تفسير سورة القمر
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات 1 ـ 5
( اقتربت الساعة وانشق القمر * وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر * وكذبوا واتبعوا أهواءهم ، وكل أمر مستقر * ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر * حكمة بالغة فما تغن النذر )
يخبر سبحانه وتعالى عن اقتراب الساعة ( القيامة ) وانقضاء الدنيا
فقد قال فى سور أخرى : ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه )
وقال : ( اقترب للناس حسابهم وهم فى غفلة معرضون )
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة هكذا "
وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى
( وانشق القمر ) : سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم معجزة ، فأراهم القمر شقين ابتعدوا عن بعضهما ثم التحما ، ثم سألوا قافلة بعد عودتها من الصحراء عن أمر غريب فى رحلتهم فقالوا أنهم رأوا القمر شقين ثم التحما
واليوم يرى ذلك علماء الفضاء عند التقاط صورا للقمر
( وإن يروا آية ) : إذا رأوا دليل وحجة
( يعرضوا ) يتركونها وراء ظهورهم
( ويقولوا سحر مستمر ) : ما شاهدناه هو السحر الذى يذهب سريعا ولا يدوم
( وكذبوا واتبعوا أهواءهم ) : كذبوا بالحق واتبعوا آراءهم وسخافات عقولهم
( وكل أمر مستقر ) : الأحوال كما هى ، فالخير واقع بأهله والشر واقع بأهله
( ولقد جاءهم من الأنباء ) : جاءتهم أخبار الأقوام السابقة وكيف عوقبوا بكفرهم
( ما فيه مزدجر ) : ما فيه نهى بعنف عن الشرك والتكذيب
( حكمة بالغة ) : حكمة عظيمة فى هداية الله لأهل الهدى وإضلال أهل الضلال
( فما تغن النذر ) : فلا تنفع الإنذارات ، فمن يهديه بعد الله ؟
الآيات 6 ـ 8
( فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شئ نكر * خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر * مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر )
يقول الله : أعرض عنهم يا محمد وانتظرهم إلى شئ منكر فظيع وهو عقابهم يوم الحساب
ذليلة أبصارهم يخرجون من الأرض يسرعون كإنتشار الجراد
مسرعين لا يتأخرون ويقول الكافرون هذا يوم صعب شديد
الآيات ( 9 ـ 17 )
( كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر * فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر * ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر * وحملناه على ذات ألواح ودسر * تجرى بأعيننا جزاء لمن كان كفر * ولقد تركناها آية فهل من مدكر * فكيف كان عذابى ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )
ويضرب الله الأمثال بالأقوام السابقة ليطمئن قلب عبده ورسوله فيقول : يا محمد لقد كان من قبل قومك أقوام مثل قوم نوح الذين كذبوه واتهموه بالجنون الذى يطير العقل والصواب ، وتوعدوه وزجروه
ففتح الله عليهم أبواب السماء وأسقط عليهم ماء المطر الغزير ( منهمر )
وتفجرت ينابيع الماء من الأرض واجتمع ماء السماء وماء الأرض لأحداث شئ قد قدره الله وهو إغراقهم جميعا ، ونجى رسوله ومن معه فى سفينة أمره ببنائها من ألواح الخشب والمسامير ( دسر )
تسرى السفينة برعاية الله وحمايته وحفظه
وأغرق الكفار وهذا جزاء الكافرين
وبقيت سفينة نوح علامة وآية ومعجزة للأمم
وهذا كان عذاب الله للكافرين والمكذبين ويا له من عذاب أليم
ولقد سهلنا القرآن ويسرنا معناه لمن أراد أن يتذكر من الناس
الآيات 18 ـ 22
( كذبت عاد فكيف كان عذابى ونذر * إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا فى يوم نحس مستمر * تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر * فكيف كان عذابى ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )
وهؤلاء قوم عاد ونبيهم هود الذين كذبوا رسولهم فأرسل الله عليهم ( ريحا صرصرا ) باردة شديدة البرودة فى يوم نحس عليهم مستمر فى نحسه
فهذه الريح كانت تحمل الناس وترفعهم لأعلى ثم تقلبهم على رؤسهم فتقطع رؤسهم ويصبحوا جثة بدون رأس كالنخل المقطوع ولم يبق إلا جزعه
وهذا عقاب الله لهم
عظة لمن يتعظ
الآيات 23 ـ 32
( كذبت ثمود بالنذر * فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفى ضلال وسعر * أءلقى الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر * سيعلمون غدا من الكذاب الأشر * إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر * ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر * فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر * فكيف كان عذابى ونذر * إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )
سخرية ، واستهزاء ، واستعلاء وكبرياء مدمر لصاحبه ، تعجب من أمر الوحى ، كيف يلقى الذكر والنبوة والرسالة على واحدغير هذه النفوس المريضة التى تتكبر على الداعية وتخشى اتباعه حتى لا يكون له الإيثار عليهم .
