لا تقنطـــوا
من
رحمــة اللــــــــه
قال الله تعالى :
(قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله .إن الله يغفر الذنوب جميعا ز إنه هو الغفور الرحيم ) . الزمر 53
يشرح لنا الإمام أبي الحسن علي بن الواحدي المتوفي سنة 468 هج في كتابه
( أسباب النزول ) يقول : قال ابن عباس أن الآية نزلت في أهل مكة حين قالوا : يزعم محمد أن من عبد الأوثان وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر له ، فكيف نهاجر ونسلم وقد عبدنا مع الله إلاها آخر وقتلنا النفس التي حرم الله ؟ فأنزل الله تعالي هذه الآية
وقال ابن عمر رضي الله عنهما : نزلت هذه الآية في عياش بن ربيعة ، والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا أسلموا ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا ، وكنا نقول لا يقبل الله من هؤلاء صرفا ولا عدلا أبدا ، قوم أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عذبوا به ، فنزلت الآيات ، وكان عمر كاتبا ، فكتبها إلي عياش بن أبي ربيعة ، والوليد بن الوليد ، وأولئك النفر ، فأسلموا وهاجروا .
وأخبرنا عبد الرحمن بن محمد السراج قال : أخبرنا محمد بن محمد بن الحسن الكازري قال أخبرنا علي بن عبد العزيز قال : أخبرنا القاسم بن سلام قال : أخبرنا حجاج عن ابن جريج قال : حدثني يعلي بن مسلم أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أن أناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا ، وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمدا صلي الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعوا إليه لحسن ، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة ، فنزلت الآية : ( قل يا عبادي ............................ )
دعوة كريمة من رب كريم لجميع العصاة من المؤمنين ومن الكافرين وغيرهم إلي التوبة ، والعودة إلي الله العزيز الرحيم ليغفر الذنوب جميعا ولو كانت مثل زبد البحر ، وإن قلت وإن كثرت فإنه يخبر جل وعلا باتساع الأرض والسماء لمن تاب وآمن وعمل صالحا وأقلع عن ذنبه ، مستغفرا رب رحيم غفور ، وإن عظمت أو كثرت ذنوب العبد فإن الله يبشر بأن بابه لا ينغلق ويطمئنهم بعدم القنوط من رحمته فيقول :
( إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا * جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا ) مريم 60 ـ61
يقول ليطمئنهم(ومن يعمل سوءا أو يظلم نفيه ثم يستغفرالله يجد الله غفورارحيما) النساء 110
ويستحث سبحانه وتعالى عباده للمبادرة بالتوبه والعمل الصالح من قبل أن يأت يوم القيامة فيقول : ( ياأيها الناس أتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده . ولا مولود هو جاز عن والده شيئا . إن وعد الله حق . فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) لقمان 23
لكن ماذا عن المفرط في التوبة والإنابةإلي الله ...؟؟
يقول عنه سبحانه يصف حسرته يوم القيامة فيقول: ( أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله . وإن كنت لمن الساخرين ) الزمر56
فيقول الكافروالعاصي المصرعلي عصيانه وجهالته إنما عملي كان عملا ساخرا مستهزئا غير موقن وغير مصدق ، وتود النفس لو أعيدت إلي الدنيا لتحسن العمل فيها ، ولتمني أهل الجرائم العودةإلي الدنيا وتحسروا علي عدم الرضوخ إلي آيات الله .
فاحذر ... احذر عن المعصية عن جهالة ، فلا شك أن هناك فارق بين الجهل والعلم والوقوع في الخطيئة عن جهل بها وبضررها وبعقوبتها وبين الجهالة بالإصرار علي المعصية مع العلم بمساوئها وعدم ضبط النفس في الإقلاع عنها ،فالجهول سفيه لايقدرقيمة العمل الذييقوم به ويصر علي فعلهبحمق ، إرجع كي يعفوالحق عنك ، إرجع وأحذر طريق الأشواك والظلام فإن الحق سبحانة يقول : ( إنما التوبة علي الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب .فأولئك يتوب الله عليهم . وكان الله عليما حكيما * وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتي إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الأن . ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما *) النساء 17 ـ18
إنه الرحمن الذي ألزم نفسه أن يعفو عن من يعلم أنه مسئ ثم يتوب فيتوب الله عليه ، ولكن ليست التوبة لمن جاءه الموت ويقول إني تبت الأن ، كما قال فرعون حين أشرف علي الموت .
