى جهنم وبئس المصير
ويا أيها اليهود ، كانت لكم آيات من الله تدل على أنه معز دينه فى طائفتان من مشركى يوم بدر تقابلا للقتال
وقوله ( يرونهم مثليهم رأى العين ) ـــ قيل أن المشركين كانوا يرون بأعينهم المسلمين مثليهم أى ضعفهم فى العدد وقد كانوا فى الحقيقة أقل بكثير ولكن الله قدر ذلك ليخيف المشركين وينصر المسلمين
وقول آخر بأن المسلمين كانوا يرون المشركين ضعفهم فى العدد ولكن الله نصرهم عليهم وأيدهم بنصره .
وفى ذلك عبرة لمن يهتدى ويخشى الله
الآيات 14 ، 15
( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ، ذلك متاع الحياة الدنيا ، والله عنده حسن المئاب * قل أؤنبئكم بخير من ذلكم ، للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد )
يخبر سبحانه أنواع الملذات التى خلق فى الدنيا فتنة للناس ويحذر بأنها متعة زائلة وما عند الله خير للمتقين
ثم يقول قل لهم يا محمد أؤخبركم بخير مما زين للناس إنما هى الجنة وما يتفجر من أرجائها من أنهار العسل واللبن والخمر والماء العذب والأزواج المطهرة من الحيض والنفاس والأذى ويحل رضوان الله عليهم بأعظم مما وجدوا فى الدنيا
والله يعطى كل حسب عمله وما يستحق من عطاء
الآيات 16 ، 17
( الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار * الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار )
يصف سبحانه المتقين بأنهم يؤمنون بالله وكتبه ورسله ويطلبون من الله المغفرة بهذا الإيمان والنجاة من النار
ومن صفاتهم أنهم صابرين على الطاعات والبعد عن المحرمات
الصادقين فيما أخبروا عن أنفسهم بالإيمان
القانتين تعنى الخاضعين الطاعين فى خشوع
المنفقين من أموالهم فى جميع مسالك الطاعات التى أمر الله بها
المستغفرين وأفضل أوقات الإستغفار هو وقت السحر ( الثلث الأخير من الليل )
إذ ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة فيقول كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هل من سائل فأعطيه ؟ هل من داع فأستجيب له ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ )
الآيات 18 ـ 20
( شهد الله أنه لآ إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط ، لآ إله إلا هو العزيز الحكيم * إن الدين عند الله الإسلام ، وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ، ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب * فإن حاجوك فقل أسلمت وجهى لله ومن اتبعن ، وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلمتم ، فإن أسلموا فقد اهتدوا ، و إن تولوا فإنما عليك البلاغ ، والله بصير بالعباد )
شهد تعالى أنه ينفرد بالإلهية وجميع الخلائق عبيده وخلقه وقرن هذه الشهادة بشهادة العلماء والملائكة ... وهذا تكريم للعلماء
وله العزة والعظمة والكبرياء
يخبر تعالى بأن لا دين مقبول عنده إلا الإسلام الذى يؤمن بجميع الرسل وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم
والذين أوتوا الكتاب من قبل بغى بعضهم على بعض تحاسدا وبغضاء ومن يجحد بآيات الله فسيحاسبه الله على مخالفته كتابه وتكذيبه
ويقول يامحمد إن جادلوك فى التوحيد فقل أخلصت وجهى لله وعبادتى له وحده فلا ند له ولا ولد ولا صاحبةومن هو على دينى فيقول مثل قولى
وادعوا الأميين من المشركين واهل الكتاب للتوحيد بالله والإسلام فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فليس عليك إلا البلاغ والله عليه الحساب
الآيات 21 ، 22
( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم * أولئك الذين حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين )
هؤلاء أهل الكتاب الذين أرتكبوا من المعاصى والمحارم بأن كذبوا بآيات الله وعصوا رسلهم الذين بلغوهم بآيات الله عنادا واستكبارا وحسدا ، وقتلوا الكثير من الأنبياء بدون جريمة إلا أنهم دعوهم إلى توحيد الله ونهوهم عن المعاصى وهذا كبر ، فيبشرهم الله بأن لهم عذاب النار وبئس المصيروأنه لن يقبل لهم أى عمل صالح مادام موجه لغير الله
الآيات 23 ـ 25
( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون * ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم فى دينهم ما كانوا يفترون * فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون )
ينكر الله تعالى على اليهود والنصارى إذ ا دعوا إلى كتب الله التى بين أيديهم ( التوراة والإنجيل ) ليحكم بينهم ليؤمنوا بمحمد الذى بشروا به فيهما ولكنهم يعرضوا ويخالفوا عنادا وكبرا
وقد دفعهم على ذلك إفتراءهم على الله بأنهم ادعوا بأنهم سيعذبون فى النار سبعة أيام فقط عن كل ألف سنة يوما لأن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة على زعمهموهذا خدعوا به أنفسهم وما أنزل الله به من شئ
ويقول سبحانه : فكيف يكون حالهم إذا سألهم الله يوم الجمع عن ذلك الإفتراء عليه وعن قتلهم الأنبياء وعن مخالفتهم شرع الله وما كتبوه بأيديهم
الآية 26 ، 27
( قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير ، إنك على كل شئ قدير * تولج الليل فى النهار وتولج النهار فى الليل وتخرج الحى من الميت وتخرج الميت من الحى ، وترزق من تشاء بغير حساب )
يوجه الله سبحانه قوله للرسول صلى الله عليه وسلم فيقول له كن يا محمد شاكرا معظما لربك
متوكلا عليه مفوضا له الأمر
قل لك الملك كله أنت المعطى والمانع
أنت الذى تأخذ من النهار وتدخل فى الليل وتقصر من الليل لتطيل النهار
أنت تخرج الزرع من الحب وتنتج الحب من الزرع
وتجعل المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن
وتخرج الدجاجة من البيض وتنتج البيض من الدجاجة (وهذا معنى الحى من الميت ـ والميت من الحى )
وترزق وتعطى من تشاء بما أردت وبلا حساب
الآية 28
( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ، ويحذركم الله نفسه ، وإلى الله المصير )
ينهى سبحانه وتعالى المؤمنين عن أن يوالوا الكافرين يسرون إليهم المودة من دون المؤمنين ومن يرتكب مثل ذلك فإن الله برئ منه
ويقول من خاف فى بعض البلدان شرهم فله الموالاة ليتقيهم ظاهرا وليس بباطنا ونيته
وإلى الله المصير يجازى كل بعمله ونيته
الآية 29 ،30
( قل إن تخفوا ما فى صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ، ويعلم ما فى السموات وما فى الأرض ، والله على كل شئ قدير * يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ، ويحذركم الله نفسه ، والله رؤف بالعباد )
يخبر سبحانه وتعالى بأنه يعلم ما يدور بنفوس عباده ان أظهروه أو أخفوه فإنه به عليم
ويعلم ما فى السموات والأرض ويقدر على كل شئ
ويوم القيامة يحضر للعبد جميع أعماله من خير وشر ويخوفكم الله عقابه
ثم يقول أنه رؤف بالعباد يغفر لمن يتوب فلا يقنطهم من رحمته
الآيات 31 ، 32
( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم * قل أطيعوا الله والرسول ، فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين )
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "
وهذه الآية فى هذا المعنى موجهة لمن يدعى أنه يحب الله ورسوله ولا يتبع ما جاء به شرع الله والسنة المحمدية
( تولوا ) خالفوا أمر الله ورسوله فقد كفر والله غاضب عليه ومعذبه
الآيات 33 ، 34
( إن الله اصطفى ءادم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم )
يخبر سبحانه وتعالى بأنه أختار آدم على الخلق وصوره بيده الشريفة وعلمه الأسماء وأسجد له الملائكة وهذا لحكمة يعلمها الله
وأختار نوح أول الأنبياء
وأختار إبراهيم أبو الأنبياء وجعل من ذريته محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء
وأختار آل عمران والد مريم أم عيسى عليه السلام وكل ذلك لحكمة الله ولفضله على الخلق
الآيات 35 ،36
( إذ قالت امرأت عمران رب إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا فتقبل منى إنك أنت السميع العليم * فلما وضعتها قالت رب إنى وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى ، وإنى سميتها مريم وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم )
إمرأة عمران هى أم مريم وأسمها ( حنة بنت فاقوذ ) قالت : يارب أنت تسمع دعائى وأنا نذرت ما فى بطنى لخدمة بيتك المسجد الأقصى وكانت لا تعلم هل ببطنها ذكر أم أنثى
وعندما وضعت وجدت أنثى وبالطبع الأنثى أضعف بنية ونفسا من الذكر ولا تصلح للخدمة فى بيت الله
وسمتها مريم
وتدعو الله أن يقيها شر الشيطان الرجيم هى وذريتها واستجاب لها الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مسه إياه إلا مريم وابنها
الآية 37
( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا ، كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا ، قال يامريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله ، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب )
يخبر تعالى بأنه تقبل مريم من أمها وجعل شكلها بهيجا مليحا وجعل من رفقتها من علمها العلم والدين والخير
وجعل زكريا زوج خالتها كافلا لها وذلك لحكمة الله فى أن تقتبس منه العلم والخيروالعمل الصالح
وكانت تكثر العبادة فى محراب وكلما دخل عليها زكريا وجد عندها فاكهة الصيف فى الشتاء وفاكهة الشتاء فى الصيف
عندما وجد ذلك سألها من أين لك هذا ؟
قالت : هو من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب
الآية 38 ـ 41
( هنالك دعا زكريا ربه ،قال رب هب لى من لدنك ذرية طيبة ، إنك سميع الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين * قال رب أنى يكون لى غلام وقد بلغنى الكبر وامرأتى عاقر ، قال كذلك الله يفعل ما يشاء * قال رب اجعل لى ءاية ، قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ، واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشى والإبكار *)
عندما وجد زكريا قبول الدعاء لمريم ، لجأ إلى دعاء ربه هو الآخر إذ أنه أصبح شيخا كبيرا جاوز التسعين من عمره ولم ينجب وزوجته كانت عاقرا
ولكن الأمل فى عطاء الله كان كبيرا فتقبل الله دعاءه ونادته الملائكة وهو يصلى فى مكان تعبده وبشروه بولد من صلبه سماه الله يحيى وكان لم يسم من قبل وبشروه أنه سيكون نبيا من الصالحين ولا يأت النساء تعففا مع قدرته
فتعجب من ذلك فقالوا له أن الله قادر على أن يقول كن فيكون وقد خلق آدم وخلق ذريته وخلقه من قبل فلا عجب
قال لهم وما آية ذلك وعلامته ؟
قالوا له أنه لن يقدر على الكلام مع الناس إلا رمزا لمدة ثلاثة أيام وأمروه أن يرشدهم إلى ذكر الله والتسبيح بحمده فى كل وقت
الآيات 42 ـ 44
( وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين * يامريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين * ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون )
يخبر سبحانه عما أخبرت به الملائكة مريم عليها السلام
إذ قالوا لها إن الله اختارك وشرفك لكثرة عبادتك وطهارتك وطهرك من الوساوس والسيئات
واختارك على نساء العالمين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون "
ثم أمرت الملائكة مريم بكثرة العبادة والخشوع لله والركوع والسجود مع من كانوا فى عهدها
القنوت : هوالطاعة فى خشوع مع طول الركوع فى الصلاة
ثم يقول سبحانه ما كنت عندهم يا محمد لتطلع على ما حدث من أمر اختيار زكريا ليكفل مريم ولكن أخبرك به الله
والمقصود ب ( يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ) هو أنهم كانوا لعمل القرعة كانوا يلقون أقلامهم فى الماء فأيها تثبت ولا تجرى مع الماء فهو كافلها
وقد حدث أنهم ألقوا الأقلام فجرت إلا قلم زكريا وهو كبيرهم وسيدهم ونبيهم وإمامهم وعالمهم
الآيات 45 ـ 47
( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين * ويكلم الناس فى المهد وكهلا ومن الصالحين * قالت رب أنى يكون لى ولد ولم يمسسنى بشر ، قال كذلك الله يخلق ما يشاء ، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون * )
تبشر الملائكة مريم بأنه سيكون منها ولد له شأن عظيم (بكلمة منه ) أى وجوده بكلمة من الله إذ يقول له كن فيكون
ويكون مشهورا فى الدنيا عند المؤمنون باسم عيسى ابن مريم حيث لا أب له فيعرف بأمه
وله وجاهة ومكانة عند الله بما يوحيه إليه من الشريعة وينزل عليه الكتاب ، وفى الآخرة يشفع عند الله مثل أولى العزم من الرسل
ويدعوا إلى عبادة الله وحده فى حال صغره فهو معجزة وفى كهولته يوحى الله له وعمله صالحا
تعجبت مريم أن تلد ولم تتزوج وليست بغيا
قالت لها الملائكة أن الله يخلق مايشاء وإذا أمر بشئ فإنه يقول له كن فيكون وأنه قضى بذلك وانتهى الأمر
الآيات 48 ـ 51
( ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل * ورسولاإلى بنى إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ، وأبرئ الأكمه والأبرص وأحى الموتى بإذن الله ، وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم ، إن فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين * ومصدقا لما بين يدى من التوراة ولأحل لكم بعض الذى حرم عليكم ، وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون * إن الله ربى وربكم فاعبدوه ، هذا صراط مستقيم )
يخبر الله تعالى عن بشارة الملائكة لمريم ويوضح ما حبى الله عيسى من آيات ومعجزات ليقنع قومه أنمه مرسل من قبل العزيز الواحد القهار
الأكمه : هو من يولد أعمى
الأبرص : المصاب بمرض البرص
( ولأحل لكم بعض الذى حرم عليكم ) : هو أن رسالة عيسى هى أنه نسخ بعض ما كان فى التوراة فأحل بعض ما حرم الله على بنى اسرائيل من ظلمهم
الآيات 52 ـ 54
( فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله ، قال الحواريون نحن أنصار الله ءامنا بالله واشهد بأنا مسلمون * ربنا ءامنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين *ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين )
وعندما أحس عيسى أن اليهود مصرون على الكفر قال من يتبعنى فى طريق الله ؟ والدعوة إلى توحيد الله
قال مناصرون له ( الحواريون ) نحن معك وناصروك واشهدوا الله على إيمانهم معه
وأراد بنوا اسرائيل الفتك بعيسى وأرادوا أن يصلبوه وخططوا لذلك وذلك بأن وشوا به عند ملك هذا الزمان وقالوا له أنه يفسد عقول الناس ويحرضهم على عدم طاعة الملك ويفرق بين الأب وإبنه وغير ذلك من الإفتراءات
غضب الملك وبعث من يأخذه من بيته ليصلبه ولكن الله كان أقدر على التخطيط ففتح له فى سقف بيته ورفعه إلى السماء وألقى شبهه على رجل ممن كانوا عنده فى البيت وعندما دخلوا عليه فى الظلام ظنوه هذا الرجل فأخذوه وصلبوه ووضعوا على رأسه الشوك
وهكذا نجى الله نبيه ورفعه إليه وترك بنى اسرائيل فى ضلالهم فى ذلة إلى يوم الدين
الآيات 55 ـ 58
( إذ قال الله ياعيسى إنى متوفيك ورافعك إلىّ ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ، ثم إلىّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون * فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا فى الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين * وأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ، والله لا يحب الظالمين * ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم )
يقول سبحانه أنه قال لعيسى عليه السلام إنى متوفيك نوما ( كما يحدث لجميع الأحياء عند النوم ) ورافعك إلى السماء وجاعل الناس الذين آمنوا به أفضل من الكافرين وفوقهم إلى يوم القيامة وقد فعل ذلك الله باليهود الذين كفروا فعذبهم فى الدنيا بالقتل والسبى وأخذ أموالهم ويوم القيامة العذاب الأكبر
أما الذين آمنوا فأثابهم فى الدنيا بالنصر وفى الآخرة بالفوز بالجنة
ثم قال يا محمد إن ما قصصته عليك من أمر عيسى لا شك فيه
الآيات 59 ـ 63
( إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين * فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين * إن هذا لهو القصص الحق ، وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم * فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين )
يخبر سبحانه أنه خلق عيسى كما خلق آدم من تراب وقال له كن فكان وأسكن جسده الروح فلا تكن ممن يشكون يا محمد ويا كل مؤمن فى قدرة الله على ذلك
وادعوا الناس للتوحيد بالله وانهاهم عن قول عيسى الله أو ابن الله كما يدعى النصارى
وكان سبب نزول الآية أن وفد نجران من النصارى جادلوا الرسول صلى الله عليه وسلم فى ذلك ، فأنزل الله الآية وقال له
فمن جادلك فى ذلك فقل لهم اجعلوا أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم يحضروا مجلس اللعان هذا الذى طلب وفد نجران جعله بأن يلعن كلا من النصارى والمسلمون بأن تنزل اللعنة على الكاذب منهما
فخاف أحدهم وقال لا تفعل فإنه لو كان نبيا على حق فلن نفلح بعد ذلك أبدا
ويقول تعالى إن هذا ما قلناه لك من أمر عيسى هو الحق ولا محيد عنه
ومن يعدل عن الحق فهو لا يريد إلا الإفساد ويعلمه الله وسيجزى شر الجزاء
