الآية 84 ، 85 ، 86
( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون * ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان ، وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم ، أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون * أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون * )
يذكر الله اليهود بما نقضوا من عهود فى التوراة وعلى لسان موسى فكانوا يقتلون الأنبياء ويقتلون بعض ،ويخرجون بعضهم البعض من ديارهم ويأسرون البعض بالرغم من أن الأسير يكون من الأعداء الكفار وليس ممن عاهدوا على الإيمان
ويعدهم الله بالعذاب يوم القيامة والخزى فى الدنيا
ملحوظة:
الأسير يكون من الكفار ويترك بدفع الدّية وإلا فيعتبر من الرقاب التى عليها عتق
وليس الأسير من المؤمنين ، فأسرى المؤمنين ليس عليها دية ولا عتق
الآية 87 ، 88
( ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل ، وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ، أفكلما جآءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون * وقالوا قلوبنا غلف ، بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون *)
يذكرهم الله بأنه أرسل لهم موسى ، وبعث أنبياء من بعد كثيرين بلغت المئات ، وأرسل عيسى عليه السلام ليعدل لهم ويبين بعض الأمور فى دينهم ، ولكنهم كانوا يقتلونهم ،
فيؤنبهم ويقول كلما أرسلنا إليكم رسول كذبتموه وقتلتموهم ، وقلتم قلوبنا مغلقة ولن نفهم شيئا ، ولكن هذه لعنة الله عليهم بما فعلوالأن قليل منهم المؤمنون .
الآية 89 ، 90
( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ، فلعنة الله على الكافرين *بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ، فباؤا بغضب على غضب ،وللكافرين عذاب مهين )
كان يهود خيبر تقاتل يهود غطفان ، وكلما ألتقوا هزمت يهود خيبر
فكانت تستفتح ( تعوذ بالله وتدعوه ) بالدعاء التالى ويقولون :
اللهم نسألك بحق محمد النبى الأمى الذى وعدتنا أن تخرجه لنا فى آخر الزمان أن تنصرنا عليهم ،فهزموا غطفان ، ولما بعث النبى صلى الله عليه وسلم كفروا به .
ويروى محمد بن سلمة الصحابى يقول :
" لم يكن فى بنى عبد الأشهل إلا يهودى واحد يقال له : يوشع ، فسمعته يقول : ــوإنى لغلام فى إزار ــ قد أظلكم نبى يبعث من نحو هذا البيت ــ ثم أشار بيده إلى بيت الله ــ فمن أدركه فليصدقه ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمنا وهو بين أظهرنا لم يسلم حسدا وبغيا "
وعلى هذا المنوال كان سلوك اليهود فى الشام ومكة والمدينة يقرون بما بعث به محمدا ولكن يمنعهم الحسد والغيرة من الإعتراف بأنه هو .
الحسد والغيرة أدى بشعب الله المختار إلى الكفر والإنزلاق فى نار الجحيم ، كانوا يمسحون من التوراة ما ينافى أهواءهم ويكتبون بأيديهم ما يحلو لهم ، ويؤذون النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويتعرضون لنساء المسلمين .