وأحذر من أن تكون ممن قال فيهم الله: ( ومن كان في هذه أعمي فهو في الأخرة أعمي وأضل سبيلا ) الإسراء 72
انظر معي أخا الإسلام .. إن الله قد أخبرنا أن من صفاته أنه العليم الحكيم ، وقد سبق علمه حكمته ، وهذا مما يسكن الطمأنينة بالقلوب التائبة المنيبة إلي الله ، فهو يعلم خبايا النفوس وهو السميع البصير بأمور عباده ، هو الذي قال عن نفسه : ( إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شئ عليما ) الأحزاب 54
ونتيجة لعلمه كانت حكمته وكان يعفو عن كثير ، وكان يقبل التوبة عن عباده الذين علم عن طبيعة ضعف النفس البشرية ، وعن عداوة الشيطان لها ، وعن أهوائها وغرائزها
فقال : ( يوم نقول لجهنم هل امتلأتوتقول هل من مزيد ) .
وقال : ( وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد ) .
وقال : ( هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ ) .
هذا هو الوعيد والوعد من الرحمن .. إن جهنم لمن أصر علي المعصية إنها تطلب المزيد من العصاة الذين لم يسعدهم الحظ بنفس لوامة منيبة إلي الله ، لمن تكبر وتجبر ، لمن أبي الإنقياد إلي الحق .
لأن .. ( ـــــــــ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ــــــــــ ) الرعد 11
لمن لم يكن له نصيب من سعادة النفس ، وتحقيق الذات في قدرتها علي النجاه من غضب الله ، وجمح شهواتها والإمساك برباطة جأشها عن الإنزلاق مع الأهواء .
ولكن الذين استطاعوا أن يقولوا لرغباتهم ونفوسهم ..لا.. هؤلاء الأمنون من الفزع الأكبر يوم القيامة،الأمنون عند سؤال القبر ، المزحزحون عن النار ( لايمسهم السوء ) يوم القيامة ( ولا هم يحزنون ) .
عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :"إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي،إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتي يبعثك الله عزوجل إليه يوم القيامة " .رواه البخاري ومسلم"
ويخبر تعالي عن الملائكة المقربين من حملة العرش ومن حولهم بأنهم يسبحون
بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا من أهل الأرض الذين آمنوا بالغيب وأطاعوا الله ،ويؤمنون علي دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب كما ثبت في صحيح مسلم ( إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك : آمين ولك بمثله ).
وهذا قوله تعالي :( ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما . فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ) غافر 8
أي أن رحمتك يا عظيم تتسع لخطايانا ، وعلمك يحيط بجميع أعمالنا ، وأقوالنا وأفعالنا ، فاغفر واصفح عن المذنبين المسيئن إذا تابوا وأقلعوا وأنابوا إلى الله عما كانوا يعملون واتبعوا ماأمرتهم به من فعل الخيرات وترك المنكرات ، وزحزحهم عن النار والعذاب الأليم ، واجمع بينهم وبين الصالحين من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم في منازل الجنة .
ولكن هؤلاء الذين كفروا والذين طغوا وظلموا تتحدث عنهم الآيات من سورة غافر"10 ـ14 " يخبر عنهم الجبار أنهم ينادون يوم القيامة وهم في غمرات النار تلفح وجوههم وجلودهم يتلظون فيها يستغيثون ، ويمقتون أنفسهم بسبب ما اكتسبوا فى الدنيا من أعمال سيئة وكانت سببا فى دخولهم النار ، فتناديهم الملائكة إن الله يمقتكم عندما قمتم بأعمالكم الساخرة أكثر مما أنتم تمقتون أنفسكم إذ عرض عليكم الإيمان فأنكرتم وكفرتم .
وتستمر دعوة الخالق فى سورة غافر للمؤمنين بالرجوع والنجاة من العقاب فيقول:
( فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ) غافر 14
فهى تعنى أن أخلصوا العمل لله وحده ،وأخلصوا العبادة والدعاء وخالفوا المشركين فى مذهبهم ومسلكهم .
كان عبد الله بن الزبير يقول فى نهاية كل صلاة ( لاإله إلا الله وحده لاشريك له ،له الملك وله الحمد ، وهو على كل شئ قدير ، لاحول ولا قوة إلا بالله ، لاإله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون )
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة .
وهذا الحديث القدسى يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول برواية أبى ذر رضى الله عنه < يا عبادى ، إنى حرمت الظلم على نفسى ، وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا > إلى أن قال < ياعبادى إنما هى أعمالكم أحصيها عليكم ، ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله تبارك وتعال ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه > رواه مسلم.
ويقول سبحانه محذرا ( إنما هذه الحياة الدنيا متاع ) .
( وإن الآخرة هى دار القرار) .
الدنيا دار متاع زائل ، قليل ، تذهب عن قريب ،والآخرة هى الدار التى لاتزول والنعيم المقيم ، لازوال لها ولا انقضاء وثواب لا انتقال منه .
ولنستمع ونقرأمعا ما كان للإمام ابن كثير فى الآية التاليه من تفسير لقوله تعالى : ( إن الذين يجادلون فى آيات الله بغير سلطان .إن فى صدورهم إلا كبر ماهم ببالغيه . فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير ) غافر 56
يقول الإمام رحمه الله :هؤلاء الذين يدفعون الحق بالباطل ،ويردون الحجج الصحيحة بالشبه الفاسدة بلا برهان ولا حجة من الله مافى صدورهم إلا كبر على إتباع الحق وإحتقار لمن جاء به وليس ما يرومونه من إخماد الحق وإعلاء الباطل بحاصل لهم ، بل الحق هو المرفوع وقولهم وقصدهم هو الموضوع ( فاستعذ بالله ) أى من حال مثل هؤلاء ( إنه هو السميع البصير ) أى من شر مثل هؤلاء المجادلين فى آيات الله بغير سلطان . وقال هذا تفسير ابن جرير
وهذا حقا مانجده من حال بعض العصاة من مدخنوا السجائر أو المرتشون أو أصحاب القروض الربوية أو الناظرين إلى ما حرم الله من محارم ، من جدال وإستبداع المسببات التى لا تشفى عقل ولا تذهب غل صدر من إصرار على المعصية ، عصاة يبررون لأنفسهم المعصية باستمرار للأخذ بها وعدم تركها ويودون لو قيل لهم أنكم على حق ، إنكم مهتدون ، ولو أنهم أخلصوا فى حب أنفسهم لوجدوا أنهم يميلون بالنفس لتهوى بهم فى مكان سحيق ولو أنهم أخلصوا العمل لله لنجوا بأنفسهممن عذاب أليم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت فى الصحيحين : " أعملوا وسددوا وقاربوا وأعلموا أن أحدا لن يدخله عمله الجنة " قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمة منه وفضل " رواه البخارى
وعن أبى سعيد وأبى هريرة رضى الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقال لأهل الجنة أن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا ، وأن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا ، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا ، وأن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا " رواه مسلم
وسبحانه وتعال يخبرنا عن فضله ورحمته بخلقه وعلمه بأحوالهم فيصف ذاته الجليلة بأنه هو الرحمن الرحيم ـــ الرحمن ـــ رحمة مطلقة لا منتهى لها ولا غنى لأى كائن عنها ، فهو صاحب الرحمة فى الدنيا والأخرة ويوم القيامة ، هو ـــ الرحيم ـــ بالخلائق فى الدنيا على جميع أنواعهم ومشكلاتهم ، والرحيم بالمؤمنين فقط يوم القيامة ، وعند قبض الأرواح .
تقول ملائكةالرحمة عند قبض روح العبد المؤمن < أيتها الروح الطيبة فى الجسد الطيب كنت تعمرينه ، اخرجى إلى روح وريحان ورب غير غضبان >
وقيل أن الروح هى الفرحة والراحة ـــ والريحان تعنى مستراحة ،وقيل إلى جنة ورخاء .
وقال الإمام بن كثير رحمه الله تعالى فى تفسيره لسورة الواقعة ( إن من مات مقربا حصل له جميع ذلك من الرحمة والراحة والإستراحة والفرح والسرور والرزق الحسن ) .