الآيات 59 ـ 63
( إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين * فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين * إن هذا لهو القصص الحق ، وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم * فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين )
يخبر سبحانه أنه خلق عيسى كما خلق آدم من تراب وقال له كن فكان وأسكن جسده الروح فلا تكن ممن يشكون يا محمد ويا كل مؤمن فى قدرة الله على ذلك
وادعوا الناس للتوحيد بالله وانهاهم عن قول عيسى الله أو ابن الله كما يدعى النصارى
وكان سبب نزول الآية أن وفد نجران من النصارى جادلوا الرسول صلى الله عليه وسلم فى ذلك ، فأنزل الله الآية وقال له
فمن جادلك فى ذلك فقل لهم اجعلوا أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم يحضروا مجلس اللعان هذا الذى طلب وفد نجران جعله بأن يلعن كلا من النصارى والمسلمون بأن تنزل اللعنة على الكاذب منهما
فخاف أحدهم وقال لا تفعل فإنه لو كان نبيا على حق فلن نفلح بعد ذلك أبدا
ويقول تعالى إن هذا ما قلناه لك من أمر عيسى هو الحق ولا محيد عنه
ومن يعدل عن الحق فهو لا يريد إلا الإفساد ويعلمه الله وسيجزى شر الجزاء
الآية 64
( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون )
هذا الخطاب يشمل اليهود والنصارى
يقول الله سبحانه قل لهم يا محمد تعالوا إلى جملة مفيدة عدل بيننا وبينكم نحن وأنتم وهى أن نعبد الله وحده ولا نشرك به أوثانا ولا أصناما ولا صليبا ولا طاغوت
ولا يطيع بعضنا البعض فى معصية الله
فإن انتهوا هم عن هذا القول فاستمروا أنتم على الإسلام الذى شرعه الله لكم
الآية 65 ـ 68
( ياأهل الكتاب لم تحاجون فى إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده ، أفلا تعقلون * هاأنتم حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون * ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين * إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبى والذين ءامنوا ، والله ولى المؤمنين )
يخاطب سبحانه وتعالى اليهود والنصارى ويقول لماذا تدعون أن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا وقد أنزلت التوراة والإنجيل من بعده بزمن طويل أليس لكم عقول
إن إبراهيم كان يعبد الله على فطرة الإسلام لله وحده وما كان من المشركين
وإن أولى الناس به الذين اتبعوه فى عصره وهذا النبى محمدا ومن تبعوه من المهاجرين والأنصار ومن اتبعوا طريقهم من بعدهم
الآيات 69 ـ 74
( ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون * يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون * يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون * وقالت طائفة من أهل الكتاب ءامنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا ءاخره لعلهم يرجعون * ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم ، قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم * يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم *)
يحذر الله نبيه والمسلمين من بعض أهل الكتاب
و يسأل الله مؤنبا لأهل الكتاب كيف تكفرون بنعم الله وآياته وأنتم تشهدون أنها حق ووردت بكتابكم
وكيف لكم أن تغيروا الحقيقة لتلبسوا الأمور على المسلمين
لقد اتفق بعض أهل الكتاب على أن يخططوا المكيدة ليلبسوا على المسلمين دينهم بأن قالوا نظهر الإيمان نهارا ثم نرتد منه آخر النهار فيتذبذب المؤمنون وضعاف النفوس بأن يظنوا أن هؤلاء كانوا سيؤمنون لولا أنهم وجدوا النبى ليس على حق فارتدوا
وهذه مكيدة دنيئة كشفها الله لرسوله والمؤمنون
ويقول لهم أن القلوب بيد الله يهدى من يشاء ويضل من حقت عليه الضلالة
وهؤلاء الكافرون قالوا لبعضهم البعض لا تؤمنوا إلا لمن اتبع دينكم ولا تظهروا لهم ماعندكم من علم للمسلمين فيتعلموه منكم ويتفوقوا عليكم ويتخذوه حجة عليكم عند ربكم
ويقول تعالى أن الفضل والخير كله بيد الله يؤتيه من يشاءوهو المعطى والمانع ومن أراد أن يهديه هداه بالإيمان ومن أراد أن يضله ختم على قلبه وأعمى بصيرته
الآيات 75 ، 76
( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤديه إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤديه إليك إلا ما دمت عليه قائما ، ذلك بأنهم قالوا ليس علينا فى الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون * بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين )
يحذر الله من أنه من أهل الكتاب الخونة الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ومنهم من هو أمين فى معاملته ومن هو خائن
وهذا الفعل منهم لأنهم يقولون ليس فى ديننا حرج من ذلك مع المسلمين وقد أحلها الله وهم بذلك يفترون على الله بزعمهم هذا وهم يعلمون الحق فى التوراة ولكن يحرفون ما يحلوا لهم
ويقول الله لهم إن من اتقى وخشى الله فإن الله يحب التقوى وأصحابها
الآية 77
( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم فى الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم )
إن الذين يستبدلون ما أتى به محمدا بثمن رخيص من عروض الدنيا الدنيئة هؤلاء لا يرضى عنهم الله ويمقتهم ولا نصيب لهم فى الآخرة ولهم عذاب الآخرة
الآية 78
( وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون )
يخبر سبحانه وتعالى عن اليهود أن منهم جماعة يحرفون كلام الله عن مقصوده ويبدلونه بكلمات رخيصة تخدم أغراضهم الدنيئة ويوهموا الناس بأنها من عند الله وما هى من عند الله وكذب على الله وهم يعلمون الحق ويفترون على الله كذبا
الآيات 79 ، 80
( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لى من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون * ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ، أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون )
ما ينبغى لبشر آتاه الله الكتاب والحكمة والنبوة أن يقول للناس اعبدونى من دون الله أو مع الله وإذا كان هذا لا يصح للأنبياء والرسل فبباب أولى لا يصح لباقى الناس
وقد اتخذ بعض الناس أحبارهم ورهبانهم ومشايخهم الضالة أربابا من دون الله
وهؤلاء يلعنهم الله والملائكة والناس أجمعين
ولكن الله يقول لهم كونوا حكماء وعلماء وفقهاء تعلمون الناس ما درستموه
ويأمر الله بعبادة الله وحده وينهى عن عبادة نبى أو رسول أو ولى كما فعل اليهود والنصارى
فليس من المعقول أن يأمر الله الناس بالكفر بعد إيمانهم
الآيات 81 ، 82
( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما ءاتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ، قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى ، قالوا أقررنا ، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين * فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون )
يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق من جميع الأنبياء من عهد آدم إلى عيسى عليهم جميعا السلام بأنه كلما آتى رسولا كتاب وحكمة بأن يبلغ ويؤمن بمن بعده من رسول وينصره ولا يمنعه ما معه من كتاب وعلم من نصرة واتباع من يليه
فقالوا شهدنا وتعاهدنا على ذلك
فقال من فعل غير ذلك فله عذاب وهذا فسق
الآيات 83 ، 85
( أفغير دين الله يبغون وله أسلم من فى السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون * قل ءامنا بالله وما أنزل علينا ومآ أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ومآ أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون * ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين )
يستنكر الله على الكافرين بأن يبغون دينا آخر غير دين الله والتوحيد بالله وقد أسلمت له السموات والأرض ومن فيهن طائعين ومكرهين
ثم يقول قل آمنت بالقرآن والتوراة والإنجيل وما أنزل على جميع الرسل والأنبياء من قبل ولا فرق بينهم ونحن جميعا مستسلمون لله وحده
ثم يقول أنه من يريد دينا غير الإسلام فلن يقبله منه الله ويوم القيامة سيجد أنه من الخاسرين عندما يعاقب على ترك الإسلام
الآيات 86 ـ 89
( كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات ، والله لا يهدى القوم الظالمين * أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم )
كيف يستحق أن يهدى الله من قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق الرسول وآمنوا ثم ارتدوا وكفروا ، فالله لا يهدى الظالمين
وهؤلاء عليهم لعنة من الله خالدين فى اللعنة ولا يخفف عنهم الله العذاب
ولكن رحمة الله واسعة للذين تابوا واصلحوا عملهم
الآيات 90 ، 91
( إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون * إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به ، أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين )
يهدد الله الذين كفروا واستمروا على كفرهم حتى الممات بأن لن تقبل توبتهم عند مماتهم
أما الذين ماتوا وهم كفار فلن يقبل الله أى عمل صالح لهم ولو كان ممكن أن ينفق مال الأرض كله ليفتدى نفسه فلن يقبل منه الله ذلك ولن يغفر له
ولن يجدوا من أحد ينقذهم من عذاب النار
الآية 92
( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شئ فإن الله به عليم )
يرشد سبحانه أن الخير كله فى أن ينفق المؤمن من أحب ماله وليس من الردئ
الآيات 93 ـ 95
( كل الطعام كان حلا لبنى إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ، قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين * فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون * قل صدق الله ، فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين )
حرم إسرائيل ( يعقوب ) عليه السلام بعض الطعام على نفسه تقربا لله وهذا كان جائز فى شريعتهم واتبعه بنوه فى ذلك
وقد كان ذلك من قبل أن تنزل التوراة وظلم اليهود وادعوا على الله الكذب بأن هذا ما حرمه الله فى التوراة ويتحداهم بأن يتلوا التوراة لو كانوا صادقين فقد ادعوا ما كان من أمر السبت وأنه لم يبعث نبيا بعد اسرائيل
ومحوا صفات الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم
ثم جاءت شريعة عيسى عليه السلام فأحل الله لهم بعض ما حرم عليهم بما جاء به الإنجيل
ويوجه الله الناس لعبادته على الحنيفية مثل إبراهيم عليه السلام فقد كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين
الآيات 96 ، 97
( إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين * فيه ءايات بينات مقام إبراهيم ، ومن دخله كان آمنا ، ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ، ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين )
يخبرنا الله بأن أول بيت وضعه لعبادة الناس جميعا على اختلاف أزمانهم وأشكالهم ونسكهم هو الذى فى مكة الكعبة التى بناها إبراهيم عليه السلام والتى يزعم اليهود والنصارى أنهم على دينه ولا يحجون البيت الذى بناه
مقام إبراهيم : هو الحجر الذى كان يقف عليه ابراهيم لما ارتفع البناء ليناوله اسماعيل ويكمل بناء الجدران
وكان ملتصقا بجدران الكعبة حتى أخره عمر بن الخطاب بعيدا عنها حتى لا يعوق حركة الحجاج ويشوش الناس على المصلين عنده
ومن دخل الحرم فهو يأمن من كل سوء حتى لو أجرم لا يعاقب حتى يخرج من الحرم
ويأمر الله الناس بالحج فهو ركن من أركان الإسلام لمن توفرت له الصحة والمال الذى يعينه ويغنى أهله عن السؤال حتى يرجع
الآيات 98 ، 99
( قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون * قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء ، وما الله بغافل عما تعملون )
يعنف الله الكافرين من أهل الكتاب يكفرون بآيات الله مع علمهم بها وقد توعدهم الله بأنه شهيد على ما يفعلون وبما خالفوا الأنبياء ويخبر تعالى أنه ليس بغافل عما يعملون
الآيات 100 ، 101
( ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين * وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم ءايات الله وفيكم رسوله ، ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم )
يحذر الله المؤمنين من أن يتبعوا ويطيعوا أهل الكتاب فإنهم إنما يسعون لجعلكم كفارا بعد إذ آمنتم
ويقول كيف لكم أن ترتدوا بعد الإيمان إلى الكفر وبينكم رسول الله الذى أتاكم بكل ما حق عن ربه
الآيات 102 ، 103
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم ءاياته لعلكم تهتدون )
يدعو الله عز وجل المؤمنين للتقوى والتمسك بالإسلام وعدم الوقوع فى شرائك الشيطان وأهل الكتاب
ويدعوهم إلى الجماعة والتعلق بدين الله وحبله
ويذكر الأوس والخزرج الذين كانت بينهم حروب كثيرة وعداوة وبغضاء فى الجاهلية ، فلما دخلوا الإسلام أصبحوا إخوانا متحابين
الآيات 104 ـ 109
( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وأولئك هم المفلحون * ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم * يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون * وأما الذين ابيضت وجوههم ففى رحمة الله هم فيها خالدون * تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين * ولله ما فى السموات وما فى الأرض وإلى الله ترجع الأمور *)
قال صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان "
والآية فى هذا المعنى
وينهى الله عن التفرقة كما حدث فى الأمم السابقة
قال عليه أفضل الصلوات والسلام " إن أهل الكتاب تفرقوا على ثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه الأمة ستتفرق على ثلاث وسبعين ملة "
ويوم القيامة تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل الفرق والضلالة
والمنافقون الكافرون فى نار جهنم والمؤمنين فى رحمة الله وجناته
وهذه حجج الله علينا والله لا يريد ظلم الناس فيكشف عن أمور الدنيا والآخرة
ولله الأمر كله فى الدنيا والآخرة
الآيات 110 ـ 112
( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ، ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم ، منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون * لن يضروكم إلا أذى ، وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون * ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ، ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون )
يحدث الله المسلمين بأنهم خير الأمم بما أكرمهم الله بنبيهم محمدا الذى بعثه الله بشرع كامل لم يعطه نبيا أو رسولا من قبله
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخولا الجنة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، وأوتيناه من بعدهم ، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق ، فهذا اليوم الذى اختلفوا فيه ، الناس لنا فيه تبع ، غدا لليهود وللنصارى بعد غد "
ويقول تعالى لو أن أهل الكتاب آمنوا بما أنزل على محمد لكان خيرا لهم
فقليل منهم يؤمن بالله وما أنزل إليهم وما أنزل إليكم ، والأكثر فاسقون على الكفر والعصيان
ويخبر الله عباده بأن لهم النصر ويطمئنهم بأنهم لو قاتلوا أهل الكفر فإنهم يهربون من المسلمين وقد كان فى خيبر والمدينة ويهود بنو النضير وبنو قينقاع وغيرهم
ويقول أن الله ألزمهم الذل والخزىإلا أن الله ألزمهم الجزية والدمة فمن التزم فلا عدوان عليه
والزموا المسكنة والضعف قدرا وشرعا
وذلك بأنهم قتلة الأنبياءعلى مر العصور وعصيان الله
الآيات 113 ـ 115
( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون ءايات الله ءاناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون فى الخيرات وأولئك من الصالحين * وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين )
ليسوا سواء : أى لا يستوى أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد
أخر رسول الله صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال : " أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم "
* فنزلت الآية توضح عدم تساوى الإيمان والنفوس بينهم وبين المسلمين
* و قيل هذه الآية تخص المؤمنين من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأسد بن عبيد فى أنهم لا يستوون مع الذين تقدم الحديث عنهم فى الآيات السابقة من أهل الكتاب
* وقيل أن معنى الآية أن أهل الكتاب كلهم على حد سواء فمنهم المؤمنون ومنهم المجرمون
قائمة : أى قائمة على تطبيق شرع الله مستقيمة
يتلون آيات الله ءاناء الليل وهم يسجدون : يقيمون الليل ويتلون القرآن فى صلاتهم
فلن يكفروه : عملهم الصالح لن يضيع عند الله ولمن أحسن الحسنى
فكلمة يكفر تعنى يخفى أى يضيع إخفاء للشئ
الآيات 116 ، 117
( إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * مثل ما ينفقون فى هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون )
وهؤلاء المشركين والكافرين لن تنفعهم أموالهم ولا أولادهم ولن تنجيهم من عذاب الله فهم خالدين فى نار جهنم.
