مــــرحــــــباَ بـــأحـبـــاب الله مــعــاَ

في طريق الجنة


الأحد، 20 فبراير 2011

سورة الحديد ...معجزة فى ذاتها

تفسير سورة الحديد



بسم الله الرحمن الرحيم


الآيات 1 ـ 3


( سبح لله ما فى السموات والأرض ، وهو العزيز الحكيم * له ملك السموات والأرض ، يحى ويميت ، وهو على كل شئ قدير * هو الأول والآخر والظاهر والباطن ، وهو بكل شئ عليم )


يخبرنا الله تعالى بأن جميع المخلوقات فى السموات وفى الأرض من نبات وحيوان تسبح بحمده وتقدسه جل جلاله


فهو العزيز قوى الجانب لا يقهر و حكيم فى أفعاله وأوامره


ولله امتلاك كل مافى السموات السبع والأرضين السبع وهو الذى يحي وهو الذى يميت ، وقادر على كل شئ فما شاء يكون وما لم يشأ لم يكن


فهو الأول لا شئ قبله ، وهو الآخر فلا شئ بعده


وهو الظاهر لا شئ فوقه


وهو الباطن ولا شئ دونه


ويعلم كل شئ ظاهرا وباطنا


الآيات 4 ـ 6


( هو الذى خلق السموات والأرض فى ستة أيام ثم استوى على العرش ، يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، وهو معكم أين ما كنتم ، والله بما تعملون بصير * له ملك السموات والأرض ، وإلى الله ترجع الأمور * يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل ، وهو عليم بذات الصدور )


يخبر الله عن خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام


ثم استوى بعد الخلق على عرشه


يعلم ما يدخل فى الأرض من حبوب وماء


ويعلم ما يخرج من الأرض من زروع ونباتات وثمار


ويعلم ما ينزل من السماء من ماء وثلج وبرد وأقدار وملائكة


ويعلم ما يصعد إلى السماء من أعمال العباد ومن أرواح الموتى ومن الملائكة


وهو مع العباد رقيب عليهم يشهد أعمالهم فى كل مكان يكونون فى البر أو البحر أو فى البيوت أو فى أى مكان لا يخفى عليه سرهم وعلانيتهم دعاءهم ونجواهم


وهو الذى يملك كل شئ فى السموات وفى الأرض وترجع إليه كل المخلوقات


ويرجع العباد يوم القيامة إلى الله ليحكم بينهم


يقلب الليل والنهار ويتابعهم فى نظام لا يتغير ومرة يدخل الليل فى طول النهار ومرة يأخذ النهار من طول الليل فى نظام محكم ليتكون الفصول الأربعة


والله يعلم ما فى السرائر ويعلم ما يدور بالنفوس


الآيات 7 ـ 11


( آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ، فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير * وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين * هو الذى ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور ، وإن الله بكم لرؤف رحيم * وما لكم ألا تنفقوا فى سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض ، لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ، أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ، وكلا وعد الله الحسنى ، والله بما تعملون خبير * من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ، وله أجر كريم )


يأمر الله بالإيمان به وبرسوله واتباع أوامره كما ينبغى أن تطاع


ويامر بالإنفاق ويقول أنكم ( مستخلفين فيه ) أى أن ما بأيديكم من مال كان بأيدى غيركم ثم صار إليكم ويجب عليكم الطاعة والإنفاق منه وإلا حاسبكم على ذلك


وللمنفقين الأجر والثواب


ولماذا لا تؤمنوا بالله والرسول وهو بينكم ويبرهن لكم على ذلك بالحجج والآيات الواضحة


والله أمركم وأخذ عليكم ميثاقا بعد خلق آدم وأشهدكم على أنه الله الذى خلقكم


والله أنزل على محمد القرآن ليهديكم من الجهل والضلال والكفر إلى نور الحق والإيمان وذلك القول ليحثهم على الإنفاق


والله رؤف رحيم بما أنزل من الهداية مع الرسل


وكيف لا تنفقون وتخشون الفقر والله هو الذى يملك السموات والأرض وما فيهما وبيده خزائنهما


ولا يستوى من أنفق فى سبيل الله قبل فتح مكة فى حال الشدة والإحتياج ومن أنفق بعد الفتح وبعد أن ظهر الإسلام وهدأت الأمور