الآيات 91 ، 92 ، 93
( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم ، قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين * ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون * وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا ، قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا فى قلوبهم العجل بكفرهم ، قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين )
فى هذه الآيات يذكرهم الله ويذكرهم ويعيد عليهم التذكرة لعلهم يرجعون ، ولكن دون فائدة ، فإذا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنوا بما أنزل الله من القرآن ، يقولون لا بل نؤمن بالتوراة ، فيؤنبهم الله بأنهم لم يؤمنوا حتى بالتوراة بدليل قتلهم الأنبياء وعصيانهم لموسى عليه السلام ، فإذا اعتبروا هذا إيمانا فبئس الإيمان الذى آمنوا، فهم عبدة العجل الذى تمكن من قلوبهم ، وإذا قال أنبياءهم اسمعوا كلام الله قالوا سمعنا وعصينا
لعنهم الله
الآية 94
( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم ، والله عليم بالظالمين * ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ، والله بصير بما يعملون )
يؤنب الله اليهود فى أنهم يزعمون أنهم أحباء الله على ظلمهم وشركهم ويقول لهم إن كنتم كذلك فهل تنشرح قلوبكم لملاقاة الله وحب الموت فى سبيله ، والقتال فى سبيل الله ، ولكنهم كما تعود منهم يرهبون الجهاد مخافة الموت وملاقاة الله بما فعلوا من ذنوب ولو كانوا من المعمرين لجاء يوما ماتوا وعذبهم الله على ما يفعلون
الآية 97 ـ 98
( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين * من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدوا للكافرين *)
كان عمر بن الخطاب يأتى اليهود فيسمع من التوراة فيتعجب
كيف أنها تصدق مافى القرآن …
فمر بهم النبى صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر لليهود :
نشدتكم بالله أتعلمون أنه نبى …؟
فقال عالمهم : نعم
فقال عمر : فلم لا تتبعونه ؟
قال : سألناه من يأتيه بنبوته ـ من الملائكة ـ قال عدونا جبريل لأنه كان ينزل بالغلظة والشدة والحرب والهلاك
فسألهم عمر : ومن رسولكم من الملائكة ؟
قالوا : ميكائيل ينزل بالقطر والرحمة
قال عمر : وكيف منزلتهما من ربهما ؟
قال: أحدهما عن يمينه والأخر على الجانب الآخر ( فجانبى الله سبحانه يمين )
قال عمر : لا يحل لجبريل أن يعادى ميكائيل ، ولا يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل ( معناها أن جبريل وميكائيل لايجوز لهما المعاداة فهما المقربان لله ، ولا يجوز لميكائيل أن يسالم اليهود الذين عادوا جبريل )
وإننى أشهد أنهما وربهما سلم لمن سالموا وحرب لمن حاربوا .
يقول عمر رضى الله عنه :
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد أن أخبره فلما لقيته قال :
ألا أخبرك بآيات نزلت علىّ فقلت بلى يا رسول الله فقرأ الآيات
( 97 ، 98 )
الآية 99 ـ 101
( ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون * أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ، بل أكثرهم لا يؤمنون *ولما جآهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون *)
عبد الله بن سلام اليهودى قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
أسألك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبى
ما أول أشراط الساعة ، وما أول طعام أهل الجنة ، وما ينزع ( يشبه ) الولد إلى أبيه ؟
قال النبى : أخبرنى بهن جبريل آنفا
قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة
وهكذا.. كانت بنو إسرائيل يتفننون فى كيف يهدمون كل مقال وكل عهد وكل ما جاء بالكتاب تحديا
وكلما تيقن بالخبر أحدهم ، ظهر آخر ليختبر ويعاند ويجادل فى كتاب الله
نجد للأسف المجادلون يكثرون هذه الأيام ، وما إن راجعت أحد عن الجدل إلا كان السفه والغمز والتغامز والنفور بلسان العقل والعلم ، بالرغم أن الله ورسوله يدعون لتحكيم العقل والحكمة فى الأمر كله ولكن عن تدبر وليس عن جهل وجهالة .
الآية 102
( واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ، وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ، وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ، فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ، ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ، ولقد علموا لمن اشتراه ماله فى الآخرة من خلاق ، ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون .)
قال محمد ابن إسحاق /
لما ذكررسول الله صلى الله عليه وسلم سليمان فى المرسلين قال بعض أحبار اليهود " يزعم محمد أن بن داود كان نبيا ، والله ما كان إلا ساحر " ـ فأنزل الله الآية من سورة البقرة وفيها تبرئه من الله لسليمان ولم يتقدم فى الآية أن أحدا نسب سليمان إلى الكفر ولكن اليهود نسبته إلى السحر ، ولما كان السحر كفرا صاروا بمنزلة من نسبه إلى الكفر .