ثم ضرب الله مثلا للكافرين والمشركين بأن ما ينفقونه كمثل ريح فيها برد شديد تحرق الزرع كما تحرق النار الزرع .
فكذلك يمحق الله ثواب أعمالهم فى الدنيا ولا يقبل منهم نفقة ولا عمل لأنهم فعلوا خيرا ليس له أساس وغير موجه لله وهم الذين ظلموا أنفسهم ولم يظلمهم الله .
الآيات 118 ـ 120
( يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم ، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر ، قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون * هاأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا ءامنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ، قل موتوا بغيظكم ، إن الله عليم بذات الصدور * إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ، وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ، إن الله بما يعملون محيط)
يحذر سبحانه وتعالى من المنافقين
بطانة : أى خاصة الرجال المقربون تطلعوهم على سرائركم وتأمنوا لهم
والمنافقون ما تخفى صدورهم من غل وحقد ينتظرون الفرصة ليضروا المؤمنين بما لديهم من خديعة ومكر
من دونكم : أى من غيركم من أهل الأديان الأخرى وأهل الكتاب
قد بدت البغضاء من أفواههم وماتخفى صدورهم أكبر : تفلت من ألسنتهم كلمات العداء وتظهر الكراهة على وجوههم ولكن ما تخفى صدورهم من غل أكبر وأعظم
هآأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم : أى أن المؤمنون ينخدعوا ويحبون المنافقين بما يظهرون لهم من إيمان ولكن المنافقين يخفون الكراهة للمؤمنين
وتؤمنون بالكتاب كله : أى تؤمنون بكتابكم وكتابهم
موتوا بغيظكم : أى مهما أكننتم من عداء ودبرتم من مكائد فالله غالب على أمره ومظهر دينه فموتوا بغيظكم
إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها : أى لشدة بغضهم للمؤمنين فإنهم يفرحون بأذاهم ويحسدونهم على الخيرات
وبالتقوى والصبر فلا يضركم غيظهم ولا مكائدهم
والله يعلم ما يفعلون ويحاسبهم به
الآيات 121 ـ 123
(وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم * إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون * ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ، فاتقوا الله لعلكم تشكرون)
المقصود يوم أحد فقد كان يوم السبت من سنة 3 للهجرة فقد كان قد قتل يوم بدر أشراف قريش وقد جمع أبو سفيان الأموال الباقية من تجارة يوم بدر وجعلوها لقتال المسلمين عند أحد
وجمع الرسول صلى الله عليه وسلم حشده وأنزلهم منازلهم وجعلهم ميمنة وميسرة والله يسمع ما تقولون ويعلم ما بضمائركم
الطائفتان هما بنو حارثة وبنوسلمة
ولقد نصر الله المؤمنين ببدر وهم قليلوا العدد لتعلموا أن النصر من عند الله وليس بكثرة العدد والعدة
الآيات 124ـ 127
( إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين * وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به ، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم * ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين * )
ذلك حدث يوم بدر إذ أعان الله المؤمنين بجنود من الملائكة ليقاتلوا معهم المشركين
مسومين : معلمين بعلامات القتال
تصبروا : تصابروا على مواجهة وقتال عدوكم
ويأتوكم من فورهم هذا : من غضبهم ووجههم
وقد أنزل الله الملائكة لتطمئن قلوب المسلمين
والنصر هو من عند الله ليقطع طرفا من الذين كفروا : ليهلك أمة من الكفار
أو يكبتهم : يخزيهم ويرد كيدهم
فينقلبوا : فيرجعوا خائبين لم يحصلوا على ما أرادوا منكم
الآيات 128 ، 129
( ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون * ولله ما فى السموات وما فى الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم )
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الفجر ونفسه كانت تأزمت من رؤوس الكفر فبعد أن رفع من الركوع وحمد الله قال( اللهم العن فلانا وفلانا )
فيقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن الأمر كله بيد الله ويرجع إليه فهو الذى يهدى وهو الذى يعذبهم على كفرهم ... وهم يستحقون العقاب على ظلمهم
والملك كله لله ووما فى السموات والأرض يخضع لسيطرته وهو المتصرف فى العباد يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون وهو غفور رحيم
الآيات 130 ـ 136
( ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ، واتقوا الله لعلكم تفلحون * واتقوا النار التى أعدت للكافرين * وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون * الذين ينفقون فى السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين * والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين )
يحذر الله من أكل الربا ويأمر بتقواه وفى طاعة الله ورسوله رحمة للمؤمنين فى عدم إيذاء البعض من الأغنياء للآخرين من الفقراء
ثم يبشر الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله ولا يستغلون حاجة الضعفاء من الفقراء والذين يكظمون الغيظ والذين يعفون عن الناس عند المقدرة عليهم يبشرهم بمغفرة ورضوان
ويبشر الذين يتوبون من قريب لذنوبهم ولو كانت فواحش فإذا تابوا واستغفروا فإن الله يتوب عليهم ويعفو عن سيئاتهم ولكن شرط التوبة أن لا يصرون على المعصية وهم يعلمون جيدا أنها تغضب الله
هؤلاء التائبين المنيبين إلى الله لهم الجنة ولهم فيها نعيم وأنهار خالدين فيها
الآية 137
( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين )
عندما قتل سبعون يوم أحد من المسلمين فإن الله خاطبهم فقال قد حدث مثل ذلك فى الأمم التى من قبلكم من أتباع الأنبياء ثم دارت الدائرة على الكافرين
الآية 138 143
( هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين * ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ، وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين ءامنوا ويتخذ منكم شهداء ، والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين ءامنوا ويمحق الكافرين * أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين * ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون )
هذا القرآن يبين الله فيه الأمور على حقيقتها وفيه هدى لقلوبكم وموعظة وزاجر عن المحارم .
فلا تضعفوا بسبب ما جرى فى أحد والعاقبة لنصركم أيها المؤمنون .
إن كانت قد أصابتكم جراح وقتل منكم من قتل فقد أصاب أعداءكم مثل ذلك
وهذا يتداول بينكم وبين أعداءكم وفى ذلك حكمة من الله
وليعلم الذين يصبرون على جهاد أعدائهم ومن يتراجع
ومنكم من يكون شهداء فى سبيل مرضاة الله
والله لا يحب الظالمين
وليكفر عن المؤمنين ذنوبهم إن كانت لهم ذنوب وإلا فليرفعهم درجات بما أصيبوا
وليدمر الكافرين ويقوى قلوب المؤمنين
أم تريدون أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد ويعلم الله الصابرين
وكنتم تمنون لقاء العدو والقتال من قبل هذا
فها أنتم قد ابتليتم بالجهاد فى سبيل الله فقاتلوا واثبتوا
الآيات 144 ـ 145
(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين * وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ، ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزى الشاكرين )
هذه الآية قرأها الصديق عليه رضوان الله عندما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فهدأت النفوس بعد ثورتها وسكت الناس بعد نحيبهم إذ كان عمر بن الخطاب فى ثورة عارمة فدخل الصديق وقال ( اجلس يا عمر ..
أما بعد من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت ــــــــــ قال الله تعالى ( وما محمد إلا رسول قد خلت .......الشاكرين )
ولا يموت أحد إلا بقدر الله حتى يستوف المدة التى قررها الله لبقائه على الأرض
وهذا حافز لخوض القتال دون خوف من الموت
ومن يرد خير الدنيا فسوف يناله ما حدد له الله منها ومن يريد الآخرة فسيجزيه الله حسن الثواب
الآيات 146 ـ 148
( وكأين من نبى قاتل معه ربيون كثير ، فما وهنوا لما أصابهم فى سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين * وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وأنصرنا على القوم الكافرين* فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين)
وكم من نبى قاتل معه جموع كثيرة من المؤمنون فلما مات أو قتل صبروا واستمروا على الجهاد فى سبيل الله ولم يضعفوا ولم يتراجعوا بل كانت دعواهم اللهم ثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين واغفر لنا ذنوبنا فكفر الله عنهم سيئاتهم وأثابهم جنته
الآيات 149 ـ 151
( ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين * بل الله مولاكم وهو خير الناصرين * سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين )
يحذر الله عز وجل المؤمنين من أن يطيعوا الكفار ومن أطاعهم فهم يردونه خاسرا
واتبعوا ما أنزل الله فهو الأحق بالولاية
ووعد الله أن يلقى فى قلوب أعداء الله وأعداء المسلمين الخوف بأن يظهر لهم المسلمين فى قوة وكثرة عدد وأن لهم النار وبئس المصيربسبب شركهم بالله
الآيات 152 ـ 153
( ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ، منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ، ولقد عفا عنكم ، والله ذو فضل على المؤمنين * إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم فى أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون )
ويقول الله للمؤمنين أنه صدقهم وعده فى موقعة أحد فنصرهم على الكفار وكانوا يقتلوهم فى أول النهار بإذنه وتسليطه عليهم حتى أن تنازع المسلمون فى أمر المشركين فقد أمررسول الله صلى الله عليه وسلم الرماة من فوق الجبل بأن لا يتركوا مواضعهم مهما حدث ولا ينزلزا لجمع غنائم ولكنهم لم يطيعوا الأمر فقد خدعهم النصر وتركوا أماكنهم رغبة فى جمع الغنائم فهجم عليهم الكفار ثانية
تصعدون : تفرون
فأصاب المسلمين الغم بالهزيمة والغم بسماع الكافرين يعلنون موت النبى
إلا أن رد عليهم عمر بن الخطاب وكشف الله الغم بعدها بالغنيمة ثم التأكد من عدم موت النبى فخفف عنهم ما أصابهم من جراح وقتل والله يعلم ما يعملون .