قال تعالى (فأما إن كان من المقربين* فروح وريحان وجنت نعيم*وأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك من أصحاب اليمين *وأما إن كان من المكذبين الضالين* فنزل من حميم*وتصلية جحيم*إن هذالهوحق اليقين*فسبح باسم ربك العظيم ) الواقعة 88 ـ 96
تلك ثلاثة أنواع من الناس عند الإحتضار ، هؤلاء المقرببون ممن سارعوا فى الخيرات تقربا لله وتوددا أملا فى رحمته وعطفه ، ورغبة فى جنته ، وهؤلاء أصحاب اليمين ممن أطاعوا الله وفعلوا الواجبات وتركوا المحرمات ، وأعاذنا الله من النوع الثالث وهم أصحاب الشمال المكذبين ،الضالين ،المضلين ، الذين أصروا على المعصية وانحدر بهم الهوى فى هاوية الضلال والإضلال ، والكافرين بأنعم الله .
فالنوع الأول... تبشرهم الملائكة بالفرح فى جنة النعيم وجنة الخلد ، والرحمة والراحة والإستراحة والسرور والرزق الحسن .
قال صلى الله عليه وسلم برواية كعب ابن مالك :" إنما نسمة المؤمن طائر يعلق فى شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه ". أخرجه أحمد
وأما النوع الثانى ... تبشرهم الملائكة بالسلام والسلامة وتخبرهم أنهم من أصحاب اليمين وأنهم من اوليائه فى الدنيا والآخرة .
وهذا النوع الثالث ... فإن الملائكة يضربونهم لينتزعوا أرواحهم الخبيثة من الجسد الخبيث ، ويتوعدونهم بالجحيم والحميم الذى تصهر به الجلود وما فى البطون .
قال سبحانه وتعالى : ( له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور ) .
فإليه المرجع يوم القيامة ، يحكم فى خلقه كيف يشاء ، وهو العادل الذى لا يجور ولا يظلم مثقال ذرة ، وإن هم أحد بحسنة جزاه بعشرة من أمثالها ، هو من نادى فى عباده ليجازيهم بأحسن الثواب فقال ( من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون ) البقرة 245
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه " رواه مسلم
وعنه أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لله أشد فرحا بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها " .
وعنه قال:عن النبىصلى عليه وسلمالله أنه قال:" قال الله عزوجل سبقت رحمتى غضبى " رواه مسلم
وقال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ، ولو يعلم الكافر ماعند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد " رواه مسلم
وأعلم أن اللــــه هــو
(الحسيب) الكافى لعباده ، المحاسب لهم على كل صغيرة وكبيرة
وهو ( الودود ) الذى يغمر المؤمن بوده ويعطر قلبه بحبه ويجذبه إلى ساحة قربه ويفتح بنوره له آفاقا من التدبر وآفاقا من الرحمة فقد أوجب موالاة أوليائه وحبهم ، وحرم معاداتهم وبغضهم ، وأعلن الحرب على من عاداهم ، فقال :( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الحمن ودا ) مريم 96
وهو ( الكريم ) الذى جمع كل معانى البر فى أسمى معانيها .
وهو ( الأكرم ) صاحب الكرم المطلق الذى يعطى بغير حساب .
وهو( المجيب ) الذى يجيب الدعاء .
وهو ( العفو ) الذى يغفر الزلات ويصفح عن من أناب إليه .
وهو ( الغفار ) كثير المغفرة .
وهو ( الستار ) للعيوب والنواقص المتجاوز عن السيئات ، الذى يبدلها بالحسنات
وهو ( العليم ) الذى يعلم خبايا الأنفس وأحاط بكل شئ علما .
وهو ( الواسع ) واسع الفضل ، وواسع الرحمة ، وواسع الرزق ، وواسع العلم ، وواسع الغفران .
واحذر من أن تكون كالذين قال فيهم تعالى : ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أوأشد قسوة .وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار . وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء . وإن منها لما يهبط من خشية الله . وما الله بغافل عما تعملون ) البقرة 74
احذر أن تنعم برحمة الله ومغفرته ثم تعود لما كنت عليه
احذر من أن يقسوا قلبك وتسخر من المعصية وتستصغرها وتصر عليها ،
احذر من اليأس من رحمة الله فيحنوا قلبكعلى الشيطان وتستسلم لأوامره .. ثم يأت الموت بغته ، ذلك الذى نفر منه فنلاقيه فى المسير ، أو على الفراش ، أو فى شربة ماء أو فى ضحكة من القلب ، أو فى كلمة ، فلا يعلم الغيب إلا العليم القدير ويقول : ( ذلك ما كنت منه تحيد ) ق 19
ماذا تقول غدا وقد أصررت ، ماذا تقول غدا وقد استضعفت ، ماذا تقول غدا وقد ضيعت ، انتظرت إقتراب اللقاء وقد أتاك بغته ، ماذا تقول غدا وقد سخرت ، ماذا تقول غدا وقد عصبت على عيناك فلم تعد ترى غير المعصية ، وصممت أذناك فلم تعد تسمع إلا الضلال والمضلين ، ماذا تقول إذا سئلت عما فعلت ، وعن عمرك فيما أفنيت؟؟
تساؤلات وتساؤلات ... هل لنا من توبة ؟
سألها نادمون .. سألها خائفون .. سألها هاربون .