وقال ابن كثير ـ قال السدى ( كانت الشياطين تصعد إلى السماء فتقعد منها مقاعد للسمع فيستمعون من كلام الملائكة مما يكون فى الأرض من موت أو غيب أو أمر فيأتون الكهنة ويخبرونهم فتحدث الكهنة الناس فيجدونه كما قالوا ، فلما أمنتهم الكهنة كذبوا لهم وأدخلوا فيه غيره ، فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة ، فاكتتب الناس ذلك الحديث فى كتب وفشا ذلك فى بنى إسرائيل أن الجن تعلم الغيب ، فبعث سليمان فى الناس فجمع الكتب فى صندوق ثم دفنها تحت كرسيه ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنوا من الكرسى إلا احترق .
فلما مات سليمان عليه السلام وذهبت العلماء الذين كانوا يعرفون أمره وخلف من بعد ذلك خلف تمثل الشيطان فى صورة إنسان ، ثم أتى نفرا من بنى إسرائيل فقال لهم :
هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدا ؟
قالوا : نعم
قال : احفروا تحت الكرسى
فذهب معهم وأراهم المكان وقام ناحيته
فقالوا له : فادنوا ( أى اقترب )
فقال : لا ولكننى ها هنا فى أيديكم فإن لم تجدوه فاقتلونى
فحفروا فوجدوا تلك الكتب ، فلما أخرجوها قال الشيطان : إن سليمان كان يضبط الإنس والجن والطير بهذا السحر ثم طار وذهب وفشا فى الناس أن سليمان كان ساحرا واتخذت بنو إسرائيل تلك الكتب .
ولما جاء محمدا صلى الله عليه وسلم خاصموه بأن يجعل من سليمان نبيا فى القرآن على الرغم من أنه ساحرا فنزلت الآيات
الآيات 103 ـ 105
( ولو أنهم ءامنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون * ياأيها الذين ءامنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم * ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ، والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم * )
يرشد الله الكفار أن الإيمان بالله أفضل مما يفعلون وأنه تعالى يثيب المؤمنون خيرا
وكان رجلان من اليهود كلما لقيا الرسول صلى الله عليه وسلم قالا وهو يكلمهما ( راعنا سمعك واسمع غير مسمع )
ظن المسلمون أن هذا من التكريم عند أهل الكتاب للأنبياء ، فقالوا للرسول مثل ذلك ، فنزلت الآية 104 ، 105 ، ترشد المسلمون لهذا
ومعنى راعنا بلغة اليهود ( الأحمق والسب القبيح )
الآيات 106 ـ 107
( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ، ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير * ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض ، وما لكم من دون الله من ولى ولا نصير *)
يوجه الله سبحانه وتعالى هذه الآيات للرسول صلى الله عليه وسلم ليعلم أنه الحق ، وأنه يحكم ما يريد ويحرم ويغير ما يريد وله الحق والقوة والفضل فى تسخير عباده
وكذلك يرد على الكفار من اليهود الذين قالوا أن الوحى يأت بالليل وينسى بالنهار ويحل أشياء ثم يحرمها وبالعكس .
فنزلت الآيات ترد عليهم بأن الله يفعل ما يريد ، وأن ذلك من صالح العباد .
الآية 108
( أم تريدون أن تسئلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ، ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل *)
قال رافع بن حريملة ، ووهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " ائتنا بكتاب نقرؤه أو فجر لنا الأنهار نتبعك ونصدقك "
وكذلك أن قريشا طلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا ــ فنزلت الآية .
الآية 109ـ 110
( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ، فاعفوا واصفحوا حتى يأتى الله بأمره ، إن الله على كل شئ قدير * وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة وماتقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ، إن الله بما تعملون بصير * )
نزلت الآية لأن نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة أحد ( لو كنتم على حق ما هزمتم ، فارجعوا لديننا خير لكم )
وكان كعب بن الأشرف اليهودى شاعرا يهجوا الرسول صلى الله عليه وسلم ويحرص عليه المشركين ، فأمر الله نبيه بالصبر والعفو والصفح حتى يغير الله الأمور .
( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون * ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان ، وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم ، أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون * أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون * )
يذكر الله اليهود بما نقضوا من عهود فى التوراة وعلى لسان موسى فكانوا يقتلون الأنبياء ويقتلون بعض ،ويخرجون بعضهم البعض من ديارهم ويأسرون البعض بالرغم من أن الأسير يكون من الأعداء الكفار وليس ممن عاهدوا على الإيمان
ويعدهم الله بالعذاب يوم القيامة والخزى فى الدنيا
ملحوظة:
الأسير يكون من الكفار ويترك بدفع الدّية وإلا فيعتبر من الرقاب التى عليها عتق
وليس الأسير من المؤمنين ، فأسرى المؤمنين ليس عليها دية ولا عتق
الآية 87 ، 88
( ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل ، وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ، أفكلما جآءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون * وقالوا قلوبنا غلف ، بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون *)
يذكرهم الله بأنه أرسل لهم موسى ، وبعث أنبياء من بعد كثيرين بلغت المئات ، وأرسل عيسى عليه السلام ليعدل لهم ويبين بعض الأمور فى دينهم ، ولكنهم كانوا يقتلونهم ،
فيؤنبهم ويقول كلما أرسلنا إليكم رسول كذبتموه وقتلتموهم ، وقلتم قلوبنا مغلقة ولن نفهم شيئا ، ولكن هذه لعنة الله عليهم بما فعلوالأن قليل منهم المؤمنون .
الآية 89 ، 90
( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ، فلعنة الله على الكافرين *بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ، فباؤا بغضب على غضب ،وللكافرين عذاب مهين )
كان يهود خيبر تقاتل يهود غطفان ، وكلما ألتقوا هزمت يهود خيبر
فكانت تستفتح ( تعوذ بالله وتدعوه ) بالدعاء التالى ويقولون :
اللهم نسألك بحق محمد النبى الأمى الذى وعدتنا أن تخرجه لنا فى آخر الزمان أن تنصرنا عليهم ،فهزموا غطفان ، ولما بعث النبى صلى الله عليه وسلم كفروا به .
ويروى محمد بن سلمة الصحابى يقول :
" لم يكن فى بنى عبد الأشهل إلا يهودى واحد يقال له : يوشع ، فسمعته يقول : ــوإنى لغلام فى إزار ــ قد أظلكم نبى يبعث من نحو هذا البيت ــ ثم أشار بيده إلى بيت الله ــ فمن أدركه فليصدقه ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمنا وهو بين أظهرنا لم يسلم حسدا وبغيا "
وعلى هذا المنوال كان سلوك اليهود فى الشام ومكة والمدينة يقرون بما بعث به محمدا ولكن يمنعهم الحسد والغيرة من الإعتراف بأنه هو .
الحسد والغيرة أدى بشعب الله المختار إلى الكفر والإنزلاق فى نار الجحيم ، كانوا يمسحون من التوراة ما ينافى أهواءهم ويكتبون بأيديهم ما يحلو لهم ، ويؤذون النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويتعرضون لنساء المسلمين .