الآيات 154 ـ 155
( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم ، وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ، يقولون هل لنا من الأمر من شئ قل إن الأمر كله لله يخفون فى أنفسهم ما لا يبدون لك ، يقولون لو كان لنا من الأمر شئ ما قتلنا هاهنا ، قل لو كنتم فى بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ، وليبتلى الله ما فى صدوركم وليمحص ما فى قلوبكم والله عليم بذات الصدور * إن الذين تولوا يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ، إن الله غفور حليم )
وفى حال الغم الذى أصاب المؤمنين من الله عليهم بالنعاس وهم يحملون أسلحتهم لينزل على قلوبهم الأمن والطمأنينة ... ويذكرهم بذلك
والذين لا يظنون بالله خيرا حرمهم الله من هذه الأمنة وظلوا فى الخوف والجزع
وهؤلاء ضعفاء النفوس الذين تحسروا على خروجهم للجهاد ويخفون فى صدورهم ما كشفه الله ويقول لهم : لو كنتم فى بيوتكم لدخل عليكم فيها أعداءكم ما دام كتب عليكم القتال وما نجيتم من أعدائكم
وهذا ليختبر سبحانه ما يخفون فى صدورهم
وهؤلاء الفارين من الميدان إنما أراد أن يزلهم الشيطان بما كسبوا من ذنوب وقد عفا الله عنهم بتوبتهم بعد ذلك فهو الغفور الرحيم
الآيات 156 ـ 158
( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا فى الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة فى قلوبهم ، والله يحى ويميت والله بما تعملون بصير* ولئن قتلتم فى سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون * ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون )
يحذر الله تعالى عباده المؤمنين من أن يقولوا مثل الكفار الذين قالوا عن إخوانهم الذين ماتوا فى الحرب أو فى الأسفار لو أنهم ما تركونا ما ماتوا وهذا ينزل الحسرة فى قلوبهم
ولكن الموت والحياة بيد الله وحده وبقضائه وقدره وهو الذى يحى ويميت
وإن الذين يموتون فى سبيل الله إنهم فى خير كبير ويحشرون عند الله ولهم من الأجر ما هو أعظم بكثير مما يجمع هؤلاء الكفار
الآية 159
( فبما رحمة من الله لنت لهم ، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين )
يخاطب الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم فيقول له ناصحا كن رحيم رقيق القلب مع أمتك فلو كنت شديد عنيف القول والزجر لبعدوا عنك وما تقبلوا دعوتك لهم
فاعف عن أخطائهم وتشاور معهم وشاركهم تأليفا لقلوبهم وجمعهم حولك وإذا اجتمعت على الحق فتوكل على الله واعمل معهم فالله يحب من يتوكل عليه بعد عزم الأمر
وقد وصف الله رسوله فى الكتب السماوية المتقدمة بأنه ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب فى الأسواق ولا يجازى بالسيئة السيئة ولكنه يعفو ويصفح
الآية 160
( إن ينصركم الله فلا غالب لكم ، وإن يخذلكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون *)
معنى الآية هو أن النصر كله بيد الله ولا سلطان إلا لله
الآيات 161 ـ 164
( وما كان لنبى أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون * أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير * هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون * لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم ءاياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين )
* الغل : السرقة
استعمل رسول الله رجل يدعى اللتيبة على جمع الصدقات فجاء فقال هذا لكم وهذا اهدى لى فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال على المنبر :" ما بال العامل نبعثه على عمل فيقول : هذا لكم وهذا أهدى لى : أفلا جلس فى بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا ؟ والذى نفس محمد بيده لا يأتىأحدكم منها بشئ إلا جاء به يوم القيامة على رقبته ، إذكان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر " ثم رفع يديه إلى السماء وقال " اللهم هل بلغت " ثلاثا
* ويقول تعالى فى الآية التالية لا يستوى من جاء بالحسنة ومن أغضب الله
* وأهل الخير درجات عند الله لا يستوون
* لقد تفضل الله على المؤمنين حين أرسل لهم رسولا منهم ليجالسوه ويعلمهم أحكام دينهم وشريعتهم ويقرأ عليهم القرآن لتزكوا أنفسهم وقد كانوا من قبل فى ضلال واضح
الآيات 165 ـ 168
( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ، قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شئ قدير * وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين * وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا فى سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لأتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم والله أعلم بما يكتمون * الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين )
يقول تعالى: إن ما أصابكم يوم أحد من قتل سبعين منكم فقد قتلتم أنتم من الكفار مثلهم سبعين يوم بدر وأسرتم ( سبعين مثليهم ) مثلهم مرتين
وتسألون لماذا هذا حدث ... إنه من أنفسكم عندما عصيتم أوامر رسولكم عندما أمر الرماة أن لا يتركوا أماكنهم فتركوها ليجمعوا الغنائم
وهؤلاء أصحاب عبد الله بن أبى بن سلول الذين رجعوا معه من القتال يقول لهم المؤمنون تعالوا رابطوا وهم يردون عليهم لو نعلم أنكم تأتون حربا لأتبعناكم لكنكم لا تقاتلون ، هؤلاء منافقون وهم للكفر أقرب من الإيمان وهم يقولون ما لا يصدقونه بقلوبهم بل من الأفواه فقط
وهم قالوا للمؤمنين لأو سمع الذين قتلوا مشورتنا ما قتلوا
يقول لهم الله لو استطعتم أن تدفعوا الموت عن أنفسكم فافعلوا
الآيات 169 ـ 175
( ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين * الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم * الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم * إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين *)
يخبر الله عن الشهداء بأنهم ليسوا أمواتا كما نرى ولكن أحياء عنده يرزقون وقال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرواحهم فى جوف طير أخضر يتنعمون فى الجنة
وهم فرحين بما آتاهم الله ويستبشرون بمن بعدهم من المؤمنين أن يجاهدوا ويقتلوا ويلحقوا بهم فى الجنة
وهذا يوم حميراء الأسد بعد أن أصاب المسلمين الجراح وتفرق الجمعان عاد الكفار لسيرهم وتمنوا لو كانوا أتموا القتال
فأرسل لهم النبى الجنود من المسلمين على ما بهم من جراح فأطاعوا الله ورسوله
ويذكر سبحانه المؤمنين الذين أخافهم المنافقين من القتل فزادهم ذلك اصرارا وشجاعة وقالوا توكلنا على الله فرد الله عنهم كيد أعداءهم ورجعوا سالمين
وهذا الشيطان يخوف أولياءه ويوهمهم أنهم ذو بأس فلا تخافوهم فالله ناصركم عليهم
الآيات 176 ـ 180
( ولا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا ، يريد الله ألا يجعل لهم حظا فى الآخرة ، ولهم عذاب عظيم * إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم * ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير لأنفسهم ، إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين * ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبى من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله ، وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم * ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ، بل هو شر لهم ، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ، ولله ميراث السموات والأرض ، والله بما تعملون خبير *)
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحزن كلما وجد الناس تكفر ، فأرسل إليه يهدئ من نفسه ويقول له لا تحزن فإنهم إنما يضرون أنفسهم ولا يضرون الله ، فالله لم يجعل لهم نصيبا فى الجنة ولهم العذاب الأليم العظيم
ولابد من أن يمتحن الله عباده ليظهر المؤمن من الكافر ويفضح أمره كما حدث فى يوم أحد يوم أن فرق بين المؤمنين حقا والمنافقينوما كان الناس يعلمون من المؤمن ومن المنافق لولا أن كشفهم الله
ثم يقول سبحانه أن لا يحسب البخيل أن جمعه للمال وعدم إنفاقه خير بل هو مضرة له وسيطوق به ويسأل عنه يوم القيامة
قال صلى الله عليه وسلم " من أتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه ( شدقيه ) يقول : أنا مالك ، أنا كنزك " ثم تلا هذه الآية ( ولا يحسبن .......... خبير )
فالله ميراث الأرض والسماء وما فيهن ويعلم نياتكم
الآيات 181 ـ 184
( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ، سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد * الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، قل قد جاءكم رسل من قبلى بالبينات وبالذى قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين * فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير * )
لما نزل قول الله تعالى ( من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) قالت اليهود : يا محمد افتقر ربك فسأل عباده القرض ؟ فأنزل الله ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ......)
وقوله سنكتب ما قالوا ... إنما هو وعيد بالعذاب وتهديد بالناروذلك بما فعلوا وليس ظلما من الله ويكذب الله هؤلاء الذين قالوا هات لنا برهان بقربان لله تأكله نار من السماء لنصدقك فقد قالوا ذلك من قبل لأنبياءهم وقد جاءوا بما طلبوا وبالرغم من ذلك فقد قتلوا أنبياءهم بغير حق إلا أن قالوا ربنا الله
ويطمئن الله رسوله بأن لا يحزن لتكذيبهم له فقد كذبوا من قبله رسل جاءوا بالدلائل وبالكتب والألواح من عند الله لينير طريقهم
الآيات 185 ـ 186
( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور * لتبلون فى أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور * )
هذه آية تعزية من الله للناس وللمؤمنين فى ما وجدوه من أذى فإن كل نفس لها قدر معلوم تقضيه ثم تموت ولكن لا يتساوى من ظلم مع من ظلم ، فيوم القيامة يميز الله بين الخبيث والطيب وتوفى كل نفس ما عملت من خير أو شر، ويقول الله أن الحياة الدنيا ماهى إلا متاع يغتر به صاحبه وتنتهى المتع كما تنتهى اللقمة الشهية بمجرد نزولها من الفم إلى المعدة
ويؤكد الله للناس بأنه يختبرهم فى أموالهم وأنفسهم ويطمئن المؤمنين بأن ما يجدوه من أذى من أهل الكتاب والمشركين إنما يعلمه الله وأن النصر مع الصبر وأنه تعالى ناصر المؤمنين
الآيات 187ـ 189
( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون * لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم * ولله ملك السموات والأرض والله على كل شئ قدير * )
هنا يوبخ الله أهل الكتاب الذين أرسل لهم على لسان أنبيائهم بأن يشيروا للناس بمجئ محمد ولكنهم لم يفعلوا ليكتسبوا الثمن البخس الردئ من أمور الدنيا الفانية
وكذلك يوبخ الذين يحبون أن يشكرهم الناس على ما لم يفعلوا يريدون عرض الدنيا وساء وبئس ذلك من ثمن فلهم العذاب الأليم
فلله السموات والأرض وما فيهن الذى يقدر على كل شئ .
الآيات 190 ـ 194
( إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار * ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار * ربنا إننا سمعنا مناديا ينادى للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار * ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد * )
يقول سبحانه وتعالى أن خلق السموات وما فيهن من أجرام ومخلوقات وبغير عمد تحملها وما بها من اتساع ، والأرض وما بها من مخلوقات وما لها من انخفاض واتساع ، علامات وآيات لأصحاب العقول الذين يتفكرون فى جميع أحوالهم وأوقاتهم فى الله وقدرته وعظمته ويرجون من الله العفو والمغفرة والنجاة من النار
هؤلاء يعلمون جيدا أن خلق كل هذا ليس بالعبث والباطل ولكن بالحق ويدعون الله أن ينجيهم من العذاب
هؤلاء الذين استجابوا لدعوة الرسل والأنبياء فآمنوا بالله الواحد القهار ويرجون ثوابه ويدعون بالرحمة والمغفرة يوم القيامة أملا وتصديقا بوعد الله للمؤمنين بالجنة ويعلمون أن الله لا يخلف الوعود
الآية 195
( فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا فى سبيلى وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب )
عندما سأل المؤمنين الله الجنة والجزاء استجاب لدعائهم وأكد لهم أنه تعالى لا يضيع عمل الصالحين وعنده حسن الثواب فمنهم من هاجر فى سبيل الله وترك أرضه ومسكنه وماله ، ومنهم من قاتل المشركين والكفار ومنهم من قتل فى سبيل الله وهؤلاء جميعا لهم الجنة خالدين فيها ولهم حسن الجزاء
الآيات 196 ـ 198
( لا يغرنك تقلب الذين كفروا فى البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد * لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار * )
يقول سبحانه لا يغرك النعم التى ينعم بها هؤلاء الكافرين فهى متاع زائل وقصير الأجل وما عند الله باق فالمتقين لهم نعم الأجر والثواب فى جنات تجرى بها الأنهار خالدين فى النعيم المقيم
الآيات 199 ، 200
( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا ، أولئك لهم أجرهم عند ربهم ، إن الله سريع الحساب * يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون )
يقول الله تعالى أن هناك طائفة من أهل الكتاب يؤمنون بما أنزل عليهم وما أنزل على محمد ويخشعون لله وهؤلاء لهم الأجر والثواب عند الله
ثم ينادى سبحانه المؤمنين ويأمرهم بالصبر على دينهم والصبر فى الجهاد والأستعداد المستمر لملاقاة أعداءهموالثبات وانتظار الصلاة بعد الصلاة والصبر عليها وعلى العبادات والطاعات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عمران هو أحد أنبياء اليهود وهو والد مريم أم عيسى عليه السلام وزوج أخته سيدنا زكريا أيضا من أنبياء اليهود الذين كذبوهم وتعدوا عليهم بالقتل
وزكريا بعد أن أنجب يحيى وهو فى التسعين وأمرأته فوق الستون وولد عيسى وكان زكريا يدافع عنه ضد اليهود أعداء الله قاموا عليه ليقتلوه
جرى منه واقترب إلى شجرة فانفتحت الشجرة له ودعته فدخلها وأغلقت عليه لتحميه ولكن إبليس عليه لعنة الله جذب طرف رداءه خارجها فعرفت اليهود مكانه فنشروا به الشجرة وقتلوه
وكذلك فعلوا مع نبى لهم آخر يسمى دانيال
هؤلاء شعب الله المختار بسوء فعله تحول إلى أحقر شعب غضب الله عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
( الم * الله لا إله إلا هو الحى القيوم * نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل * من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان ، إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد ، والله عزيز ذو انتقام * ) 1 ـ 4
الحروف فى بداية السورة كما أوضحنا فى البقرة هى :
ألم :
الحروف فى بداية السور قال فيها العلماء عدة أقوال :
1 ـ أن هذا القرآن بنفس حروف الهجاء بلغة العرب ، حتى ينتبهوا لما ينزل من السماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يحدثهم فى امور دنياهم وأخراهم
2 ـ أن هذا القرآن ينزل بنفس حروف الهجاء للغتهم ولم يفهموا معناها بالرغم من براعتهم فى استخدام اللغة
3 ـ ويتحدى البلغاء منهم أن يأتوا بسورة مثلها ، أو آية
فهو أداة إعجاز كما كانت العصاة أداة إعجاز موسى
4 ـ عندما يحدث البلغاء بحروف لم يفهموها فهذا يجذب الأنتباه
فكأنه يقول ( انتبهوا فالأمر جد خطير )
( الله لا إله إلا هو الحى القيوم )
لاإله إلا الله
عن أبى سعيد الخدرى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( قال موسى : يارب علمنى شيئا أذكرك به وأدعوك به ،
قال : قال يا موسى : لاإله إلا الله ، قال يارب كل عبادك يقول هذا ،
قال : قل لا إله إلا الله
قالموسى : إنما أريد شيئا تخصنى به
قال : ياموسى لو أن أهل السموات السبع والأرضين السبع فى كفة ولاإله إلا الله فى كفة مالت بهم لاإله إلا الله )
الحى القيوم
حى فى ذاته لا يموت ولا ينام لأن فى النوم موتة مؤقته
لا تأخذه سنة ولا نوم
وقال ابن عباس : ( إن بنى إسرائيل قالوا لموسى : هل ينام ربك ؟
قال : اتقوا الله
فناداه ربه عز وجل : ياموسى سألوك هل ينام ربك ؟ فخذ زجاجتين فى يدك فقم الليل
ففعل موسى
فلما ذهب من الليل ثلثه نعس فسقط لركبتيه ثم أنتعش فضبطهما حتى إذا كان آخر الليل نعس فسقطت الزجاجتان فانكسرتا
فقال ربه عزوجل : يا موسى لو كنت أنام لسقطت السموات والأرض فهلكن كما هلكت الزجاجتان فى يدك )
قيومقيم لغيره فجميع الموجودات تفتقر إليه وهو غنى عنها
نزل عليك القرآن يا محمد بلا شك فيه وهو يصدق ما قبله من كتب سماوية أنزلت من قبله وهذه الكتب تصدقه وتبشر به وكذلك التوراة على موسى والإنجيل على عيسى من قبل هذا القرآن ليفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال
والذين جحدوا بها وأنكروها وكفروها لهم عذاب شديد يوم القيامة فالله قوى السلطان منتقم منهم
الآيات 5 ـ 6
( إن الله لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء * هو الذى يصوركم فى الأرحام كيف يشاء لآ إله إلا هو العزيز الحكيم )
يخبر الله تعالى أنه يعلم كل شئ فى السموات والأرض وهو الذى يخلقنا فى أرحام أمهاتنا كما يريد ذكر أو أنثى ، حسن وقبيح ، وهو يستحق وحده الألوهية
الآية 7
( هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ، فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا ، وما يذكر إلا أولوا الألباب )
يخبر تعالى بأنه أنزل بينات واضحة يرجع إليها وليس فيها شك لأحد
كما أنزل أمور غير واضحة
فمن رجع إلى الحق فقد اهتدى ومن لجأ لما فيه التباس وغير وضوح ليوافق هواه فقد ضل
مثال بأن النصارى أتخذوا قول القرآن بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وهى غير واضحة المعنى لدى البعض وتركوا قوله تعالى ( إن مثل عيسىعند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون )
وهم بذلك يريدون الفتنة ، أما أهل العلم والمتفقهون فى الدين يقولون آمنا بما جاء كله فى القرآن ولا يبتغون غير رضوان الله
الآية 8 ـ 9
( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة ، إنك أنت الوهاب * ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ، إن الله لا يخلف الميعاد )
يخبر الله تعالى عن من يؤمنون بالله ويتبعون ما جاء من الحق بأنهم يقولون ربنا ثبتنا على دين الحق الذى أنعمت علينا بالهداية له وزدنا إيمان
ربنا نشهد أنك ستجمع الناس يوم القيامة وتحكم بينهم فيما اختلفوا فيه وتجزى كل بعمله
الآيات 10 ـ 11
( إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ، وأولئك هم وقود النار * كدأب آل فرعون والذين من قبلهم ، كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم ، والله شديد العقاب )
إن الذين كفروا بآيات الله ورسله وخالفوا كتابه فلن تنفعهم أموالهم ولا أولادهم يوم يقوم الحساب ويتوعدهم بأن يكونوا حطب جهنم الذى توقد به
وسيحدث لهم مثل ما جرى على آل فرعون والكفار من قبله عندما كفروا بآيات الله فدمرهم الله وأخذهم العذاب الأليم فالله فعال لما يريد وشديد العذاب
الآيات 12 ـ 13
( قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد * قد كان لكم ءاية فى فئتين التقتا فئة تقاتل فى سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين، والله يؤيد بنصره من يشاء ، إن فى ذلك لعبرة لأولى الأبصار )
يقول سبحانه : قل يا محمد للكافرين أنهم سيغلبون فى الدنيا ويوم القيامة يحشرون إلى جهنم وبئس المصير
ويا أيها اليهود ، كانت لكم آيات من الله تدل على أنه معز دينه فى طائفتان من مشركى يوم بدر تقابلا للقتال
وقوله ( يرونهم مثليهم رأى العين ) ـــ قيل أن المشركين كانوا يرون بأعينهم المسلمين مثليهم أى ضعفهم فى العدد وقد كانوا فى الحقيقة أقل بكثير ولكن الله قدر ذلك ليخيف المشركين وينصر المسلمين
وقول آخر بأن المسلمين كانوا يرون المشركين ضعفهم فى العدد ولكن الله نصرهم عليهم وأيدهم بنصره .