يعلمون الحق بدليل اشتراطهم عليه بأن يأت النبى بالآيات ليستدلوا بها على صدقه ، فبأت بها بإذن الله .
تشددوا فى اشتراطهم وطلبوا خروج ناقة ضخمة عظيمة من بين الصخور فأخرجها الله لهم ، ولكن العتو والكبر والحسد فى نفوس تبغض أن يتفضل النبى من الله خالقه عليهم ، فدمروا أنفسهم.
كان اشتراطهم فى خروج الناقة أن أخرجها الله لهم عشراء ضخمة وعلى الصفة التى طلبوها ، ولكنهم جحدوا بها عندما رأوا أن وجودها فى ضررهم ، فالماء أصبح قسمة بينهم وبينها، وبالرغم من أنهم كانوا يشربون لبنها ، وتأتي يوما تشرب ماء البئر فيرفعون احتياجهم من الماء ، ولكنهم لم يصبروا ، دبروا وخططوا
فنادوا صاحبهم وهو قدار بن سالف أشقى قومه الذى حسر الناقة ( تعاطى ) وعقر عرقوبها فسقطت
ثم ذبحوها بالرغم من تحذير نبيهم لهم من ذبحها ، فآتاهم العذاب ، والعذاب الذى استعجلوه لأنفسهم ، فقد قالوا لنبيهم قل لربك أن ينزل بنا العذاب إن كنت من المرسلين .
قال تعالى : ( وقالوا ياصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ) الأعراف77
فقال لهم صالح بم أخبرنا به تعالى : ( قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة ) ــــ ( لولاتستغفرون الله لعلكم ترحمون ) ـــ توبوا إلى الله وإرجعوا عن شرككم وآذاكملبعضكم البعض وللمؤمنين ، ولكن دون جدوى من دعائه ومناجاته .
قال تعالى : ( فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين )
وحاولوا قتل صالحا ، ومن تبعه من المؤمنين ، فكان عقاب الحسدوالكبر والاستعلاء ( فأخذتهم الرجفة فأصبحوا فى دارهم جاثمين ) الأعراف 78
وقال تعالى : ( وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا فى ديارهم جاثمين . كأن لم يغنوا فيها ألا أن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود ) هود 67 ــ 68
قال تعالى : ( فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين * فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن فى ذلك لآية لقوم يعلمون ) النمل 51 ـ52
وجاء العذاب ......
قتلوا الناقة يوم الأربعاء ، فأنذرهم بثلاثة أيام ، فأصبحت ثمود يوم الخميس وجوههم مصفرة ، وفى يوم الجمعة وجوههم محمرة ، ويوم السبت الثالث وجوههم مسودة ، ويوم الأحد تحنطوا وقعدوا ينتظرون العذاب من الله ، فجاءت صيحة من السماء ورجفة شديدة ففاضت أرواحهم وزهقت أنفسهم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم برواية عن جابر : " لا تسألوا الآيات ــ دلائل الحق ــ فقد سألها قوم صالح فكانت ــ الناقة ــ ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها وكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما ، فعقروها ، فأخذتهم صيحة أهمد الله بها من تحت أديم السماء ــ ما أظلهم من السماء ــ منهم إلا رجلا كان فى حرم الله "
وقالوا : من هو يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " هو أبو رغال ، فلما خرج من الحرم ، أصابه ما أصاب قومه " رواه أحمد .