فهؤلاء الذين أنفقوا فى الشدة لهم درجات أعلى عند الله


ولكن لكل منهما درجات ويعدهم الله بالجزاء الأوفى


والله يعلم ما تفعلون


فمن ينفق فى سبيل الله يضاعف له الحسنات كلا وفق ما أنفق ووقت أن أنفق ووفق نيته وضميره


الآيات 12 ـ 15


( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ، ذلك هو الفوز العظيم * يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب * ينادونهم ألم نكن معكم ، قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأمانى حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور * فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا ، مأواكم النار ، هى مولاكم ، وبئس المصير )


يخبر الله عن المؤمنين والمؤمنات بأن لهم نور يوم القيامة يسعى بين أيديهم وكلٌ حسب عمله ، وكتبهم فى أيديهم بأيمانهم


ويقال لهم لكم البشارة اليوم بالجنات التى تجرى تحتها النهار تظلون فيها مخلدون وهذا لكم الفوز العظيم


أما المنافقين والمنافقات فهم فى ظلمات مع الأهوال والعذاب ويقولون للمؤمنين نريد أن ننال من نوركم


فيخدعهم الله مثلما خدعوا المؤمنين فى الدنيا


فيقال لهم ارجعوا وراءكم ستجدون النور فيرجعون فينشأ بينهم وبين المؤمنين سور بين الجنة والنار من جانب فيه نعيم الجنة والجانب الآخر عذاب النار


( فالعقاب من جنس العمل )


وينادى المنافقون ويقولون للمؤمنين نحن كنا معكم فى الدنيا ونصلى معكم ونحضر معكم الغزوات


فيقول المؤمنون كنتم معنا ليقول الناس أنكم مؤمنون ولكنكم فتنتم أنفسكم بالمعاصى واللذات والشهوات و( تربصتم ) أجلتم التوبة و( ارتبتم ) تشككتم فى البعث بعد الموت ( وغرتكم الأمانى ) فقلتم سوف يغفر لنا الله حت فات الأوان وجاء أمر الله وأنتم على معصيته وغركم الشيطان ( غركم بالله الغرور )


ولو أن أحدكم أراد أن يفتدى نفسه من عذاب الله بملء الأرض ذهبا لا يقبل منه اليوم ولا من الكافرين ، ولكم النار مأوى لكم هى أولى بكم وبئس المصير


الآيات 16 ، 17


( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ، وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحى الأرض بعد موتها ، قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون )


يقول الله تعالى :


ألم يحين الوقت للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله وتلين عند سماع القرآن فيطيعوه


ولا يكونوا مثل الذين كانوا من قبلهم من اليهود والنصارى الذين أتتهم الرسل والكتب من الله لما طال بهم الزمن بدلوا كتاب الله وقست قلوبهم عن ذكر الله وخرجوا على طاعته فلا يقبلون موعظة وفسدت أعمالهم وقلوبهم

فالله الذى يحيى الأرضبعد موتها قادر على إحياء القلوب بعد قسوتها فيجعلها تلين بالقرآن وتهتدى العقول


الآيات 18 ـ 19


( إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم * والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجر ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم )


إن المتصدقين والمتصدقات بأموالهم على الفقراء والمحتاجين ابتغاء رضوان الله يضاعف الله لهم الحسنات بعشر أمثالها ولهم الأجر العظيم


والذين آمنوا بالله ورسله وأطاعوه هم الصدّيقين


والشهداء لهم أجر عظيم عند الله ولهم نور يسعى بين أيديهم يتحرك معهم يضئ لهم يوم القيامة


أما الذين كفروا وكذبوا بآيات الله فهؤلاء الأشقياء ولهم نار الجحيم


الآيات 20 ـ 21


( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر فى الأموال والأولاد ، كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما ، وفى الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان ، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور * سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم )


إن أمر الحياة فى الدنيا محقرا فهو لعب وانشغال بالأولاد والأموال والتكاثر فيهما والتفاخر بينكم مثل ذلك كمثل مطر جاء بعد الجفاف وأنبت الأرض نبات أعجب به الكفار كما أعجبوا بالحياة الدنيا ثم يصفر النبات ويذبل ويصبح حطاما بعد اخضراره ( تماما مثل الإنسان يكون طفلا ثم رجلا شابا قويا ثم يكبر ويضعف ويشيب )