فأما النادمون فبشراهم بالندم والعودة والإنابة إلى الله .
وأما الخائفون فسعداهم، فهذا طريق الرجوع والخلاص .
أما الهاربون ... فهؤلاء الذين يبررون لأنفسهم أن لا توبة ولا مغفرة ويبرر لهم الشيطان أعمالهم ، هاربون إلى الشيطان ليحقق لهم أسبابا موهمة ليستمروا على الضلالة ، هاربون من أنفسهم إلى الشيطان .
قال لهم الرحمن عودوا فإنى أنا الغفور الرحيم ، ولكنهم يغمضون أعينهم ويصمون آذانهم حتى لا يعودوا ، أستحوذ عليهم الشيطانفأمتعهم بالمعصية وآيسهم من رحمة الله ونسوا قوله تعالى : ( إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون ) يوسف 87
وإنه لا يقنط من رحمة الله إلا الظالمون .
ولا تكن كالذين قال فيهم الرحمن : ( فإنك لا تسمع المتى . ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولو مدبرين * وما أنت بهادالعمى عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ) الروم 52 ـ53
وهذه دعوة الله للذين يتخبطون بين إغراء المعصية واستحبابها وبين الخوف من عقاب الله والرجاء ، ولكنهم ضعفاء النفس لا يستطيعون التغلب على هواها .
يقول لهم عز وجل : ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق . ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد . فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون * أعلموا أن الله يحى الأرض بعد موتها. قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون)الحديد 16 ـ17
يقول لهم أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله وتلين عند سماع الذكر والموعظة والقرآن فتتفهمه ، وتنقاد له وتسمع له وتطيعه ، ولا يكونوا مثل أهل الكتاب الذين جاءهم الذكر من ربهم فقست قلوبهم وانقادوا لأهوائهم ، وغيروا وحرفوا كلمات الله بما يتفق ورغباتهم ، وصارت قلوبهم قاسية لا يخشون الله ولا تلين قلوبهم وعقولهم لطاعة الله وترك الأعمال التى ينهاهم عنها .
ثم يبشرهم سبحانه بأنه قادر على إحياءالقلوب الميتة بعد قسوتها ، وتفريج كروباتها بعد شدتها ، قادر، على معافاة النفوس بعد مرضها،تماما مثل ماأنه قادر على إحياء الأرض بعد موتها ، فهو من قائل سبحانه :) الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور. والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات . أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) البقرة 257
وفى النهاية لا يسعنا إلا أن نتذكرقول د . أحمد البراء الأميرى فى كتابه ( دروس نفسية للنجاح والتفوق ) " إن سبب شقاء كثير من الناس هو عدم وجود أهداف يسعون إلى تحقيقها وقد تكون لهم أهداف ،ولكنها ليست نبيلة أو سامية ، ولذلك فإنهم لا يشعرون بالسعادة فى تحقيقها ، أما الذى يحقق السعادة فهو الهدف النبيل والغاية السامية ، إن الأهداف العظيمة تتيح للفرد أن يتجاوز العقبات التى تعترض طريقه ويستطيع من خلال ذلك أن ينتج فى وقت قصير ما ينتجه غيره فى وقت كبير جدا .
فالمرء بلا هدف إنسان ضائع ، فهل نتصور قائد طائرة يقلع ، وليس عنده مكان يريد الوصول إليه ، ولا خارطة توصله إلى ذلك المكان ؟
ربما ينفد وقوده ، وتهوى طائرته ، وهو يفكر إلى أين يذهب ، وأين المخطط الذى يوصله إلى وجهته " .
أبدأ أخى المسلم صفحة جديدة مع الله .. تصالح مع نفسك ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر لأن الله غفور رحيم .. فسبحانه من قائل عن نفسه < أنا أولى بعبدى من أمه