وكان عذاب الله لمن يتخذ الموعظة ويعتبر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الآيات 33 ـ 40
( كذبت قوم لوط بالنذر * إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر * نعمة من عندنا ، كذلك نجزى من شكر * ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر * ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابى ونذر * ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر * فذوقوا عذابى ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )
ويخبر عن قوم لوط وهو ابن عم إبراهيم عليه السلام
كذبه قومه وأتوا الفاحشة
أرسل الله عليهم ريحا تحمل الحصباء والحجارة ، ونجى لوطا وأهله فى السحر ( آخر الليل ) إلا امرأته فكان مصيبها مثل ما أصاب قومها
وكذلك ينجى الله المؤمنين الشاكرين لأنعم الله
أما قومه فقد أنذرهم الله العذاب الأليم ، ولكنهم لم يستجيبوا
( ولقد راودوه عن ضيفه ) : ذات ليلة جاء إلى لوط الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل فى صورة شبان حسنة المنظر ، فاستضافهم لوط
فأرسلت إمرأته إلى قومها لتخبرهم عن وجودهم
فأقبلوا يريدون بهم الفاحشة والسوء
وكان لوطا يمنعهم ويدفعهم وينكر عليهم ما يريدون ولكنهم أصروا
فخرج جبريل وضرب أعينهم بطرف جناحه ، فغارت أعينهم فى وجوههم ، وخرج القوم يتوعدونه بالأذى فى الصباح
فأرسل الله عليهم العذاب الأليم وأنقذ لوطا وأهله إلا امرأته
حمل جبريل مدائنهم إلى عنان السماء بما عليها من إنس وجان ودواب وزروع وأبنية ثم قلبها عليهم ُم أرسل عليهم ريحا تحمل الحصباء والحجارة فأبادهم جميعا
( ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر ) : عذاب فى الصباح التالى لا محيد لهم عنه ولا انفكاك منه
الآيات 41 ـ 46
( ولقد جاء آل فرعون النذر * كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر * أكفاركم خير من أولآئكم أم لكم براءة فى الزبر * أم يقولون نحن جميع منتصر * سيهزم الجمع ويولون الدبر * بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر )
أكفاركم : أى كفار قريش
أولائكم : الكفار فى الأقوام القدامى
براءة : عفو من العذاب
الزبر : الزابور وهو كتب داود ـ أى من الله
جميع منتصر : ينصر بعضهم البعض
سيهزم الجمع : يتفرق الجمع
ويولون الدبر : يغلبون وييتراجعوا
وهذا فرعون الذى كذب هو وقومه بموسى عليه السلام فأغرقهم الله فى البحر ونجى موسى ومن اتبعوه
ثم يقول سبحانه لقريش : هل كفار قريش أفضل من هؤلاء الكفار الذين أهلكهم
أم معهم براءة من الله بأن لا ينالهم عذاب
أم يعتقدون أنهم سينصر بعضهم بعضا
سيتفرق الجمع ويغلبون
ويوم القيامة ذو الأهوال هو موعدهم للعذاب الأليم
الآيات 47 ـ 55
( إن المجرمين فى ضلال وسعر * يوم يسحبون فى النار على وجوههم ذوقوا مس سقر * إنا كل شئ خلقناه بقدر * وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر * ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر * وكل شئ فعلوه فى الزبر * وكل صغير وكبير مستطر * إن المتقين فى جنات ونهر * فى مقعد صدق عند مليك مقتدر *)
يخبر سبحانه وتعالى عن حال الكفار المجرمين يوم القيامة ، فهم فى الدنيا فى ضلال وحريق مما يعانون من شكوك ، ويوم القيامة يسحبون فى نار جهنم على وجوههم
ويقال لهم ذوقوا عذاب الحريق
فكل شئ قدره الله تقديرا وخلقه بقدر معلوم
( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ) : ومشيئة الله نافذة على خلقه
( اشياعكم ) : أمثالكم
ولقد أهلكنا أمثالكم من المجرمين المكذبين
( فهل من مدكر ) : فهل من متعظ
وكل شئ فعلوه مكتوب فى كتاب عند الله تكتبه الملائكة
( مستطر ) : مكتوب فى سطور وصحائف
وكل كبير وصغير مسجل عليهم
أما المتقين فهم فى جنات النعيم
( مقعد صدق ) : دار الكرامة ورضوان الله واحسانه
( مليك مقتدر ) : عند الملك العظيم القادر على كل شئ
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات 1 ـ 5
( اقتربت الساعة وانشق القمر * وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر * وكذبوا واتبعوا أهواءهم ، وكل أمر مستقر * ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر * حكمة بالغة فما تغن النذر )
يخبر سبحانه وتعالى عن اقتراب الساعة ( القيامة ) وانقضاء الدنيا
فقد قال فى سور أخرى : ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه )
وقال : ( اقترب للناس حسابهم وهم فى غفلة معرضون )
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة هكذا "
وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى
( وانشق القمر ) : سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم معجزة ، فأراهم القمر شقين ابتعدوا عن بعضهما ثم التحما ، ثم سألوا قافلة بعد عودتها من الصحراء عن أمر غريب فى رحلتهم فقالوا أنهم رأوا القمر شقين ثم التحما
واليوم يرى ذلك علماء الفضاء عند التقاط صورا للقمر
( وإن يروا آية ) : إذا رأوا دليل وحجة
( يعرضوا ) يتركونها وراء ظهورهم
( ويقولوا سحر مستمر ) : ما شاهدناه هو السحر الذى يذهب سريعا ولا يدوم
( وكذبوا واتبعوا أهواءهم ) : كذبوا بالحق واتبعوا آراءهم وسخافات عقولهم
( وكل أمر مستقر ) : الأحوال كما هى ، فالخير واقع بأهله والشر واقع بأهله
( ولقد جاءهم من الأنباء ) : جاءتهم أخبار الأقوام السابقة وكيف عوقبوا بكفرهم
( ما فيه مزدجر ) : ما فيه نهى بعنف عن الشرك والتكذيب
( حكمة بالغة ) : حكمة عظيمة فى هداية الله لأهل الهدى وإضلال أهل الضلال
( فما تغن النذر ) : فلا تنفع الإنذارات ، فمن يهديه بعد الله ؟
الآيات 6 ـ 8
( فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شئ نكر * خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر * مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر )
يقول الله : أعرض عنهم يا محمد وانتظرهم إلى شئ منكر فظيع وهو عقابهم يوم الحساب
ذليلة أبصارهم يخرجون من الأرض يسرعون كإنتشار الجراد
مسرعين لا يتأخرون ويقول الكافرون هذا يوم صعب شديد
الآيات ( 9 ـ 17 )
( كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر * فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر * ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر * وحملناه على ذات ألواح ودسر * تجرى بأعيننا جزاء لمن كان كفر * ولقد تركناها آية فهل من مدكر * فكيف كان عذابى ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )
ويضرب الله الأمثال بالأقوام السابقة ليطمئن قلب عبده ورسوله فيقول : يا محمد لقد كان من قبل قومك أقوام مثل قوم نوح الذين كذبوه واتهموه بالجنون الذى يطير العقل والصواب ، وتوعدوه وزجروه
ففتح الله عليهم أبواب السماء وأسقط عليهم ماء المطر الغزير ( منهمر )
وتفجرت ينابيع الماء من الأرض واجتمع ماء السماء وماء الأرض لأحداث شئ قد قدره الله وهو إغراقهم جميعا ، ونجى رسوله ومن معه فى سفينة أمره ببنائها من ألواح الخشب والمسامير ( دسر )
تسرى السفينة برعاية الله وحمايته وحفظه
وأغرق الكفار وهذا جزاء الكافرين
وبقيت سفينة نوح علامة وآية ومعجزة للأمم
وهذا كان عذاب الله للكافرين والمكذبين ويا له من عذاب أليم
ولقد سهلنا القرآن ويسرنا معناه لمن أراد أن يتذكر من الناس
الآيات 18 ـ 22
( كذبت عاد فكيف كان عذابى ونذر * إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا فى يوم نحس مستمر * تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر * فكيف كان عذابى ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )
وهؤلاء قوم عاد ونبيهم هود الذين كذبوا رسولهم فأرسل الله عليهم ( ريحا صرصرا ) باردة شديدة البرودة فى يوم نحس عليهم مستمر فى نحسه
فهذه الريح كانت تحمل الناس وترفعهم لأعلى ثم تقلبهم على رؤسهم فتقطع رؤسهم ويصبحوا جثة بدون رأس كالنخل المقطوع ولم يبق إلا جزعه
وهذا عقاب الله لهم
عظة لمن يتعظ
الآيات 23 ـ 32
( كذبت ثمود بالنذر * فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفى ضلال وسعر * أءلقى الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر * سيعلمون غدا من الكذاب الأشر * إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر * ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر * فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر * فكيف كان عذابى ونذر * إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )
سخرية ، واستهزاء ، واستعلاء وكبرياء مدمر لصاحبه ، تعجب من أمر الوحى ، كيف يلقى الذكر والنبوة والرسالة على واحدغير هذه النفوس المريضة التى تتكبر على الداعية وتخشى اتباعه حتى لا يكون له الإيثار عليهم .