الآيات 91 ، 92 ، 93
( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم ، قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين * ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون * وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا ، قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا فى قلوبهم العجل بكفرهم ، قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين )
فى هذه الآيات يذكرهم الله ويذكرهم ويعيد عليهم التذكرة لعلهم يرجعون ، ولكن دون فائدة ، فإذا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنوا بما أنزل الله من القرآن ، يقولون لا بل نؤمن بالتوراة ، فيؤنبهم الله بأنهم لم يؤمنوا حتى بالتوراة بدليل قتلهم الأنبياء وعصيانهم لموسى عليه السلام ، فإذا اعتبروا هذا إيمانا فبئس الإيمان الذى آمنوا، فهم عبدة العجل الذى تمكن من قلوبهم ، وإذا قال أنبياءهم اسمعوا كلام الله قالوا سمعنا وعصينا
لعنهم الله
الآية 94
( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم ، والله عليم بالظالمين * ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ، والله بصير بما يعملون )
يؤنب الله اليهود فى أنهم يزعمون أنهم أحباء الله على ظلمهم وشركهم ويقول لهم إن كنتم كذلك فهل تنشرح قلوبكم لملاقاة الله وحب الموت فى سبيله ، والقتال فى سبيل الله ، ولكنهم كما تعود منهم يرهبون الجهاد مخافة الموت وملاقاة الله بما فعلوا من ذنوب ولو كانوا من المعمرين لجاء يوما ماتوا وعذبهم الله على ما يفعلون
الآية 97 ـ 98
( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين * من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدوا للكافرين *)
كان عمر بن الخطاب يأتى اليهود فيسمع من التوراة فيتعجب
كيف أنها تصدق مافى القرآن …
فمر بهم النبى صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر لليهود :
نشدتكم بالله أتعلمون أنه نبى …؟
فقال عالمهم : نعم
فقال عمر : فلم لا تتبعونه ؟
قال : سألناه من يأتيه بنبوته ـ من الملائكة ـ قال عدونا جبريل لأنه كان ينزل بالغلظة والشدة والحرب والهلاك
فسألهم عمر : ومن رسولكم من الملائكة ؟
قالوا : ميكائيل ينزل بالقطر والرحمة
قال عمر : وكيف منزلتهما من ربهما ؟
قال: أحدهما عن يمينه والأخر على الجانب الآخر ( فجانبى الله سبحانه يمين )
قال عمر : لا يحل لجبريل أن يعادى ميكائيل ، ولا يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل ( معناها أن جبريل وميكائيل لايجوز لهما المعاداة فهما المقربان لله ، ولا يجوز لميكائيل أن يسالم اليهود الذين عادوا جبريل )
وإننى أشهد أنهما وربهما سلم لمن سالموا وحرب لمن حاربوا .
يقول عمر رضى الله عنه :
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد أن أخبره فلما لقيته قال :
ألا أخبرك بآيات نزلت علىّ فقلت بلى يا رسول الله فقرأ الآيات
( 97 ، 98 )
الآية 99 ـ 101
( ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون * أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ، بل أكثرهم لا يؤمنون *ولما جآهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون *)
عبد الله بن سلام اليهودى قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
أسألك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبى
ما أول أشراط الساعة ، وما أول طعام أهل الجنة ، وما ينزع ( يشبه ) الولد إلى أبيه ؟
قال النبى : أخبرنى بهن جبريل آنفا
قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة
وهكذا.. كانت بنو إسرائيل يتفننون فى كيف يهدمون كل مقال وكل عهد وكل ما جاء بالكتاب تحديا
وكلما تيقن بالخبر أحدهم ، ظهر آخر ليختبر ويعاند ويجادل فى كتاب الله
نجد للأسف المجادلون يكثرون هذه الأيام ، وما إن راجعت أحد عن الجدل إلا كان السفه والغمز والتغامز والنفور بلسان العقل والعلم ، بالرغم أن الله ورسوله يدعون لتحكيم العقل والحكمة فى الأمر كله ولكن عن تدبر وليس عن جهل وجهالة .
الآية 102
( واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ، وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ، وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ، فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ، ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ، ولقد علموا لمن اشتراه ماله فى الآخرة من خلاق ، ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون .)
قال محمد ابن إسحاق /
لما ذكررسول الله صلى الله عليه وسلم سليمان فى المرسلين قال بعض أحبار اليهود " يزعم محمد أن بن داود كان نبيا ، والله ما كان إلا ساحر " ـ فأنزل الله الآية من سورة البقرة وفيها تبرئه من الله لسليمان ولم يتقدم فى الآية أن أحدا نسب سليمان إلى الكفر ولكن اليهود نسبته إلى السحر ، ولما كان السحر كفرا صاروا بمنزلة من نسبه إلى الكفر .