وفى ذلك عبرة لمن يهتدى ويخشى الله
الآيات 14 ، 15
( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ، ذلك متاع الحياة الدنيا ، والله عنده حسن المئاب * قل أؤنبئكم بخير من ذلكم ، للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد )
يخبر سبحانه أنواع الملذات التى خلق فى الدنيا فتنة للناس ويحذر بأنها متعة زائلة وما عند الله خير للمتقين
ثم يقول قل لهم يا محمد أؤخبركم بخير مما زين للناس إنما هى الجنة وما يتفجر من أرجائها من أنهار العسل واللبن والخمر والماء العذب والأزواج المطهرة من الحيض والنفاس والأذى ويحل رضوان الله عليهم بأعظم مما وجدوا فى الدنيا
والله يعطى كل حسب عمله وما يستحق من عطاء
الآيات 16 ، 17
( الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار * الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار )
يصف سبحانه المتقين بأنهم يؤمنون بالله وكتبه ورسله ويطلبون من الله المغفرة بهذا الإيمان والنجاة من النار
ومن صفاتهم أنهم صابرين على الطاعات والبعد عن المحرمات
الصادقين فيما أخبروا عن أنفسهم بالإيمان
القانتين تعنى الخاضعين الطاعين فى خشوع
المنفقين من أموالهم فى جميع مسالك الطاعات التى أمر الله بها
المستغفرين وأفضل أوقات الإستغفار هو وقت السحر ( الثلث الأخير من الليل )
إذ ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة فيقول كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هل من سائل فأعطيه ؟ هل من داع فأستجيب له ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ )
الآيات 18 ـ 20
( شهد الله أنه لآ إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط ، لآ إله إلا هو العزيز الحكيم * إن الدين عند الله الإسلام ، وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ، ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب * فإن حاجوك فقل أسلمت وجهى لله ومن اتبعن ، وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلمتم ، فإن أسلموا فقد اهتدوا ، و إن تولوا فإنما عليك البلاغ ، والله بصير بالعباد )
شهد تعالى أنه ينفرد بالإلهية وجميع الخلائق عبيده وخلقه وقرن هذه الشهادة بشهادة العلماء والملائكة ... وهذا تكريم للعلماء
وله العزة والعظمة والكبرياء
يخبر تعالى بأن لا دين مقبول عنده إلا الإسلام الذى يؤمن بجميع الرسل وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم
والذين أوتوا الكتاب من قبل بغى بعضهم على بعض تحاسدا وبغضاء ومن يجحد بآيات الله فسيحاسبه الله على مخالفته كتابه وتكذيبه
ويقول يامحمد إن جادلوك فى التوحيد فقل أخلصت وجهى لله وعبادتى له وحده فلا ند له ولا ولد ولا صاحبةومن هو على دينى فيقول مثل قولى
وادعوا الأميين من المشركين واهل الكتاب للتوحيد بالله والإسلام فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فليس عليك إلا البلاغ والله عليه الحساب
الآيات 21 ، 22
( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم * أولئك الذين حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين )
هؤلاء أهل الكتاب الذين أرتكبوا من المعاصى والمحارم بأن كذبوا بآيات الله وعصوا رسلهم الذين بلغوهم بآيات الله عنادا واستكبارا وحسدا ، وقتلوا الكثير من الأنبياء بدون جريمة إلا أنهم دعوهم إلى توحيد الله ونهوهم عن المعاصى وهذا كبر ، فيبشرهم الله بأن لهم عذاب النار وبئس المصيروأنه لن يقبل لهم أى عمل صالح مادام موجه لغير الله
الآيات 23 ـ 25
( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون * ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم فى دينهم ما كانوا يفترون * فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون )
ينكر الله تعالى على اليهود والنصارى إذ ا دعوا إلى كتب الله التى بين أيديهم ( التوراة والإنجيل ) ليحكم بينهم ليؤمنوا بمحمد الذى بشروا به فيهما ولكنهم يعرضوا ويخالفوا عنادا وكبرا
وقد دفعهم على ذلك إفتراءهم على الله بأنهم ادعوا بأنهم سيعذبون فى النار سبعة أيام فقط عن كل ألف سنة يوما لأن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة على زعمهموهذا خدعوا به أنفسهم وما أنزل الله به من شئ
ويقول سبحانه : فكيف يكون حالهم إذا سألهم الله يوم الجمع عن ذلك الإفتراء عليه وعن قتلهم الأنبياء وعن مخالفتهم شرع الله وما كتبوه بأيديهم
الآية 26 ، 27
( قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير ، إنك على كل شئ قدير * تولج الليل فى النهار وتولج النهار فى الليل وتخرج الحى من الميت وتخرج الميت من الحى ، وترزق من تشاء بغير حساب )
يوجه الله سبحانه قوله للرسول صلى الله عليه وسلم فيقول له كن يا محمد شاكرا معظما لربك
متوكلا عليه مفوضا له الأمر
قل لك الملك كله أنت المعطى والمانع
أنت الذى تأخذ من النهار وتدخل فى الليل وتقصر من الليل لتطيل النهار
أنت تخرج الزرع من الحب وتنتج الحب من الزرع
وتجعل المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن
وتخرج الدجاجة من البيض وتنتج البيض من الدجاجة (وهذا معنى الحى من الميت ـ والميت من الحى )
وترزق وتعطى من تشاء بما أردت وبلا حساب
الآية 28
( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ، ويحذركم الله نفسه ، وإلى الله المصير )
ينهى سبحانه وتعالى المؤمنين عن أن يوالوا الكافرين يسرون إليهم المودة من دون المؤمنين ومن يرتكب مثل ذلك فإن الله برئ منه
ويقول من خاف فى بعض البلدان شرهم فله الموالاة ليتقيهم ظاهرا وليس بباطنا ونيته
وإلى الله المصير يجازى كل بعمله ونيته
الآية 29 ،30
( قل إن تخفوا ما فى صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ، ويعلم ما فى السموات وما فى الأرض ، والله على كل شئ قدير * يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ، ويحذركم الله نفسه ، والله رؤف بالعباد )
يخبر سبحانه وتعالى بأنه يعلم ما يدور بنفوس عباده ان أظهروه أو أخفوه فإنه به عليم
ويعلم ما فى السموات والأرض ويقدر على كل شئ
ويوم القيامة يحضر للعبد جميع أعماله من خير وشر ويخوفكم الله عقابه
ثم يقول أنه رؤف بالعباد يغفر لمن يتوب فلا يقنطهم من رحمته
الآيات 31 ، 32
( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم * قل أطيعوا الله والرسول ، فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين )
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "
وهذه الآية فى هذا المعنى موجهة لمن يدعى أنه يحب الله ورسوله ولا يتبع ما جاء به شرع الله والسنة المحمدية
( تولوا ) خالفوا أمر الله ورسوله فقد كفر والله غاضب عليه ومعذبه
الآيات 33 ، 34
( إن الله اصطفى ءادم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم )
يخبر سبحانه وتعالى بأنه أختار آدم على الخلق وصوره بيده الشريفة وعلمه الأسماء وأسجد له الملائكة وهذا لحكمة يعلمها الله
وأختار نوح أول الأنبياء
وأختار إبراهيم أبو الأنبياء وجعل من ذريته محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء
وأختار آل عمران والد مريم أم عيسى عليه السلام وكل ذلك لحكمة الله ولفضله على الخلق
الآيات 35 ،36
( إذ قالت امرأت عمران رب إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا فتقبل منى إنك أنت السميع العليم * فلما وضعتها قالت رب إنى وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى ، وإنى سميتها مريم وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم )
إمرأة عمران هى أم مريم وأسمها ( حنة بنت فاقوذ ) قالت : يارب أنت تسمع دعائى وأنا نذرت ما فى بطنى لخدمة بيتك المسجد الأقصى وكانت لا تعلم هل ببطنها ذكر أم أنثى
وعندما وضعت وجدت أنثى وبالطبع الأنثى أضعف بنية ونفسا من الذكر ولا تصلح للخدمة فى بيت الله
وسمتها مريم
وتدعو الله أن يقيها شر الشيطان الرجيم هى وذريتها واستجاب لها الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مسه إياه إلا مريم وابنها
الآية 37
( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا ، كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا ، قال يامريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله ، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب )
يخبر تعالى بأنه تقبل مريم من أمها وجعل شكلها بهيجا مليحا وجعل من رفقتها من علمها العلم والدين والخير
وجعل زكريا زوج خالتها كافلا لها وذلك لحكمة الله فى أن تقتبس منه العلم والخيروالعمل الصالح
وكانت تكثر العبادة فى محراب وكلما دخل عليها زكريا وجد عندها فاكهة الصيف فى الشتاء وفاكهة الشتاء فى الصيف
عندما وجد ذلك سألها من أين لك هذا ؟
قالت : هو من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب
الآية 38 ـ 41
( هنالك دعا زكريا ربه ،قال رب هب لى من لدنك ذرية طيبة ، إنك سميع الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين * قال رب أنى يكون لى غلام وقد بلغنى الكبر وامرأتى عاقر ، قال كذلك الله يفعل ما يشاء * قال رب اجعل لى ءاية ، قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ، واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشى والإبكار *)
عندما وجد زكريا قبول الدعاء لمريم ، لجأ إلى دعاء ربه هو الآخر إذ أنه أصبح شيخا كبيرا جاوز التسعين من عمره ولم ينجب وزوجته كانت عاقرا
ولكن الأمل فى عطاء الله كان كبيرا فتقبل الله دعاءه ونادته الملائكة وهو يصلى فى مكان تعبده وبشروه بولد من صلبه سماه الله يحيى وكان لم يسم من قبل وبشروه أنه سيكون نبيا من الصالحين ولا يأت النساء تعففا مع قدرته
فتعجب من ذلك فقالوا له أن الله قادر على أن يقول كن فيكون وقد خلق آدم وخلق ذريته وخلقه من قبل فلا عجب
قال لهم وما آية ذلك وعلامته ؟
قالوا له أنه لن يقدر على الكلام مع الناس إلا رمزا لمدة ثلاثة أيام وأمروه أن يرشدهم إلى ذكر الله والتسبيح بحمده فى كل وقت
الآيات 42 ـ 44
( وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين * يامريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين * ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون )
يخبر سبحانه عما أخبرت به الملائكة مريم عليها السلام
إذ قالوا لها إن الله اختارك وشرفك لكثرة عبادتك وطهارتك وطهرك من الوساوس والسيئات
واختارك على نساء العالمين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون "
ثم أمرت الملائكة مريم بكثرة العبادة والخشوع لله والركوع والسجود مع من كانوا فى عهدها
القنوت : هوالطاعة فى خشوع مع طول الركوع فى الصلاة
ثم يقول سبحانه ما كنت عندهم يا محمد لتطلع على ما حدث من أمر اختيار زكريا ليكفل مريم ولكن أخبرك به الله
والمقصود ب ( يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ) هو أنهم كانوا لعمل القرعة كانوا يلقون أقلامهم فى الماء فأيها تثبت ولا تجرى مع الماء فهو كافلها
وقد حدث أنهم ألقوا الأقلام فجرت إلا قلم زكريا وهو كبيرهم وسيدهم ونبيهم وإمامهم وعالمهم
الآيات 45 ـ 47
( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين * ويكلم الناس فى المهد وكهلا ومن الصالحين * قالت رب أنى يكون لى ولد ولم يمسسنى بشر ، قال كذلك الله يخلق ما يشاء ، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون * )
تبشر الملائكة مريم بأنه سيكون منها ولد له شأن عظيم (بكلمة منه ) أى وجوده بكلمة من الله إذ يقول له كن فيكون
ويكون مشهورا فى الدنيا عند المؤمنون باسم عيسى ابن مريم حيث لا أب له فيعرف بأمه
وله وجاهة ومكانة عند الله بما يوحيه إليه من الشريعة وينزل عليه الكتاب ، وفى الآخرة يشفع عند الله مثل أولى العزم من الرسل
ويدعوا إلى عبادة الله وحده فى حال صغره فهو معجزة وفى كهولته يوحى الله له وعمله صالحا
تعجبت مريم أن تلد ولم تتزوج وليست بغيا
قالت لها الملائكة أن الله يخلق مايشاء وإذا أمر بشئ فإنه يقول له كن فيكون وأنه قضى بذلك وانتهى الأمر
الآيات 48 ـ 51
( ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل * ورسولاإلى بنى إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ، وأبرئ الأكمه والأبرص وأحى الموتى بإذن الله ، وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم ، إن فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين * ومصدقا لما بين يدى من التوراة ولأحل لكم بعض الذى حرم عليكم ، وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون * إن الله ربى وربكم فاعبدوه ، هذا صراط مستقيم )
يخبر الله تعالى عن بشارة الملائكة لمريم ويوضح ما حبى الله عيسى من آيات ومعجزات ليقنع قومه أنمه مرسل من قبل العزيز الواحد القهار
الأكمه : هو من يولد أعمى
الأبرص : المصاب بمرض البرص
( ولأحل لكم بعض الذى حرم عليكم ) : هو أن رسالة عيسى هى أنه نسخ بعض ما كان فى التوراة فأحل بعض ما حرم الله على بنى اسرائيل من ظلمهم
الآيات 52 ـ 54
( فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله ، قال الحواريون نحن أنصار الله ءامنا بالله واشهد بأنا مسلمون * ربنا ءامنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين *ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين )
وعندما أحس عيسى أن اليهود مصرون على الكفر قال من يتبعنى فى طريق الله ؟ والدعوة إلى توحيد الله
قال مناصرون له ( الحواريون ) نحن معك وناصروك واشهدوا الله على إيمانهم معه
وأراد بنوا اسرائيل الفتك بعيسى وأرادوا أن يصلبوه وخططوا لذلك وذلك بأن وشوا به عند ملك هذا الزمان وقالوا له أنه يفسد عقول الناس ويحرضهم على عدم طاعة الملك ويفرق بين الأب وإبنه وغير ذلك من الإفتراءات
غضب الملك وبعث من يأخذه من بيته ليصلبه ولكن الله كان أقدر على التخطيط ففتح له فى سقف بيته ورفعه إلى السماء وألقى شبهه على رجل ممن كانوا عنده فى البيت وعندما دخلوا عليه فى الظلام ظنوه هذا الرجل فأخذوه وصلبوه ووضعوا على رأسه الشوك
وهكذا نجى الله نبيه ورفعه إليه وترك بنى اسرائيل فى ضلالهم فى ذلة إلى يوم الدين
الآيات 55 ـ 58
( إذ قال الله ياعيسى إنى متوفيك ورافعك إلىّ ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ، ثم إلىّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون * فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا فى الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين * وأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ، والله لا يحب الظالمين * ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم )
يقول سبحانه أنه قال لعيسى عليه السلام إنى متوفيك نوما ( كما يحدث لجميع الأحياء عند النوم ) ورافعك إلى السماء وجاعل الناس الذين آمنوا به أفضل من الكافرين وفوقهم إلى يوم القيامة وقد فعل ذلك الله باليهود الذين كفروا فعذبهم فى الدنيا بالقتل والسبى وأخذ أموالهم ويوم القيامة العذاب الأكبر
أما الذين آمنوا فأثابهم فى الدنيا بالنصر وفى الآخرة بالفوز بالجنة
ثم قال يا محمد إن ما قصصته عليك من أمر عيسى لا شك فيه
الآيات 59 ـ 63
( إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين * فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين * إن هذا لهو القصص الحق ، وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم * فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين )
يخبر سبحانه أنه خلق عيسى كما خلق آدم من تراب وقال له كن فكان وأسكن جسده الروح فلا تكن ممن يشكون يا محمد ويا كل مؤمن فى قدرة الله على ذلك
وادعوا الناس للتوحيد بالله وانهاهم عن قول عيسى الله أو ابن الله كما يدعى النصارى
وكان سبب نزول الآية أن وفد نجران من النصارى جادلوا الرسول صلى الله عليه وسلم فى ذلك ، فأنزل الله الآية وقال له
فمن جادلك فى ذلك فقل لهم اجعلوا أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم يحضروا مجلس اللعان هذا الذى طلب وفد نجران جعله بأن يلعن كلا من النصارى والمسلمون بأن تنزل اللعنة على الكاذب منهما
فخاف أحدهم وقال لا تفعل فإنه لو كان نبيا على حق فلن نفلح بعد ذلك أبدا
ويقول تعالى إن هذا ما قلناه لك من أمر عيسى هو الحق ولا محيد عنه
ومن يعدل عن الحق فهو لا يريد إلا الإفساد ويعلمه الله وسيجزى شر الجزاء
الآيات 59 ـ 63
( إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين * فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين * إن هذا لهو القصص الحق ، وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم * فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين )
يخبر سبحانه أنه خلق عيسى كما خلق آدم من تراب وقال له كن فكان وأسكن جسده الروح فلا تكن ممن يشكون يا محمد ويا كل مؤمن فى قدرة الله على ذلك
وادعوا الناس للتوحيد بالله وانهاهم عن قول عيسى الله أو ابن الله كما يدعى النصارى
وكان سبب نزول الآية أن وفد نجران من النصارى جادلوا الرسول صلى الله عليه وسلم فى ذلك ، فأنزل الله الآية وقال له
فمن جادلك فى ذلك فقل لهم اجعلوا أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم يحضروا مجلس اللعان هذا الذى طلب وفد نجران جعله بأن يلعن كلا من النصارى والمسلمون بأن تنزل اللعنة على الكاذب منهما
فخاف أحدهم وقال لا تفعل فإنه لو كان نبيا على حق فلن نفلح بعد ذلك أبدا
ويقول تعالى إن هذا ما قلناه لك من أمر عيسى هو الحق ولا محيد عنه
ومن يعدل عن الحق فهو لا يريد إلا الإفساد ويعلمه الله وسيجزى شر الجزاء
الآية 64
( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون )
هذا الخطاب يشمل اليهود والنصارى
يقول الله سبحانه قل لهم يا محمد تعالوا إلى جملة مفيدة عدل بيننا وبينكم نحن وأنتم وهى أن نعبد الله وحده ولا نشرك به أوثانا ولا أصناما ولا صليبا ولا طاغوت
ولا يطيع بعضنا البعض فى معصية الله
فإن انتهوا هم عن هذا القول فاستمروا أنتم على الإسلام الذى شرعه الله لكم
الآية 65 ـ 68
( ياأهل الكتاب لم تحاجون فى إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده ، أفلا تعقلون * هاأنتم حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون * ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين * إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبى والذين ءامنوا ، والله ولى المؤمنين )
يخاطب سبحانه وتعالى اليهود والنصارى ويقول لماذا تدعون أن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا وقد أنزلت التوراة والإنجيل من بعده بزمن طويل أليس لكم عقول
إن إبراهيم كان يعبد الله على فطرة الإسلام لله وحده وما كان من المشركين
وإن أولى الناس به الذين اتبعوه فى عصره وهذا النبى محمدا ومن تبعوه من المهاجرين والأنصار ومن اتبعوا طريقهم من بعدهم
الآيات 69 ـ 74
( ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون * يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون * يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون * وقالت طائفة من أهل الكتاب ءامنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا ءاخره لعلهم يرجعون * ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم ، قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم * يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم *)
يحذر الله نبيه والمسلمين من بعض أهل الكتاب
و يسأل الله مؤنبا لأهل الكتاب كيف تكفرون بنعم الله وآياته وأنتم تشهدون أنها حق ووردت بكتابكم
وكيف لكم أن تغيروا الحقيقة لتلبسوا الأمور على المسلمين
لقد اتفق بعض أهل الكتاب على أن يخططوا المكيدة ليلبسوا على المسلمين دينهم بأن قالوا نظهر الإيمان نهارا ثم نرتد منه آخر النهار فيتذبذب المؤمنون وضعاف النفوس بأن يظنوا أن هؤلاء كانوا سيؤمنون لولا أنهم وجدوا النبى ليس على حق فارتدوا
وهذه مكيدة دنيئة كشفها الله لرسوله والمؤمنون
ويقول لهم أن القلوب بيد الله يهدى من يشاء ويضل من حقت عليه الضلالة
وهؤلاء الكافرون قالوا لبعضهم البعض لا تؤمنوا إلا لمن اتبع دينكم ولا تظهروا لهم ماعندكم من علم للمسلمين فيتعلموه منكم ويتفوقوا عليكم ويتخذوه حجة عليكم عند ربكم
ويقول تعالى أن الفضل والخير كله بيد الله يؤتيه من يشاءوهو المعطى والمانع ومن أراد أن يهديه هداه بالإيمان ومن أراد أن يضله ختم على قلبه وأعمى بصيرته
الآيات 75 ، 76
( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤديه إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤديه إليك إلا ما دمت عليه قائما ، ذلك بأنهم قالوا ليس علينا فى الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون * بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين )
يحذر الله من أنه من أهل الكتاب الخونة الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ومنهم من هو أمين فى معاملته ومن هو خائن
وهذا الفعل منهم لأنهم يقولون ليس فى ديننا حرج من ذلك مع المسلمين وقد أحلها الله وهم بذلك يفترون على الله بزعمهم هذا وهم يعلمون الحق فى التوراة ولكن يحرفون ما يحلوا لهم
ويقول الله لهم إن من اتقى وخشى الله فإن الله يحب التقوى وأصحابها
الآية 77
( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم فى الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم )
إن الذين يستبدلون ما أتى به محمدا بثمن رخيص من عروض الدنيا الدنيئة هؤلاء لا يرضى عنهم الله ويمقتهم ولا نصيب لهم فى الآخرة ولهم عذاب الآخرة
الآية 78
( وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون )
يخبر سبحانه وتعالى عن اليهود أن منهم جماعة يحرفون كلام الله عن مقصوده ويبدلونه بكلمات رخيصة تخدم أغراضهم الدنيئة ويوهموا الناس بأنها من عند الله وما هى من عند الله وكذب على الله وهم يعلمون الحق ويفترون على الله كذبا
الآيات 79 ، 80
( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لى من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون * ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ، أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون )
ما ينبغى لبشر آتاه الله الكتاب والحكمة والنبوة أن يقول للناس اعبدونى من دون الله أو مع الله وإذا كان هذا لا يصح للأنبياء والرسل فبباب أولى لا يصح لباقى الناس
وقد اتخذ بعض الناس أحبارهم ورهبانهم ومشايخهم الضالة أربابا من دون الله
وهؤلاء يلعنهم الله والملائكة والناس أجمعين
ولكن الله يقول لهم كونوا حكماء وعلماء وفقهاء تعلمون الناس ما درستموه
ويأمر الله بعبادة الله وحده وينهى عن عبادة نبى أو رسول أو ولى كما فعل اليهود والنصارى
فليس من المعقول أن يأمر الله الناس بالكفر بعد إيمانهم
الآيات 81 ، 82
( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما ءاتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ، قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى ، قالوا أقررنا ، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين * فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون )
يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق من جميع الأنبياء من عهد آدم إلى عيسى عليهم جميعا السلام بأنه كلما آتى رسولا كتاب وحكمة بأن يبلغ ويؤمن بمن بعده من رسول وينصره ولا يمنعه ما معه من كتاب وعلم من نصرة واتباع من يليه
فقالوا شهدنا وتعاهدنا على ذلك
فقال من فعل غير ذلك فله عذاب وهذا فسق
الآيات 83 ، 85
( أفغير دين الله يبغون وله أسلم من فى السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون * قل ءامنا بالله وما أنزل علينا ومآ أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ومآ أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون * ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين )
يستنكر الله على الكافرين بأن يبغون دينا آخر غير دين الله والتوحيد بالله وقد أسلمت له السموات والأرض ومن فيهن طائعين ومكرهين
ثم يقول قل آمنت بالقرآن والتوراة والإنجيل وما أنزل على جميع الرسل والأنبياء من قبل ولا فرق بينهم ونحن جميعا مستسلمون لله وحده
ثم يقول أنه من يريد دينا غير الإسلام فلن يقبله منه الله ويوم القيامة سيجد أنه من الخاسرين عندما يعاقب على ترك الإسلام
الآيات 86 ـ 89
( كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات ، والله لا يهدى القوم الظالمين * أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم )
كيف يستحق أن يهدى الله من قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق الرسول وآمنوا ثم ارتدوا وكفروا ، فالله لا يهدى الظالمين
وهؤلاء عليهم لعنة من الله خالدين فى اللعنة ولا يخفف عنهم الله العذاب
ولكن رحمة الله واسعة للذين تابوا واصلحوا عملهم
الآيات 90 ، 91
( إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون * إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به ، أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين )
يهدد الله الذين كفروا واستمروا على كفرهم حتى الممات بأن لن تقبل توبتهم عند مماتهم
أما الذين ماتوا وهم كفار فلن يقبل الله أى عمل صالح لهم ولو كان ممكن أن ينفق مال الأرض كله ليفتدى نفسه فلن يقبل منه الله ذلك ولن يغفر له
ولن يجدوا من أحد ينقذهم من عذاب النار
الآية 92
( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شئ فإن الله به عليم )
يرشد سبحانه أن الخير كله فى أن ينفق المؤمن من أحب ماله وليس من الردئ
الآيات 93 ـ 95
( كل الطعام كان حلا لبنى إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ، قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين * فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون * قل صدق الله ، فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين )
حرم إسرائيل ( يعقوب ) عليه السلام بعض الطعام على نفسه تقربا لله وهذا كان جائز فى شريعتهم واتبعه بنوه فى ذلك
وقد كان ذلك من قبل أن تنزل التوراة وظلم اليهود وادعوا على الله الكذب بأن هذا ما حرمه الله فى التوراة ويتحداهم بأن يتلوا التوراة لو كانوا صادقين فقد ادعوا ما كان من أمر السبت وأنه لم يبعث نبيا بعد اسرائيل
ومحوا صفات الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم
ثم جاءت شريعة عيسى عليه السلام فأحل الله لهم بعض ما حرم عليهم بما جاء به الإنجيل
ويوجه الله الناس لعبادته على الحنيفية مثل إبراهيم عليه السلام فقد كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين
الآيات 96 ، 97
( إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين * فيه ءايات بينات مقام إبراهيم ، ومن دخله كان آمنا ، ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ، ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين )
يخبرنا الله بأن أول بيت وضعه لعبادة الناس جميعا على اختلاف أزمانهم وأشكالهم ونسكهم هو الذى فى مكة الكعبة التى بناها إبراهيم عليه السلام والتى يزعم اليهود والنصارى أنهم على دينه ولا يحجون البيت الذى بناه
مقام إبراهيم : هو الحجر الذى كان يقف عليه ابراهيم لما ارتفع البناء ليناوله اسماعيل ويكمل بناء الجدران
وكان ملتصقا بجدران الكعبة حتى أخره عمر بن الخطاب بعيدا عنها حتى لا يعوق حركة الحجاج ويشوش الناس على المصلين عنده
ومن دخل الحرم فهو يأمن من كل سوء حتى لو أجرم لا يعاقب حتى يخرج من الحرم
ويأمر الله الناس بالحج فهو ركن من أركان الإسلام لمن توفرت له الصحة والمال الذى يعينه ويغنى أهله عن السؤال حتى يرجع
الآيات 98 ، 99
( قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون * قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء ، وما الله بغافل عما تعملون )
يعنف الله الكافرين من أهل الكتاب يكفرون بآيات الله مع علمهم بها وقد توعدهم الله بأنه شهيد على ما يفعلون وبما خالفوا الأنبياء ويخبر تعالى أنه ليس بغافل عما يعملون
الآيات 100 ، 101
( ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين * وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم ءايات الله وفيكم رسوله ، ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم )
يحذر الله المؤمنين من أن يتبعوا ويطيعوا أهل الكتاب فإنهم إنما يسعون لجعلكم كفارا بعد إذ آمنتم
ويقول كيف لكم أن ترتدوا بعد الإيمان إلى الكفر وبينكم رسول الله الذى أتاكم بكل ما حق عن ربه
الآيات 102 ، 103
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم ءاياته لعلكم تهتدون )
يدعو الله عز وجل المؤمنين للتقوى والتمسك بالإسلام وعدم الوقوع فى شرائك الشيطان وأهل الكتاب