يعلمون الحق بدليل اشتراطهم عليه بأن يأت النبى بالآيات ليستدلوا بها على صدقه ، فبأت بها بإذن الله .
تشددوا فى اشتراطهم وطلبوا خروج ناقة ضخمة عظيمة من بين الصخور فأخرجها الله لهم ، ولكن العتو والكبر والحسد فى نفوس تبغض أن يتفضل النبى من الله خالقه عليهم ، فدمروا أنفسهم.
كان اشتراطهم فى خروج الناقة أن أخرجها الله لهم عشراء ضخمة وعلى الصفة التى طلبوها ، ولكنهم جحدوا بها عندما رأوا أن وجودها فى ضررهم ، فالماء أصبح قسمة بينهم وبينها، وبالرغم من أنهم كانوا يشربون لبنها ، وتأتي يوما تشرب ماء البئر فيرفعون احتياجهم من الماء ، ولكنهم لم يصبروا ، دبروا وخططوا
فنادوا صاحبهم وهو قدار بن سالف أشقى قومه الذى حسر الناقة ( تعاطى ) وعقر عرقوبها فسقطت
ثم ذبحوها بالرغم من تحذير نبيهم لهم من ذبحها ، فآتاهم العذاب ، والعذاب الذى استعجلوه لأنفسهم ، فقد قالوا لنبيهم قل لربك أن ينزل بنا العذاب إن كنت من المرسلين .
قال تعالى : ( وقالوا ياصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ) الأعراف77
فقال لهم صالح بم أخبرنا به تعالى : ( قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة ) ــــ ( لولاتستغفرون الله لعلكم ترحمون ) ـــ توبوا إلى الله وإرجعوا عن شرككم وآذاكملبعضكم البعض وللمؤمنين ، ولكن دون جدوى من دعائه ومناجاته .
قال تعالى : ( فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين )
وحاولوا قتل صالحا ، ومن تبعه من المؤمنين ، فكان عقاب الحسدوالكبر والاستعلاء ( فأخذتهم الرجفة فأصبحوا فى دارهم جاثمين ) الأعراف 78
وقال تعالى : ( وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا فى ديارهم جاثمين . كأن لم يغنوا فيها ألا أن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود ) هود 67 ــ 68
قال تعالى : ( فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين * فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن فى ذلك لآية لقوم يعلمون ) النمل 51 ـ52
وجاء العذاب ......
قتلوا الناقة يوم الأربعاء ، فأنذرهم بثلاثة أيام ، فأصبحت ثمود يوم الخميس وجوههم مصفرة ، وفى يوم الجمعة وجوههم محمرة ، ويوم السبت الثالث وجوههم مسودة ، ويوم الأحد تحنطوا وقعدوا ينتظرون العذاب من الله ، فجاءت صيحة من السماء ورجفة شديدة ففاضت أرواحهم وزهقت أنفسهم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم برواية عن جابر : " لا تسألوا الآيات ــ دلائل الحق ــ فقد سألها قوم صالح فكانت ــ الناقة ــ ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها وكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما ، فعقروها ، فأخذتهم صيحة أهمد الله بها من تحت أديم السماء ــ ما أظلهم من السماء ــ منهم إلا رجلا كان فى حرم الله "
وقالوا : من هو يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " هو أبو رغال ، فلما خرج من الحرم ، أصابه ما أصاب قومه " رواه أحمد .
وكان عذاب الله لمن يتخذ الموعظة ويعتبر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الآيات 33 ـ 40
( كذبت قوم لوط بالنذر * إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر * نعمة من عندنا ، كذلك نجزى من شكر * ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر * ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابى ونذر * ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر * فذوقوا عذابى ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )
ويخبر عن قوم لوط وهو ابن عم إبراهيم عليه السلام
كذبه قومه وأتوا الفاحشة
أرسل الله عليهم ريحا تحمل الحصباء والحجارة ، ونجى لوطا وأهله فى السحر ( آخر الليل ) إلا امرأته فكان مصيبها مثل ما أصاب قومها
وكذلك ينجى الله المؤمنين الشاكرين لأنعم الله
أما قومه فقد أنذرهم الله العذاب الأليم ، ولكنهم لم يستجيبوا
( ولقد راودوه عن ضيفه ) : ذات ليلة جاء إلى لوط الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل فى صورة شبان حسنة المنظر ، فاستضافهم لوط
فأرسلت إمرأته إلى قومها لتخبرهم عن وجودهم
فأقبلوا يريدون بهم الفاحشة والسوء
وكان لوطا يمنعهم ويدفعهم وينكر عليهم ما يريدون ولكنهم أصروا
فخرج جبريل وضرب أعينهم بطرف جناحه ، فغارت أعينهم فى وجوههم ، وخرج القوم يتوعدونه بالأذى فى الصباح
فأرسل الله عليهم العذاب الأليم وأنقذ لوطا وأهله إلا امرأته
حمل جبريل مدائنهم إلى عنان السماء بما عليها من إنس وجان ودواب وزروع وأبنية ثم قلبها عليهم ُم أرسل عليهم ريحا تحمل الحصباء والحجارة فأبادهم جميعا
( ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر ) : عذاب فى الصباح التالى لا محيد لهم عنه ولا انفكاك منه
الآيات 41 ـ 46
( ولقد جاء آل فرعون النذر * كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر * أكفاركم خير من أولآئكم أم لكم براءة فى الزبر * أم يقولون نحن جميع منتصر * سيهزم الجمع ويولون الدبر * بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر )
أكفاركم : أى كفار قريش
أولائكم : الكفار فى الأقوام القدامى
براءة : عفو من العذاب
الزبر : الزابور وهو كتب داود ـ أى من الله
جميع منتصر : ينصر بعضهم البعض
سيهزم الجمع : يتفرق الجمع
ويولون الدبر : يغلبون وييتراجعوا
وهذا فرعون الذى كذب هو وقومه بموسى عليه السلام فأغرقهم الله فى البحر ونجى موسى ومن اتبعوه
ثم يقول سبحانه لقريش : هل كفار قريش أفضل من هؤلاء الكفار الذين أهلكهم
أم معهم براءة من الله بأن لا ينالهم عذاب
أم يعتقدون أنهم سينصر بعضهم بعضا
سيتفرق الجمع ويغلبون
ويوم القيامة ذو الأهوال هو موعدهم للعذاب الأليم
الآيات 47 ـ 55
( إن المجرمين فى ضلال وسعر * يوم يسحبون فى النار على وجوههم ذوقوا مس سقر * إنا كل شئ خلقناه بقدر * وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر * ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر * وكل شئ فعلوه فى الزبر * وكل صغير وكبير مستطر * إن المتقين فى جنات ونهر * فى مقعد صدق عند مليك مقتدر *)
يخبر سبحانه وتعالى عن حال الكفار المجرمين يوم القيامة ، فهم فى الدنيا فى ضلال وحريق مما يعانون من شكوك ، ويوم القيامة يسحبون فى نار جهنم على وجوههم
ويقال لهم ذوقوا عذاب الحريق
فكل شئ قدره الله تقديرا وخلقه بقدر معلوم
( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ) : ومشيئة الله نافذة على خلقه
( اشياعكم ) : أمثالكم
ولقد أهلكنا أمثالكم من المجرمين المكذبين
( فهل من مدكر ) : فهل من متعظ
وكل شئ فعلوه مكتوب فى كتاب عند الله تكتبه الملائكة
( مستطر ) : مكتوب فى سطور وصحائف
وكل كبير وصغير مسجل عليهم
أما المتقين فهم فى جنات النعيم
( مقعد صدق ) : دار الكرامة ورضوان الله واحسانه
( مليك مقتدر ) : عند الملك العظيم القادر على كل شئ