وقال ابن كثير ـ قال السدى ( كانت الشياطين تصعد إلى السماء فتقعد منها مقاعد للسمع فيستمعون من كلام الملائكة مما يكون فى الأرض من موت أو غيب أو أمر فيأتون الكهنة ويخبرونهم فتحدث الكهنة الناس فيجدونه كما قالوا ، فلما أمنتهم الكهنة كذبوا لهم وأدخلوا فيه غيره ، فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة ، فاكتتب الناس ذلك الحديث فى كتب وفشا ذلك فى بنى إسرائيل أن الجن تعلم الغيب ، فبعث سليمان فى الناس فجمع الكتب فى صندوق ثم دفنها تحت كرسيه ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنوا من الكرسى إلا احترق .
فلما مات سليمان عليه السلام وذهبت العلماء الذين كانوا يعرفون أمره وخلف من بعد ذلك خلف تمثل الشيطان فى صورة إنسان ، ثم أتى نفرا من بنى إسرائيل فقال لهم :
هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدا ؟
قالوا : نعم
قال : احفروا تحت الكرسى
فذهب معهم وأراهم المكان وقام ناحيته
فقالوا له : فادنوا ( أى اقترب )
فقال : لا ولكننى ها هنا فى أيديكم فإن لم تجدوه فاقتلونى
فحفروا فوجدوا تلك الكتب ، فلما أخرجوها قال الشيطان : إن سليمان كان يضبط الإنس والجن والطير بهذا السحر ثم طار وذهب وفشا فى الناس أن سليمان كان ساحرا واتخذت بنو إسرائيل تلك الكتب .
ولما جاء محمدا صلى الله عليه وسلم خاصموه بأن يجعل من سليمان نبيا فى القرآن على الرغم من أنه ساحرا فنزلت الآيات
الآيات 103 ـ 105
( ولو أنهم ءامنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون * ياأيها الذين ءامنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم * ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ، والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم * )
يرشد الله الكفار أن الإيمان بالله أفضل مما يفعلون وأنه تعالى يثيب المؤمنون خيرا
وكان رجلان من اليهود كلما لقيا الرسول صلى الله عليه وسلم قالا وهو يكلمهما ( راعنا سمعك واسمع غير مسمع )
ظن المسلمون أن هذا من التكريم عند أهل الكتاب للأنبياء ، فقالوا للرسول مثل ذلك ، فنزلت الآية 104 ، 105 ، ترشد المسلمون لهذا
ومعنى راعنا بلغة اليهود ( الأحمق والسب القبيح )
الآيات 106 ـ 107
( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ، ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير * ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض ، وما لكم من دون الله من ولى ولا نصير *)
يوجه الله سبحانه وتعالى هذه الآيات للرسول صلى الله عليه وسلم ليعلم أنه الحق ، وأنه يحكم ما يريد ويحرم ويغير ما يريد وله الحق والقوة والفضل فى تسخير عباده
وكذلك يرد على الكفار من اليهود الذين قالوا أن الوحى يأت بالليل وينسى بالنهار ويحل أشياء ثم يحرمها وبالعكس .
فنزلت الآيات ترد عليهم بأن الله يفعل ما يريد ، وأن ذلك من صالح العباد .
الآية 108
( أم تريدون أن تسئلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ، ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل *)
قال رافع بن حريملة ، ووهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " ائتنا بكتاب نقرؤه أو فجر لنا الأنهار نتبعك ونصدقك "
وكذلك أن قريشا طلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا ــ فنزلت الآية .
الآية 109ـ 110
( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ، فاعفوا واصفحوا حتى يأتى الله بأمره ، إن الله على كل شئ قدير * وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة وماتقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ، إن الله بما تعملون بصير * )
نزلت الآية لأن نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة أحد ( لو كنتم على حق ما هزمتم ، فارجعوا لديننا خير لكم )
وكان كعب بن الأشرف اليهودى شاعرا يهجوا الرسول صلى الله عليه وسلم ويحرص عليه المشركين ، فأمر الله نبيه بالصبر والعفو والصفح حتى يغير الله الأمور .