مــــرحــــــباَ بـــأحـبـــاب الله مــعــاَ

في طريق الجنة


الأحد، 26 ديسمبر 2010

الحجرات

تفسير سورة الحجرات



نحن هنا بصدد سورة الأدب مع رسول الله والمعاملات الطيبة بين الناس


الآيات 1


( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدى الله ورسوله ، واتقوا الله ، إن الله سميع عليم*)


يأمر الله الناس بأن لا يفعلون ولا يتكلمون مع الرسول فى حضرته ولكن يكونوا له تبعا


وإذا كان ذلك فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فالقرآن لكل زمان ومكان ، وهو الآن يأمرنا بأن نسمع ونتعلم كلام الرسول الذى لا ينطق عن الهوى ولكنه وحى من الله ثم نطبق ما أمرنا به ونتبعه، وهذا من تقوى الله السميع لأقوالنا العليم بضائرنا ونفوسنا


الآيات 2 ، 3
( يا أيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون * إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ، لهم مغفرة وأجر عظيم )


ارتفعت أصوات عمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق عندما اختلفا فى اختيار من يكون أميرا على بنى تميم ، فنزلت الآية تحذر من ارتفاع الصوت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كنوع من احترام رسول الله الذى هو من الأدب مع الله ورسوله


وهذا أيضا من الأدب مع الله ورسوله عند مناقشاتنا فى أمور ديننا أن تكون هناك لين وهدوء وتعرف على التفسير الصحيح لإتباعه


فإن هذا قد يعرض الإنسان لأن يحبط عمله وهو لا يشعر


والذين يخضعون لأمر الله ورسوله هؤلاء الذين اختبر الله قلوبهم لطاعته وطاعة رسوله لهم المغفرة والرحمة والجزاء الحسن العظيم


الآيات 4، 5


( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون * ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم ، والله غفور رحيم )


الحجرات : بيوت نساء النبى صلى الله عليه وسلم


ينهى الله المسلمين عن النداء على رسول الله ليخرج إليهم ويأمرهم بالصبر حتى يخرج هو وذلك من باب الأدب مع رسول الله وإحترام عورات بيوته


وهذا بالمثل لنا فى معاملاتنا


الأيات ( 6 ـ 8 )


( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين * واعلموا أن فيكم رسول الله ، لو يطيعكم فى كثير من الأمر لعنتم ، ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه فى قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ، أولئك هم الراشدون * فضلا من الله ونعمة ، والله عليم حكيم )


يأمر سبحانه بتثبت الحقيقة فى ما يأت به الفاسق من أخبار حتى لا يختلط الأمر وقد نهى عن اتباع طريق المفسدين


ثم يقول أن من بين يديكم هو رسول الله فلابد من توقيره والتأدب معه فى المعاملة وانقادوا له فهو أعلم بمصالحكم وأشفق عليكم منكم ولو أطاعكم فى كل ما تريدونه لأدى ذلك للمشقة لكم


( عنتم ) العنت هو التعب والضرر والمشقة


والله قد حبب الإيمان إلى نفوسكم وكرهكم فى الشر والطغيان والكفر والمعاصى


ومن يتصف بتلك الصفات هم الذين آتاهم الله رشدهم


وهذا فضل من الله عليكم ونعمة منه


والله أعلم بمن يستحق الهداية ومن يستحق الغواية حكيم فى أقواله وأفعاله




الآيات 9 ، 10


( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله ، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا ، إن الله يحب المقسطين * إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ، واتقوا الله لعلكم ترحمون )


ويقول سبحانه وتعالى إذا كان هناك مجموعتان من المؤمنين واعتدى بعضهما على بعض واقتتلا فيجب على مجموع المسلمين أن يصلحوا بينهما


وإذا ( بغت ) طغت إحداهما على الأخرى فيجب قتال الباغية حتى ترجع ( تفئ ) إلى أمر الله ورسوله


فإذا عادت وتراجعت فيجب الإصلاح بينهما والعدل بينهما لأن الله يحب العدل ( القسط )


وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " ـ ونصر الظالم هو منعه من الظلم


ويوضح سبحانه أن المؤمنون مهما حدث بينهما فهم أخوة ويجب الإصلاح بينهما


الآية 11


( ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون )


وهنا يمنعنا الله من السخرية بعضنا البعض


فربما يكون من نسخر منه أفضل منا نساء أو رجالا


ويمنعنا من أن يلمز بعضنا بعضا واللمز هو الإحتقار بالإشارة أو القول للشخص ويقال همز عن الفعل ولمز عن القول


وينهانا عن التنابز بالألقاب أى نداء الشخص باسم أو صفة يكرهها


ويقول بئس الاسم ( الصفة ) الفسوق بعد الإيمان والمقصود التنابز بالألقاب


ومعناها من السوء التنابز بالألقاب بعد أن دخلتم فى الإيمان


والظالمون هم المصرون على المعصية ولم يتوبوا


الآية 12


( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ، ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ، واتقوا الله إن الله تواب رحيم )


وينهى الله عباده عن السوء من الظن لأن بعض هذا الظن يكون خطأ والبعد عنه أفضل مخافة الإساءة للناس بسوء فهم


كما يحذر من الغيبة والتجسس وشبه من يفعل ذلك بمن يأكل من لحم أخيه ميتا والجميع بالطبع يكره ذلك


وقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى الغيبة فقال " ذكرك أخاك بما يكره "


وقال يصف لنا ما رآه يوم الإسراء والمعراج فقال " لما عرج بى مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم ، قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون فى أعراضهم " .


ومن تاب ورجع فالله تواب رحيم


الآية 13


( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، إن الله عليم خبير )


ثم يخبر الله الناس أنه خلقهم من نفس واحدة وجعل منهم الذكر والأنثى ( آدم وحواء )


ثم جعلهم قبائل و شعوبا ولكن الفضل بينهم هو تقوى الله وطاعته وليس بالأنساب فهم يرجعون إلى أصل واحد


والله يعلم أموركم ويفضل من يشاء


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم "


الآيات 14 ـ 18


( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم ، وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم * إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله ، أولئك هم الصادقون * )


عندما دخل الأعراب الإسلام ادعوا لأنفسهم الإيمان ولكنه لم يتمكن من قلوبهم ، وهم ليسوا بمنافقين ولكن لم يستحكم من قلوبهم فعاتبهم الله فى ذلك


وهذا أيضا يوجه لنا الآن إذ أن كل مسلم لم يتبع الطريق السليم فى تنفيذ تعاليم دينه فهو مسلم وليس كامل الإيمان وله مراجعة نفسه


فهنا الله يقول لهؤلاء الأعراب أنتم مسلمون ولستم بمؤمنين وعليكم اتباع الله ورسوله حتى لا ينقصكم ( يلتكم ) من أجور أعمالكم


فالمؤمنون هم الذين يؤمنون بالله ورسوله ولم يشكوا فى فى تصديقهم به وبذلوا أموالهم وأنفسهم فى سبيل الله وطاعته


( قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما فى السموات وما فى الأرض والله بكل شئ عليم * يمنون عليك أن أسلموا ، قل لا تمنوا علىّ إسلامكم ، بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين * إن الله يعلم غيب السموات والأرض ، والله بصير بما تعملون )


ولا يحق تعريف الله بالإيمان بالكلمة الظاهرة كهؤلاء الأعراب ولكن بالعمل فالله لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء


ويعيب الله على الأعراب أن كانوا يمنون على الرسول بإيمانهم فلله المنة وحده والحمد