ويدعوهم إلى الجماعة والتعلق بدين الله وحبله
ويذكر الأوس والخزرج الذين كانت بينهم حروب كثيرة وعداوة وبغضاء فى الجاهلية ، فلما دخلوا الإسلام أصبحوا إخوانا متحابين
الآيات 104 ـ 109
( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وأولئك هم المفلحون * ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم * يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون * وأما الذين ابيضت وجوههم ففى رحمة الله هم فيها خالدون * تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين * ولله ما فى السموات وما فى الأرض وإلى الله ترجع الأمور *)
قال صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان "
والآية فى هذا المعنى
وينهى الله عن التفرقة كما حدث فى الأمم السابقة
قال عليه أفضل الصلوات والسلام " إن أهل الكتاب تفرقوا على ثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه الأمة ستتفرق على ثلاث وسبعين ملة "
ويوم القيامة تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل الفرق والضلالة
والمنافقون الكافرون فى نار جهنم والمؤمنين فى رحمة الله وجناته
وهذه حجج الله علينا والله لا يريد ظلم الناس فيكشف عن أمور الدنيا والآخرة
ولله الأمر كله فى الدنيا والآخرة
الآيات 110 ـ 112
( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ، ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم ، منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون * لن يضروكم إلا أذى ، وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون * ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ، ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون )
يحدث الله المسلمين بأنهم خير الأمم بما أكرمهم الله بنبيهم محمدا الذى بعثه الله بشرع كامل لم يعطه نبيا أو رسولا من قبله
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخولا الجنة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، وأوتيناه من بعدهم ، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق ، فهذا اليوم الذى اختلفوا فيه ، الناس لنا فيه تبع ، غدا لليهود وللنصارى بعد غد "
ويقول تعالى لو أن أهل الكتاب آمنوا بما أنزل على محمد لكان خيرا لهم
فقليل منهم يؤمن بالله وما أنزل إليهم وما أنزل إليكم ، والأكثر فاسقون على الكفر والعصيان
ويخبر الله عباده بأن لهم النصر ويطمئنهم بأنهم لو قاتلوا أهل الكفر فإنهم يهربون من المسلمين وقد كان فى خيبر والمدينة ويهود بنو النضير وبنو قينقاع وغيرهم
ويقول أن الله ألزمهم الذل والخزىإلا أن الله ألزمهم الجزية والدمة فمن التزم فلا عدوان عليه
والزموا المسكنة والضعف قدرا وشرعا
وذلك بأنهم قتلة الأنبياءعلى مر العصور وعصيان الله
الآيات 113 ـ 115
( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون ءايات الله ءاناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون فى الخيرات وأولئك من الصالحين * وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين )
ليسوا سواء : أى لا يستوى أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد
أخر رسول الله صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال : " أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم "
* فنزلت الآية توضح عدم تساوى الإيمان والنفوس بينهم وبين المسلمين
* و قيل هذه الآية تخص المؤمنين من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأسد بن عبيد فى أنهم لا يستوون مع الذين تقدم الحديث عنهم فى الآيات السابقة من أهل الكتاب
* وقيل أن معنى الآية أن أهل الكتاب كلهم على حد سواء فمنهم المؤمنون ومنهم المجرمون
قائمة : أى قائمة على تطبيق شرع الله مستقيمة
يتلون آيات الله ءاناء الليل وهم يسجدون : يقيمون الليل ويتلون القرآن فى صلاتهم
فلن يكفروه : عملهم الصالح لن يضيع عند الله ولمن أحسن الحسنى
فكلمة يكفر تعنى يخفى أى يضيع إخفاء للشئ
الآيات 116 ، 117
( إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * مثل ما ينفقون فى هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون )
وهؤلاء المشركين والكافرين لن تنفعهم أموالهم ولا أولادهم ولن تنجيهم من عذاب الله فهم خالدين فى نار جهنم.
ثم ضرب الله مثلا للكافرين والمشركين بأن ما ينفقونه كمثل ريح فيها برد شديد تحرق الزرع كما تحرق النار الزرع .
فكذلك يمحق الله ثواب أعمالهم فى الدنيا ولا يقبل منهم نفقة ولا عمل لأنهم فعلوا خيرا ليس له أساس وغير موجه لله وهم الذين ظلموا أنفسهم ولم يظلمهم الله .
الآيات 118 ـ 120
( يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم ، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر ، قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون * هاأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا ءامنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ، قل موتوا بغيظكم ، إن الله عليم بذات الصدور * إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ، وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ، إن الله بما يعملون محيط)
يحذر سبحانه وتعالى من المنافقين
بطانة : أى خاصة الرجال المقربون تطلعوهم على سرائركم وتأمنوا لهم
والمنافقون ما تخفى صدورهم من غل وحقد ينتظرون الفرصة ليضروا المؤمنين بما لديهم من خديعة ومكر
من دونكم : أى من غيركم من أهل الأديان الأخرى وأهل الكتاب
قد بدت البغضاء من أفواههم وماتخفى صدورهم أكبر : تفلت من ألسنتهم كلمات العداء وتظهر الكراهة على وجوههم ولكن ما تخفى صدورهم من غل أكبر وأعظم
هآأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم : أى أن المؤمنون ينخدعوا ويحبون المنافقين بما يظهرون لهم من إيمان ولكن المنافقين يخفون الكراهة للمؤمنين
وتؤمنون بالكتاب كله : أى تؤمنون بكتابكم وكتابهم
موتوا بغيظكم : أى مهما أكننتم من عداء ودبرتم من مكائد فالله غالب على أمره ومظهر دينه فموتوا بغيظكم
إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها : أى لشدة بغضهم للمؤمنين فإنهم يفرحون بأذاهم ويحسدونهم على الخيرات
وبالتقوى والصبر فلا يضركم غيظهم ولا مكائدهم
والله يعلم ما يفعلون ويحاسبهم به
الآيات 121 ـ 123
(وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم * إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون * ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ، فاتقوا الله لعلكم تشكرون)
المقصود يوم أحد فقد كان يوم السبت من سنة 3 للهجرة فقد كان قد قتل يوم بدر أشراف قريش وقد جمع أبو سفيان الأموال الباقية من تجارة يوم بدر وجعلوها لقتال المسلمين عند أحد
وجمع الرسول صلى الله عليه وسلم حشده وأنزلهم منازلهم وجعلهم ميمنة وميسرة والله يسمع ما تقولون ويعلم ما بضمائركم
الطائفتان هما بنو حارثة وبنوسلمة
ولقد نصر الله المؤمنين ببدر وهم قليلوا العدد لتعلموا أن النصر من عند الله وليس بكثرة العدد والعدة
الآيات 124ـ 127
( إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين * وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به ، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم * ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين * )
ذلك حدث يوم بدر إذ أعان الله المؤمنين بجنود من الملائكة ليقاتلوا معهم المشركين
مسومين : معلمين بعلامات القتال
تصبروا : تصابروا على مواجهة وقتال عدوكم
ويأتوكم من فورهم هذا : من غضبهم ووجههم
وقد أنزل الله الملائكة لتطمئن قلوب المسلمين
والنصر هو من عند الله ليقطع طرفا من الذين كفروا : ليهلك أمة من الكفار
أو يكبتهم : يخزيهم ويرد كيدهم
فينقلبوا : فيرجعوا خائبين لم يحصلوا على ما أرادوا منكم
الآيات 128 ، 129
( ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون * ولله ما فى السموات وما فى الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم )
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الفجر ونفسه كانت تأزمت من رؤوس الكفر فبعد أن رفع من الركوع وحمد الله قال( اللهم العن فلانا وفلانا )
فيقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن الأمر كله بيد الله ويرجع إليه فهو الذى يهدى وهو الذى يعذبهم على كفرهم ... وهم يستحقون العقاب على ظلمهم
والملك كله لله ووما فى السموات والأرض يخضع لسيطرته وهو المتصرف فى العباد يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون وهو غفور رحيم
الآيات 130 ـ 136
( ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ، واتقوا الله لعلكم تفلحون * واتقوا النار التى أعدت للكافرين * وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون * الذين ينفقون فى السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين * والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين )
يحذر الله من أكل الربا ويأمر بتقواه وفى طاعة الله ورسوله رحمة للمؤمنين فى عدم إيذاء البعض من الأغنياء للآخرين من الفقراء
ثم يبشر الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله ولا يستغلون حاجة الضعفاء من الفقراء والذين يكظمون الغيظ والذين يعفون عن الناس عند المقدرة عليهم يبشرهم بمغفرة ورضوان
ويبشر الذين يتوبون من قريب لذنوبهم ولو كانت فواحش فإذا تابوا واستغفروا فإن الله يتوب عليهم ويعفو عن سيئاتهم ولكن شرط التوبة أن لا يصرون على المعصية وهم يعلمون جيدا أنها تغضب الله
هؤلاء التائبين المنيبين إلى الله لهم الجنة ولهم فيها نعيم وأنهار خالدين فيها
الآية 137
( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين )
عندما قتل سبعون يوم أحد من المسلمين فإن الله خاطبهم فقال قد حدث مثل ذلك فى الأمم التى من قبلكم من أتباع الأنبياء ثم دارت الدائرة على الكافرين
الآية 138 143
( هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين * ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ، وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين ءامنوا ويتخذ منكم شهداء ، والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين ءامنوا ويمحق الكافرين * أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين * ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون )
هذا القرآن يبين الله فيه الأمور على حقيقتها وفيه هدى لقلوبكم وموعظة وزاجر عن المحارم .
فلا تضعفوا بسبب ما جرى فى أحد والعاقبة لنصركم أيها المؤمنون .
إن كانت قد أصابتكم جراح وقتل منكم من قتل فقد أصاب أعداءكم مثل ذلك
وهذا يتداول بينكم وبين أعداءكم وفى ذلك حكمة من الله
وليعلم الذين يصبرون على جهاد أعدائهم ومن يتراجع
ومنكم من يكون شهداء فى سبيل مرضاة الله
والله لا يحب الظالمين
وليكفر عن المؤمنين ذنوبهم إن كانت لهم ذنوب وإلا فليرفعهم درجات بما أصيبوا
وليدمر الكافرين ويقوى قلوب المؤمنين
أم تريدون أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد ويعلم الله الصابرين
وكنتم تمنون لقاء العدو والقتال من قبل هذا
فها أنتم قد ابتليتم بالجهاد فى سبيل الله فقاتلوا واثبتوا
الآيات 144 ـ 145
(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين * وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ، ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزى الشاكرين )
هذه الآية قرأها الصديق عليه رضوان الله عندما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فهدأت النفوس بعد ثورتها وسكت الناس بعد نحيبهم إذ كان عمر بن الخطاب فى ثورة عارمة فدخل الصديق وقال ( اجلس يا عمر ..
أما بعد من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت ــــــــــ قال الله تعالى ( وما محمد إلا رسول قد خلت .......الشاكرين )
ولا يموت أحد إلا بقدر الله حتى يستوف المدة التى قررها الله لبقائه على الأرض
وهذا حافز لخوض القتال دون خوف من الموت
ومن يرد خير الدنيا فسوف يناله ما حدد له الله منها ومن يريد الآخرة فسيجزيه الله حسن الثواب
الآيات 146 ـ 148
( وكأين من نبى قاتل معه ربيون كثير ، فما وهنوا لما أصابهم فى سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين * وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وأنصرنا على القوم الكافرين* فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين)
وكم من نبى قاتل معه جموع كثيرة من المؤمنون فلما مات أو قتل صبروا واستمروا على الجهاد فى سبيل الله ولم يضعفوا ولم يتراجعوا بل كانت دعواهم اللهم ثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين واغفر لنا ذنوبنا فكفر الله عنهم سيئاتهم وأثابهم جنته
الآيات 149 ـ 151
( ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين * بل الله مولاكم وهو خير الناصرين * سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين )
يحذر الله عز وجل المؤمنين من أن يطيعوا الكفار ومن أطاعهم فهم يردونه خاسرا
واتبعوا ما أنزل الله فهو الأحق بالولاية
ووعد الله أن يلقى فى قلوب أعداء الله وأعداء المسلمين الخوف بأن يظهر لهم المسلمين فى قوة وكثرة عدد وأن لهم النار وبئس المصيربسبب شركهم بالله
الآيات 152 ـ 153
( ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ، منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ، ولقد عفا عنكم ، والله ذو فضل على المؤمنين * إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم فى أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون )
ويقول الله للمؤمنين أنه صدقهم وعده فى موقعة أحد فنصرهم على الكفار وكانوا يقتلوهم فى أول النهار بإذنه وتسليطه عليهم حتى أن تنازع المسلمون فى أمر المشركين فقد أمررسول الله صلى الله عليه وسلم الرماة من فوق الجبل بأن لا يتركوا مواضعهم مهما حدث ولا ينزلزا لجمع غنائم ولكنهم لم يطيعوا الأمر فقد خدعهم النصر وتركوا أماكنهم رغبة فى جمع الغنائم فهجم عليهم الكفار ثانية
تصعدون : تفرون
فأصاب المسلمين الغم بالهزيمة والغم بسماع الكافرين يعلنون موت النبى
إلا أن رد عليهم عمر بن الخطاب وكشف الله الغم بعدها بالغنيمة ثم التأكد من عدم موت النبى فخفف عنهم ما أصابهم من جراح وقتل والله يعلم ما يعملون .