وفى الآخرة يكون إما العذاب الشديد وإما المغفرة والرحمة


فمتاع الدنيا هو متاع يغتر صاحبه به ثم يؤدى به إلى النار


فهيا تسابقوا إلى رحمة الله ورضوانه ليغفر لكم ويدخلكم جنات واسعة كعرض السموات والأرض أعدها الله للمؤمنين بالله والرسل وهذا فضل من الله يمن به على من يرضى من عباده


والله واسع الفضل


وقيل فى هذه الآية لما نزلت قال فقراء المهاجرين : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور والدرجات العلا والنعيم المقيم


قال : وما ذاك ؟


قالوا : يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق


قال : " أفلا أدلكم على شئ إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم : تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين "


فرجعوا وقالوا : سمع إخواننا أهل الأموال ما فعلنا ففعلوا مثله


فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) "


الآيات 22 ـ 24


( ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها ، إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ، والله لا يحب كل مختال فخور * الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ، ومن يتول فإن الله هو الغنى الحميد )


يخبر الله تعالى أنه يعلم كل شئ من قبل وقوعه لأنه قدره من قبل الخلق وخلق الإنسان


يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة "


وعلم الله بالأشياء قبل وقوعها سهل على الله


ويعلمكم الله بذلك حتى تعلموا أن ما أصابكم مقدر عليكم فلا تحزنوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم ولا تفاخر بينكم فكل شئ بقدر الله ورزقه وليس بعملكم


فالله لا يحب المتكبر الفخور بنفسه المتعال على الناس


والذين يفعلون المنكر ويجبرون الناس على فعله ويبخلون بما رزقهم الله ويأمرون غيرهم بالبخل الله غنى عنهم وعن طاعتهم


الآية 25


( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ، وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ، إن الله قوى عزيز )


ويقول سبحانه أنه أرسل الرسل بالمعجزات والكتب السماوية وأمر بالعدل حتى يتبع الناس الرسل ويطيعون الله فيما أمرهم ويحكمون بالعدل والحق


ويقول أنه تعالى جعل الحديد رادعا لمن يرفض اتباع الرسل وأمر نبيه بصناعة السيوف و الدروع والنصال والرماح للقتال وضرب الرقاب لمن كذب وخالف وعصى


وكذلك جعل فى الحديد المنفعة فى السلم كصناعة المنشار والقدوم والآلات الزراعية وإبرة الحياكة وغير ذلك


ويعلم الله من ينصر دينه وهو قوى عزيز ينصر من يجاهد فى سبيله




يلاحظ كلمة ( وأنزلنا الحديد ) لأن الحديد النقى ينزل من السماء فى صورة نيازك أما الموجود على الأرض وفيها فهو فى صورة مركبات الحديد والإنسان يمكنه استخلاصه منها


الآيات 26 ، 27


( ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا فى ذريتهما النبوة والكتاب ، فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون * ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها ، فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ، وكثير منهم فاسقون )


أرسل الله نوحا نبيا ورسولا


وأرسل إبراهيم عليه السلام


وجعل النبوة والرسل من ذريتهما وأنزل الكتب السماوية


وكان من ذريتهم المؤمن والخارج على الطاعة


حتى أرسل موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم من ذريتهما


وجعل فى قلوب الحواريين الذين اتبعوا عيسى خشية ورحمة بالخلق


وابتدعت النصارى رهبانية فرضوها على أنفسهم ولم يفرضها الله عليهم


وقصدوا بذلك رضوان الله


ولكنهم لم يراعوها كما ينبغى ولم يلتزموا بها


( فهم أخطأوا بالبدعة


وأخطاوا بعدم الإلتزام بها )


فالمؤمنين منهم جزاهم الله خيرا


والفاسقين الخارجين على طاعة الله لهم العذاب






الآيات 28 ، 29


( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم ، والله غفور رحيم * لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شئ من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم )




ويعد الله المؤمنين والمتقين برحمة ومغفرة وأجران


ويجعل لهم نورا يسعى بين أيديهم يوم القيامة


ليتحقق أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على رد عطاء الله ولا إعطاء ما منع الله


والله يعطى من يشاء وهو ذو فضل عظيم






قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين :


رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بى فله أجران


وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه فله أجران


ورجل أدب أمته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران "


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


تمت بحمد الله تعالى .