الآيات 154 ـ 155
( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم ، وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ، يقولون هل لنا من الأمر من شئ قل إن الأمر كله لله يخفون فى أنفسهم ما لا يبدون لك ، يقولون لو كان لنا من الأمر شئ ما قتلنا هاهنا ، قل لو كنتم فى بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ، وليبتلى الله ما فى صدوركم وليمحص ما فى قلوبكم والله عليم بذات الصدور * إن الذين تولوا يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ، إن الله غفور حليم )
وفى حال الغم الذى أصاب المؤمنين من الله عليهم بالنعاس وهم يحملون أسلحتهم لينزل على قلوبهم الأمن والطمأنينة ... ويذكرهم بذلك
والذين لا يظنون بالله خيرا حرمهم الله من هذه الأمنة وظلوا فى الخوف والجزع
وهؤلاء ضعفاء النفوس الذين تحسروا على خروجهم للجهاد ويخفون فى صدورهم ما كشفه الله ويقول لهم : لو كنتم فى بيوتكم لدخل عليكم فيها أعداءكم ما دام كتب عليكم القتال وما نجيتم من أعدائكم
وهذا ليختبر سبحانه ما يخفون فى صدورهم
وهؤلاء الفارين من الميدان إنما أراد أن يزلهم الشيطان بما كسبوا من ذنوب وقد عفا الله عنهم بتوبتهم بعد ذلك فهو الغفور الرحيم
الآيات 156 ـ 158
( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا فى الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة فى قلوبهم ، والله يحى ويميت والله بما تعملون بصير* ولئن قتلتم فى سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون * ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون )
يحذر الله تعالى عباده المؤمنين من أن يقولوا مثل الكفار الذين قالوا عن إخوانهم الذين ماتوا فى الحرب أو فى الأسفار لو أنهم ما تركونا ما ماتوا وهذا ينزل الحسرة فى قلوبهم
ولكن الموت والحياة بيد الله وحده وبقضائه وقدره وهو الذى يحى ويميت
وإن الذين يموتون فى سبيل الله إنهم فى خير كبير ويحشرون عند الله ولهم من الأجر ما هو أعظم بكثير مما يجمع هؤلاء الكفار
الآية 159
( فبما رحمة من الله لنت لهم ، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين )
يخاطب الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم فيقول له ناصحا كن رحيم رقيق القلب مع أمتك فلو كنت شديد عنيف القول والزجر لبعدوا عنك وما تقبلوا دعوتك لهم
فاعف عن أخطائهم وتشاور معهم وشاركهم تأليفا لقلوبهم وجمعهم حولك وإذا اجتمعت على الحق فتوكل على الله واعمل معهم فالله يحب من يتوكل عليه بعد عزم الأمر
وقد وصف الله رسوله فى الكتب السماوية المتقدمة بأنه ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب فى الأسواق ولا يجازى بالسيئة السيئة ولكنه يعفو ويصفح
الآية 160
( إن ينصركم الله فلا غالب لكم ، وإن يخذلكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون *)
معنى الآية هو أن النصر كله بيد الله ولا سلطان إلا لله
الآيات 161 ـ 164
( وما كان لنبى أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون * أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير * هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون * لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم ءاياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين )
* الغل : السرقة
استعمل رسول الله رجل يدعى اللتيبة على جمع الصدقات فجاء فقال هذا لكم وهذا اهدى لى فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال على المنبر :" ما بال العامل نبعثه على عمل فيقول : هذا لكم وهذا أهدى لى : أفلا جلس فى بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا ؟ والذى نفس محمد بيده لا يأتىأحدكم منها بشئ إلا جاء به يوم القيامة على رقبته ، إذكان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر " ثم رفع يديه إلى السماء وقال " اللهم هل بلغت " ثلاثا
* ويقول تعالى فى الآية التالية لا يستوى من جاء بالحسنة ومن أغضب الله
* وأهل الخير درجات عند الله لا يستوون
* لقد تفضل الله على المؤمنين حين أرسل لهم رسولا منهم ليجالسوه ويعلمهم أحكام دينهم وشريعتهم ويقرأ عليهم القرآن لتزكوا أنفسهم وقد كانوا من قبل فى ضلال واضح
الآيات 165 ـ 168
( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ، قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شئ قدير * وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين * وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا فى سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لأتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم والله أعلم بما يكتمون * الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين )
يقول تعالى: إن ما أصابكم يوم أحد من قتل سبعين منكم فقد قتلتم أنتم من الكفار مثلهم سبعين يوم بدر وأسرتم ( سبعين مثليهم ) مثلهم مرتين
وتسألون لماذا هذا حدث ... إنه من أنفسكم عندما عصيتم أوامر رسولكم عندما أمر الرماة أن لا يتركوا أماكنهم فتركوها ليجمعوا الغنائم
وهؤلاء أصحاب عبد الله بن أبى بن سلول الذين رجعوا معه من القتال يقول لهم المؤمنون تعالوا رابطوا وهم يردون عليهم لو نعلم أنكم تأتون حربا لأتبعناكم لكنكم لا تقاتلون ، هؤلاء منافقون وهم للكفر أقرب من الإيمان وهم يقولون ما لا يصدقونه بقلوبهم بل من الأفواه فقط
وهم قالوا للمؤمنين لأو سمع الذين قتلوا مشورتنا ما قتلوا
يقول لهم الله لو استطعتم أن تدفعوا الموت عن أنفسكم فافعلوا
الآيات 169 ـ 175
( ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين * الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم * الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم * إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين *)
يخبر الله عن الشهداء بأنهم ليسوا أمواتا كما نرى ولكن أحياء عنده يرزقون وقال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرواحهم فى جوف طير أخضر يتنعمون فى الجنة
وهم فرحين بما آتاهم الله ويستبشرون بمن بعدهم من المؤمنين أن يجاهدوا ويقتلوا ويلحقوا بهم فى الجنة
وهذا يوم حميراء الأسد بعد أن أصاب المسلمين الجراح وتفرق الجمعان عاد الكفار لسيرهم وتمنوا لو كانوا أتموا القتال
فأرسل لهم النبى الجنود من المسلمين على ما بهم من جراح فأطاعوا الله ورسوله
ويذكر سبحانه المؤمنين الذين أخافهم المنافقين من القتل فزادهم ذلك اصرارا وشجاعة وقالوا توكلنا على الله فرد الله عنهم كيد أعداءهم ورجعوا سالمين
وهذا الشيطان يخوف أولياءه ويوهمهم أنهم ذو بأس فلا تخافوهم فالله ناصركم عليهم
الآيات 176 ـ 180
( ولا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا ، يريد الله ألا يجعل لهم حظا فى الآخرة ، ولهم عذاب عظيم * إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم * ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير لأنفسهم ، إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين * ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبى من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله ، وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم * ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ، بل هو شر لهم ، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ، ولله ميراث السموات والأرض ، والله بما تعملون خبير *)
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحزن كلما وجد الناس تكفر ، فأرسل إليه يهدئ من نفسه ويقول له لا تحزن فإنهم إنما يضرون أنفسهم ولا يضرون الله ، فالله لم يجعل لهم نصيبا فى الجنة ولهم العذاب الأليم العظيم
ولابد من أن يمتحن الله عباده ليظهر المؤمن من الكافر ويفضح أمره كما حدث فى يوم أحد يوم أن فرق بين المؤمنين حقا والمنافقينوما كان الناس يعلمون من المؤمن ومن المنافق لولا أن كشفهم الله
ثم يقول سبحانه أن لا يحسب البخيل أن جمعه للمال وعدم إنفاقه خير بل هو مضرة له وسيطوق به ويسأل عنه يوم القيامة
قال صلى الله عليه وسلم " من أتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه ( شدقيه ) يقول : أنا مالك ، أنا كنزك " ثم تلا هذه الآية ( ولا يحسبن .......... خبير )
فالله ميراث الأرض والسماء وما فيهن ويعلم نياتكم
الآيات 181 ـ 184
( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ، سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد * الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، قل قد جاءكم رسل من قبلى بالبينات وبالذى قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين * فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير * )
لما نزل قول الله تعالى ( من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) قالت اليهود : يا محمد افتقر ربك فسأل عباده القرض ؟ فأنزل الله ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ......)
وقوله سنكتب ما قالوا ... إنما هو وعيد بالعذاب وتهديد بالناروذلك بما فعلوا وليس ظلما من الله ويكذب الله هؤلاء الذين قالوا هات لنا برهان بقربان لله تأكله نار من السماء لنصدقك فقد قالوا ذلك من قبل لأنبياءهم وقد جاءوا بما طلبوا وبالرغم من ذلك فقد قتلوا أنبياءهم بغير حق إلا أن قالوا ربنا الله
ويطمئن الله رسوله بأن لا يحزن لتكذيبهم له فقد كذبوا من قبله رسل جاءوا بالدلائل وبالكتب والألواح من عند الله لينير طريقهم
الآيات 185 ـ 186
( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور * لتبلون فى أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور * )
هذه آية تعزية من الله للناس وللمؤمنين فى ما وجدوه من أذى فإن كل نفس لها قدر معلوم تقضيه ثم تموت ولكن لا يتساوى من ظلم مع من ظلم ، فيوم القيامة يميز الله بين الخبيث والطيب وتوفى كل نفس ما عملت من خير أو شر، ويقول الله أن الحياة الدنيا ماهى إلا متاع يغتر به صاحبه وتنتهى المتع كما تنتهى اللقمة الشهية بمجرد نزولها من الفم إلى المعدة
ويؤكد الله للناس بأنه يختبرهم فى أموالهم وأنفسهم ويطمئن المؤمنين بأن ما يجدوه من أذى من أهل الكتاب والمشركين إنما يعلمه الله وأن النصر مع الصبر وأنه تعالى ناصر المؤمنين
الآيات 187ـ 189
( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون * لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم * ولله ملك السموات والأرض والله على كل شئ قدير * )
هنا يوبخ الله أهل الكتاب الذين أرسل لهم على لسان أنبيائهم بأن يشيروا للناس بمجئ محمد ولكنهم لم يفعلوا ليكتسبوا الثمن البخس الردئ من أمور الدنيا الفانية
وكذلك يوبخ الذين يحبون أن يشكرهم الناس على ما لم يفعلوا يريدون عرض الدنيا وساء وبئس ذلك من ثمن فلهم العذاب الأليم
فلله السموات والأرض وما فيهن الذى يقدر على كل شئ .
الآيات 190 ـ 194
( إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار * ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار * ربنا إننا سمعنا مناديا ينادى للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار * ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد * )
يقول سبحانه وتعالى أن خلق السموات وما فيهن من أجرام ومخلوقات وبغير عمد تحملها وما بها من اتساع ، والأرض وما بها من مخلوقات وما لها من انخفاض واتساع ، علامات وآيات لأصحاب العقول الذين يتفكرون فى جميع أحوالهم وأوقاتهم فى الله وقدرته وعظمته ويرجون من الله العفو والمغفرة والنجاة من النار
هؤلاء يعلمون جيدا أن خلق كل هذا ليس بالعبث والباطل ولكن بالحق ويدعون الله أن ينجيهم من العذاب
هؤلاء الذين استجابوا لدعوة الرسل والأنبياء فآمنوا بالله الواحد القهار ويرجون ثوابه ويدعون بالرحمة والمغفرة يوم القيامة أملا وتصديقا بوعد الله للمؤمنين بالجنة ويعلمون أن الله لا يخلف الوعود
الآية 195
( فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا فى سبيلى وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب )
عندما سأل المؤمنين الله الجنة والجزاء استجاب لدعائهم وأكد لهم أنه تعالى لا يضيع عمل الصالحين وعنده حسن الثواب فمنهم من هاجر فى سبيل الله وترك أرضه ومسكنه وماله ، ومنهم من قاتل المشركين والكفار ومنهم من قتل فى سبيل الله وهؤلاء جميعا لهم الجنة خالدين فيها ولهم حسن الجزاء
الآيات 196 ـ 198
( لا يغرنك تقلب الذين كفروا فى البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد * لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار * )
يقول سبحانه لا يغرك النعم التى ينعم بها هؤلاء الكافرين فهى متاع زائل وقصير الأجل وما عند الله باق فالمتقين لهم نعم الأجر والثواب فى جنات تجرى بها الأنهار خالدين فى النعيم المقيم
الآيات 199 ، 200
( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا ، أولئك لهم أجرهم عند ربهم ، إن الله سريع الحساب * يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون )
يقول الله تعالى أن هناك طائفة من أهل الكتاب يؤمنون بما أنزل عليهم وما أنزل على محمد ويخشعون لله وهؤلاء لهم الأجر والثواب عند الله
ثم ينادى سبحانه المؤمنين ويأمرهم بالصبر على دينهم والصبر فى الجهاد والأستعداد المستمر لملاقاة أعداءهموالثبات وانتظار الصلاة بعد الصلاة والصبر عليها وعلى العبادات والطاعات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عمران هو أحد أنبياء اليهود وهو والد مريم أم عيسى عليه السلام وزوج أخته سيدنا زكريا أيضا من أنبياء اليهود الذين كذبوهم وتعدوا عليهم بالقتل
وزكريا بعد أن أنجب يحيى وهو فى التسعين وأمرأته فوق الستون وولد عيسى وكان زكريا يدافع عنه ضد اليهود أعداء الله قاموا عليه ليقتلوه
جرى منه واقترب إلى شجرة فانفتحت الشجرة له ودعته فدخلها وأغلقت عليه لتحميه ولكن إبليس عليه لعنة الله جذب طرف رداءه خارجها فعرفت اليهود مكانه فنشروا به الشجرة وقتلوه
وكذلك فعلوا مع نبى لهم آخر يسمى دانيال
هؤلاء شعب الله المختار بسوء فعله تحول إلى أحقر شعب غضب الله عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــ