تفسير سورة الحج
بسم اللـــه الرحمن الرحيــــم
الآيات 1 ـ 2
( يا أيها الناس اتقوا ربكم ، إن زلزلة الساعة شئ عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد )
نداء وتحذير للناس أجمعين الإنس والجن من الله العزيز الحكيم : احذروا فإن القيامة شئ مهول
ومن شدة أهوال يوم القيامة تدهش كل مرضعة عن من أرضعت وهو أشد مايكون لديها من حبيب وأشفق ما تكون عليه
ويسقط حمل كل من حملت من الخوف والهول
وتذهل العقول وتغيب الأذهان فتصبح كالسكارى بدون خمر
ولكن هذا من مهابة وخوف عذاب الله
الآيات 3 ـ 4
( ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد * كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير )
وبعض الناس يكذب بالقيامة والبعث من بعد الموت وهو فى ذلك يتبع الشيطان المتمرد المعاند لله بغير علم من الله
يتبع شيطان كتب عليه الله أنه من تولاه واتبعه فهو يضله عن سبيل الله فى الدنيا ، ويؤدى به إلى عذاب النار فى الآخرة
الآيات 5 ـ 7
( يا أيها الناس إن كنتم فى ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ، ونقر فى الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ، ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ، وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج * ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحى الموتى وأنه على كل شئ قدير * وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من فى القبور )
ذكر الله المنكرون للبعث ، ثم يوضح هنا الدلائل على قدرته على إعادة الخلق وبعثهم من بعد الموت يوم القيامة فيقول جل وعلا للناس :
إذا كنتم فى شك من البعث وهو قيام الأرواح والأجساد يوم القيامة ، فانظروا ، لقد خلق الله آدم من التراب
ـ ثم جعل نسله من ماء الرجل والمرأة إذا تقابل فيصبح نطفة ( وهى خلية المشيج بعد أن تندمج خليتى البويضة مع الحيوان المنوى )
ـ ثم من علقة ( وهى بعد بدء انقسام الخلية إلى اثنين والأثنين إلى أربعة لتصبح كتلة دم تتعلق فى جدار الرحم وتكون مضغة بقدر ما يمضغ )
ـ ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة ( وهى تستقر فى الرحم قد تستمر فى التخلق وقد تسقط من قبل تخلقها وتحولها إلى خلايا جسم واضحة تتنوع إلى أنسجة وأجهزة وعظام ولحم )
ـ ويستقر بأمر الله فى الرحم إما ذكر وإما أنثى كما يشاء الله
ـ ثم يخرجه الله من الرحم طفلا
ـ ثم يقوى ويصير شابا معافا
ـ ومن الناس من يموت طفلا أو شابا أو يظل حتى يهرم أو يصبح شيخا لا يعلم من ضعف بنيته وعقله شئ بعد أن كان يعلم كل شئ
ـ وهذا دليل آخر : انظر للأرض الجافة الميتة الهامدة لا ينبت بها زرع ، إذا أنزل الله عليها ماء المطر فإنها تتحرك وتهتز بالنبات وتحيا بعد موتها وترتفع بألوان الزروع والثمار مختلف الأشكال والألوان والروائح والطعوم من كل ماهو حسن المنظر طيب الرائحة
فالله الذى أحياها قادر على إحياء الموتى وهو قادر على كل شئ .
فلا شك فى أن الساعة آتية وأن الله يحيى الموتى من القبور .
الآيات 8 ـ 10
( ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير * ثانى عطفه ليضل عن سبيل الله ، له فى الدنيا خزى ، ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق * ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد )
ومن الناس من هم جهلاء ، يجادلون بجهل فيدعون إلى الضلالة والكفر والبدع بلا عقل ولا كتاب يهدى للحق وإنما عن إرادتهم وأهواءهم
ثانى عطفه : مستكبر عن الحق لاوى رقبته معرضا عن ما يدعى إليه من الحق فيضل طريق الله معاندا .
هذا له الخزى والذل والإهانة فى الدنيا ويوم القيامة يلقى عذاب الجحيم .
ويقال له هذا نتيجة ما قدمت لنفسك بيدك من عمل ظالم وأنت الذى ظلمت نفسك ولم يظلمك الله .
الآيات 11 ـ 13
( ومن الناس من يعبد الله على حرف ، فإن أصابه خير اطمأن به ، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين * يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ، ذلك هو الضلال البعيد * يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه ، لبئس المولى ولبئس العشير )
من الناس يؤمن بالله وهو فى شك منه
فإذا أصابه خير فرح واطمأنت نفسه
وإن أصابه شر فإنه يرتد كافرا
فيخسر دنياه وآخرته
وهذا هو الخسران الواضح الحقيقى .
ويستعين بغير الله ويدعو أصناما أو طواغيت من دون الله ويستغيث بها وهى لا تضره ولا تنفعه ويضل عن طريق الحق وليس بعد ذلك ضلالا.
ويدعو لما يضره فى الدنيا قبل الآخرة ويترك ما ينفعه
فبئس ما دعى من دون الله وبئس وليا وناصرا وبئس مخالط ومعاشر .
الآيات 14 ـ 16
( إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار ، إن الله يفعل ما يريد * من كان يظن أن لن ينصره الله فى الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ * وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدى من يريد )
أما الذين آمنوا وأصلحوا عملهم مخافة من الله ورغبة فى عطاءه وحسن جزاءه فيدخلهم الله جنات ملؤها أنهار الخير وما تشتهى أنفسهم ، والله قادر على أن يفعل كل ما أراد وشاء .
من كان يظن أن لن ينصره الله : من كان يظن أن الله لن ينصر نبيه ورسوله محمد فى الدنيا والآخرة
وينصر كتابه والمؤمنين فليمد حبل إلى السماء أو فى سقف بيته ويعلق رقبته ثم يقطع الحبل ليختنق به ويقتل نفسه ، لعل ذلك يذهب غيظه
فالله ناصر محمد لا محالة وأنزل القرآن واضحا فى ألفاظه ويهدى بحكمته من يريد ولا يسئل عما يفعل .
الآية 17
( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ، إن الله على كل شئ شهيد )
يخبر الله عن أهل الأديان المختلفة من المؤمنين ومن اليهود ومن النصارى ومن الصابئين ( أى الخارجين على دينهم منهم من عبدة الكواكب ودخلوا الإسلام ) ، ومن المجوس وهم عبدة النيران والمشركين الذين عبدوا مع الله شيئا آخر ، فإن الله يحكم بينهم يوم القيامة بالعدل
فيدخل من كفر النار ويدخل من آمن الجنة فهو سبحانه يشهد عليهم جميعا ويعلم أفعالهم وقلوبهم وحفيظ على ما يسرون وما يعلنون .
الآية 18
( ألم تر أن الله يسجد له من فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ، وكثير حق عليه العذاب ، ومن يهن الله فما له من مكرم ، إن الله يفعل ما يشاء )
إن الله يسجد له جميع الخلق فى السموات والأرض
من الملائكة والإنس والجن والحيوانات
والشمس والقمر والنجوم التى يعبدها بعضا من الناس فهى أيضا تسجد لله
والجبال والشجر والدواب جميعا تسجد له طوعا أو كرها
وكثير من الناس يسجدون لله ، وكثير من الناس يشركون بالله فحق عليهم عذاب الله فى الدنيا والآخرة
ومن يذله الله فلا معز له ولا يكرمه أحد
والله يفعل ما يريد .
الآيات 19 ـ 22
( هذان خصمان اختصموا فى ربهم ، فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءؤسهم الحميم * يصهر به ما فى بطونهم والجلود * ولهم مقامع من حديد * كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق )
نزلت الآيات فى حمزة وصاحبيه ــ وعتبة وصاحبيه يوم بدر
وقيل الآيات فى مجموعات المؤمنين ، ومجموع الكافرين يوم بدر
فهم خصمان اختصموا فى الإيمان بالله
فمجموع الكافرين فصلت لهم ثياب من النار مقطعات ، ويصب فوق رؤسهم الماء شديد الحرارة يصهر به جلودهم وأمعاءهم ويضربون بمقامع من الحديد فتقع أعضاءهم
وكلما طمعوا فى أن يخرجهم الله مما بهم من هم وعذاب ، فيعيدهم فيه ثانيا ويقال لهم ذوقوا عذاب الجحيم
وهكذا يهانوا بالقول والفعل كما فعلوا بالمؤمنين فى الدنيا .
الآيات 23 ، 24
( إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ، ولباسهم فيها حرير * وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد )
وأما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسله وعملوا عملا صالحا ، فيدخلهم الله جنات تجرى في أنحائها أنهار الماء العذب والشراب الطاهر وبها الأشجار والقصور ويلبسون من الحلى من الذهب واللؤلؤ وتفصل لهم ثياب من الحرير الإستبرق اللامع والسندس الحرير الخالص
وهدوا إلى المكان الذى يسمعون فيه من طيب الكلام وتحيتهم هى السلام من الملائكة وهدوا إلى مكان يحمدون فيه الله ويسبحونه على ما أنعم عليهم من طيبات .
الآية 25
( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذى جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ، ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم )
يمنع الكفار المؤمنين من دخول المسجد الحرام وقد جعله الله شرعا سواء
العاكف المقيم فيه أو الباد بعيد الدار عنه
ومن يفعل فيه من المعاصى عامدا الظلم والشرك فيه فإن الله يذيقه من العذاب الشديد المؤلم
الآيات 26 ـ 29
( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لاتشرك بى شيئا وطهر بيتى للطائفين والقائمين والركع السجود * وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ، فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير * ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق )
ويوبخ الله مشركى مكة إذ أن هذا المكان منذ أول يوم فيه قائم على عبادة الله الواحد لا شريك له
ففى هذا المكان بوأنا أرشد الله لإبراهيم عليه السلام إلى مكان البيت وأمره ببناءه وتطهيره من الشرك للناس ليطوفوا به ويعبدون الله الواحد ويقيموا عنده ويصلون لله عنده ، وأمره أن ينادى فى الناس للحج ليأتون ماشيين على الأقدام رجالاوركبانا على كل ضامرليأتون من كل طريق فج بعيد عميق
وذلك ليجدوا فضل الله ومنافع فى الدنيا بالتجارة والذبائح ومنافع الآخرة وهى رضوان الله
ويأمرهم بذكر الله كثيرا عند البيت فى الأيام العشر الأوائل من ذى الحجة ويتصدقوا بالذبائح ويطعموا الفقراءويؤدوا ما عليهم من نذور ويطوفوا بالبيت ، وهى أعمال الحج .
ثم ليقضوا تفثهم : الإحلال من الإحرام من حلق الرأس ولبس الثياب وقص الأظافر
فكيف لهم هؤلاء المشركين يعبدون غير الله عنده .
الآيات 30 ، 31
( ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ، وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم ، فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور * حنفاء لله غير مشركين به ، ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح فى مكان سحيق )
ذلك : وهذا ما فرضنا عليكم من مناسك الحج وجزاء من تمسك بها
ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه : ومن تكن حرمات الله كبيرة فى نفسه فله خير الجزاء
وأحلت لكم الأنعام : أحل الله لكم جميع الأنعام وما جعل سائبة ولا حام ولا وصيلة ولا غيرها مما حرم المشركين على أنفسهم
إلا ما يتلى عليكم : إلا ما عرض عليكم من تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذكر عليه غير اسم الله
فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور : ابتعدوا عن الأوثان وقول الزور على الله بتحريم ما لم يحرم .
حنفاء لله غير مشركين به : فأخلصوا العبادة لله مائلين عن الشرك قاصدين الحق .
ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير : ومن أشرك بالله فكأنما سقط من السماء فتخطفته الطيور تمزق جسده
أو تهوى به الريح فى مكان سحيق : أو تطير به الرياح فيسقط فى مكان بعيد مهلك .
الآيات 32 ،33
( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب * لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق )
ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب : وبعد أن علمتم مناسك الحج والهدى والبدن ، فإن من يعظم أوامر الله فى شعائر الحج استحسانا وتمسكا بها وتأدية لها فهذه هى التقوى والخشية من الله
لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق : فالهدى والبدن لكم فيها منافع من لبنها وأصوافها وأوبارها وركوبها ، ثم تنتهى إلى البيت العتيق وهو الكعبة
الهدى: الإهداء بأنعام إلى البيت الحرام فتعظيمه من تعظيم الشعائر
القلائد : تعليقها فى أعناقها لتتميز عن باقى الأنعام ليعلم أنها هدى إلى الكعبة ولا يتعدى عليها أحد بسوء
البدن : الأنعام تسمن لتكون أضحية
الآيات 34 ـ 35
( ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ، فإلاهكم إله واحد فله أسلموا ، وبشر المخبتين * الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمى الصلاة ومما رزقناهم ينفقون )
ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام : ولكل أمة جعل الله لها فى شريعتها ذبح على اسم الله شكرا لله على ما رزقهم من أنعام
فإلاهكم إله واحد: لأن الله واحد لجميع الأمم مهما اختلفت الأنبياء والرسل فهى من عند إله واحد وعلى شريعة واحدة
فله أسلموا ، وبشر المخبتين : فأسلموا لله الدين مخلصين لله وبشرى بالجزاء الحسن للمطمئنين المتواضعين الراضين بقضاء الله
الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم : فالمخبتين هم الذين عند ذكر الله يخافونه ويخشونه
والصابرين على ما أصابهم : وهم الصابرين على المصائب والإبتلاءات
والمقيمى الصلاة : وهم الذين يتحول خوفهم إلى إقامة الصلاة فى مواعيدها وبمناسكها كما علمهم الله
ومما رزقناهم ينفقون : وهم الذين ينفقون مما رزقهم الله على أهليهم وأنفسهم حلالا طيبا ويعطون الفقراء والمحتاجين .
الآية 36
( والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير ، فاذكروا اسم الله عليها صواف ، فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ، كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون )
ومن فضل الله أن جعل البدن (البدن : الأنعام تسمن لتكون أضحية ) من أفضل ما يهدى إلى البيت الحرام من البعير ، وهى للمؤمنين خير فى الآخرة وثواب عظيم .
فاذكروا اسم الله عليها عند ذبحها وهى قائمة على قوائمها الثلاث ممسكون باليد اليسرى لها ( صواف )
فإذا وجبت جنوبها : فإذا وقعت على الأرض بعد ذبحها فكلوا منها وأطعموا القانع وهو المستغنى وهو فى بيته والمعتر وهو الذى يتعرض لك ويطلب منك أن تعطيه .
وهذا من فضل الله أن ذللها لكم تركبوها وتأكلوا لحمها وتشربوا لبنها لعلكم تشكرون الله .
الأية 37
( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ، كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم ، وبشر المحسنين )
شرع الله لكم النحر لهذه الضحايا لتذكروه عند ذبحها ولكن لن يناله شئ من لحومها أو دماؤها إنما هى لتتقوه وتكبروا الله وتشكروه على ما هداكم لدينه
وبشر يا محمد الذين أحسنوا عملهم المتبعين شرائع الله بحسن الجزاء والثواب .
الآيات 38 ـ 40
( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ، إن الله لا يحب كل خوان كفور * أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ، وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ، ولينصرن الله من ينصره ، إن الله لقوى عزيز )
يخبر سبحانه بأنه يدافع عن المؤمنين وينصرهم على عدوهم من الفجار لأنه يحب المؤمنين ولا يحب الخائنين الفجار .
عندما أخرج النبى من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون ، ليهلكن
فأنزل الله هذه الآية يطمئن نبيه والمؤمنين بأن الله قادر على نصر المؤمنين ونصر نبيه وقد قدر الله ذلك ليشرع القتال والجهاد وذلك لحين أن يكثر المؤمنين لأن عدد المشركين بمكة كان أكثر عددا من المؤمنين . ثم أذن الله للرسول والمؤمنين لما قويت شمائلهم واستقروا بالمدينة بأن يقاتلوا المشركين .
ويقول الذين آمنوا وأخرجوا من ديارهم ولم يكن لهم ذنب سوى أن قالوا ربنا الله وعبدوه وحده وتركوا الشرك به ينصرهم الله على أعدائهم وأذن لهم بقتالهم
ولولا أن الله يدفع شر أناس بآخرين لفسدت الأرض ولهلكت الأقوام الضعيفة وهدمت صوامع الرهبان وبيع النصارى وصلوات ( كنائس ) اليهود ومساجد المسلمين التى يذكر فيها اسم الله كثيرا
ويبشر الله المؤمنين بأنه ناصرهم على أهل الشرك فهو قوى عزيز لا يقهر ولا يغالب .
الآية 41
( الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، ولله عاقبة الأمور )
ينصر الله المؤمنين الذين إذا أنعم عليهم بالتمكين لهم فى الأرض شكروا الله فأقاموا الصلاة وأعطوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن ما نهى الله عنه
والأمور كلها ترجع إلى الله .
الآيات 42 ـ 46
( وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود * وقوم إبراهيم وقوم لوط * وأصحاب مدين ، وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم ، فكيف كان نكير * فكأين من قرية أهلكناها وهى ظالمة فهى خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد * أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور )
فلا عليك يا محمد ، فإن كان هؤلاء يكذبونك فقد كذبت رسل من قبلك مثل نوح وكذبت عاد قوم هود وكذبوا صالح نبى قوم ثمود
كما كذب إبراهيم ولوط وشعيب كذبهم قومهم
كما كذب موسى
فأنظرت هؤلاء الأقوام وتركتهم حتى أنكرت عليهم ما فعلوا فأخذتهم وأهلكتهم فكيف كان انكارى وعذابى لهم
فكم من قرية أهلكتها وهى مكذبة لرسلها قد خربت منازلها فأصبحت خاوية على سقوفها معطلة كالبئر التى لا يستفاد من ماءها أو كالقصر العالى الفارغ الذى لم ينفع صاحبه
ألم يسيروا فى الأرض فتكون لهم آذان يسمعون بها أو عقول يفهمون بها ليعتبروا من هؤلاء
فليس العمى عمى الأبصار ولكن عمى قلوبهم التى فى صدورهم وعمى بصيرتهم .
الآيات 47 ـ ، 48
( ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده ، وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون * وكأين من قرية أمليت لها وهى ظالمة ثم أخذتها وإلىّ المصير )
يستعجل الكفار العذاب ويقولون يا محمد إن كنت صادقا فاءتنا بما تعدنا من العذاب وذلك لجهلهم
قل لهم لن يخلف الله وعده مهما أجل وأخر لكم ، فيوم واحد من أيام الله بمقدار ألف سنة مما تحسبون ، ويوم القيامة آت لا محالة
فكثير من القرى فعلت مثلكم وتركت لها الفرص والتأجيل لعلهم يتراجعون ولكن لما أخذتهم كان الهلاك لهم وما بقيت لهم من باقية .
الآيات 49 ـ 51
( قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين * فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم * والذين سعوا فى آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم )
فقل لهم يا محمد تستعجلون العذاب ، فما أنا إلا نذير لكم وبشير للمؤمنين فمن آمن وصلح عمله فله جنات بها نعيم مقيم ومغفرة من الله
ومن كفر فله جهنم خالدا فيها وبئس المصير .
الآية 52
( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته ، والله عليم حكيم )
أخرج الطبري : عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس انهما قالا : جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ناد من أندية قريش ، كثير أهله ، فتمنى يومئذ أن لا يأتيه من الله شئ فينفروا عنه ، فأنزل الله عزوجل : ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ) ، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغ : ( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى )
ألقى الشيطان عليه كلمتين : ( تلك الغرانيق العلى ، وان شفاعتهن لترجى ) .
فتكلم بهما ، ثم مضى فقرأ السورة كلها ، فسجد في آخر السورة وسجد القوم معه جميعا ، ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته فسجد عليه ، وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود ، فرضوا بما تكلم به وقالوا : قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ، وهو الذي يخلق ويرزق ، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده ، فإذا جعلت لها نصيبا فنحن معك . قالا : فلما أمسى أتاه جبرائيل عليه السلام فعرض عليه السورة ، فلهم بلغ الكلمتين اللتين القى الشيطان عليه قال : ما جئتك بهاتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : افتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل ، فأوحى الله إليه : ( وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ - إلى قوله - : ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ) الإسراء : 73 - 75 .
فما زال مغموما مهموما حتى نزلت عليه : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )
قال : فسمع من كان بأرض الحبشة من المهاجرين أن أهل مكة قد أسلموا كلهم ، فرجعوا إلى عشائرهم وقالوا : هم أحب إلينا ، فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقى الشيطان .
والمعنى : يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم مسليا له أن من أرسلنا من رسل من قبلك كان يحدث ذلك معهم بأن يلقى عليه الشيطان مثل ما ألقى عليك ثم ينسخ الله أمنية الشيطان وتبقى كلمة الحق
فلا تحزن
الآيات 53 ، 54
( ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين فى قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفى شقاق بعيد * وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم ، وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم )
وذلك يحدث ليجعل الله ما يمليه الشيطان فتنة واختبارا لمن فى قلوبهم شك ومرض وقلوبهم قاسية وتجد الظالمين فى فرقة وضلال وعناد بعيد
ولكى يعلم المؤمنون بالله ورسوله أن ما أوحينا إليك إنما هو من الله وهو الحق الذى أنزله بحفظه ورعايته ولا يختلط بغيره ، وأنه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل ويصدقوه وينقادوا إليه .
والله يهدى المؤمنين إلى الطريق الحق الذى لا عوج فيه .
الآيات 55 ـ 57
( ولا يزال الذين كفروا فى مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم * الملك يومئذ لله يحكم بينهم ، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات فى جنات النعيم * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين )
لا يزال الكافرين فى شك من القرآن ومما ألقى الشيطان فى نفوسهم حتى يوم القيامة أو يأتيهم الهزيمة والقتل يوم بدر فهو يوم عقيم لا نصر لهم فيه من عذاب الله .
فالملك لله فى هذا اليوم لله وحده ليحكم بين الكفار وبين من أسلموا
فالذين آمنت قلوبهم واتبعوا الله ورسوله وما أنزل إليهم لهم جنات ونعيم مقيم
أما من كفر وكذب بالله وآياته فله عذاب جهنم وعذاب النار تهان فيه كبرياءهم الذى منعهم عن التصديق .
بسم اللـــه الرحمن الرحيــــم
الآيات 1 ـ 2
( يا أيها الناس اتقوا ربكم ، إن زلزلة الساعة شئ عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد )
نداء وتحذير للناس أجمعين الإنس والجن من الله العزيز الحكيم : احذروا فإن القيامة شئ مهول
ومن شدة أهوال يوم القيامة تدهش كل مرضعة عن من أرضعت وهو أشد مايكون لديها من حبيب وأشفق ما تكون عليه
ويسقط حمل كل من حملت من الخوف والهول
وتذهل العقول وتغيب الأذهان فتصبح كالسكارى بدون خمر
ولكن هذا من مهابة وخوف عذاب الله
الآيات 3 ـ 4
( ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد * كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير )
وبعض الناس يكذب بالقيامة والبعث من بعد الموت وهو فى ذلك يتبع الشيطان المتمرد المعاند لله بغير علم من الله
يتبع شيطان كتب عليه الله أنه من تولاه واتبعه فهو يضله عن سبيل الله فى الدنيا ، ويؤدى به إلى عذاب النار فى الآخرة
الآيات 5 ـ 7
( يا أيها الناس إن كنتم فى ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ، ونقر فى الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ، ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ، وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج * ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحى الموتى وأنه على كل شئ قدير * وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من فى القبور )
ذكر الله المنكرون للبعث ، ثم يوضح هنا الدلائل على قدرته على إعادة الخلق وبعثهم من بعد الموت يوم القيامة فيقول جل وعلا للناس :
إذا كنتم فى شك من البعث وهو قيام الأرواح والأجساد يوم القيامة ، فانظروا ، لقد خلق الله آدم من التراب
ـ ثم جعل نسله من ماء الرجل والمرأة إذا تقابل فيصبح نطفة ( وهى خلية المشيج بعد أن تندمج خليتى البويضة مع الحيوان المنوى )
ـ ثم من علقة ( وهى بعد بدء انقسام الخلية إلى اثنين والأثنين إلى أربعة لتصبح كتلة دم تتعلق فى جدار الرحم وتكون مضغة بقدر ما يمضغ )
ـ ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة ( وهى تستقر فى الرحم قد تستمر فى التخلق وقد تسقط من قبل تخلقها وتحولها إلى خلايا جسم واضحة تتنوع إلى أنسجة وأجهزة وعظام ولحم )
ـ ويستقر بأمر الله فى الرحم إما ذكر وإما أنثى كما يشاء الله
ـ ثم يخرجه الله من الرحم طفلا
ـ ثم يقوى ويصير شابا معافا
ـ ومن الناس من يموت طفلا أو شابا أو يظل حتى يهرم أو يصبح شيخا لا يعلم من ضعف بنيته وعقله شئ بعد أن كان يعلم كل شئ
ـ وهذا دليل آخر : انظر للأرض الجافة الميتة الهامدة لا ينبت بها زرع ، إذا أنزل الله عليها ماء المطر فإنها تتحرك وتهتز بالنبات وتحيا بعد موتها وترتفع بألوان الزروع والثمار مختلف الأشكال والألوان والروائح والطعوم من كل ماهو حسن المنظر طيب الرائحة
فالله الذى أحياها قادر على إحياء الموتى وهو قادر على كل شئ .
فلا شك فى أن الساعة آتية وأن الله يحيى الموتى من القبور .
الآيات 8 ـ 10
( ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير * ثانى عطفه ليضل عن سبيل الله ، له فى الدنيا خزى ، ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق * ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد )
ومن الناس من هم جهلاء ، يجادلون بجهل فيدعون إلى الضلالة والكفر والبدع بلا عقل ولا كتاب يهدى للحق وإنما عن إرادتهم وأهواءهم
ثانى عطفه : مستكبر عن الحق لاوى رقبته معرضا عن ما يدعى إليه من الحق فيضل طريق الله معاندا .
هذا له الخزى والذل والإهانة فى الدنيا ويوم القيامة يلقى عذاب الجحيم .
ويقال له هذا نتيجة ما قدمت لنفسك بيدك من عمل ظالم وأنت الذى ظلمت نفسك ولم يظلمك الله .
الآيات 11 ـ 13
( ومن الناس من يعبد الله على حرف ، فإن أصابه خير اطمأن به ، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين * يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ، ذلك هو الضلال البعيد * يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه ، لبئس المولى ولبئس العشير )
من الناس يؤمن بالله وهو فى شك منه
فإذا أصابه خير فرح واطمأنت نفسه
وإن أصابه شر فإنه يرتد كافرا
فيخسر دنياه وآخرته
وهذا هو الخسران الواضح الحقيقى .
ويستعين بغير الله ويدعو أصناما أو طواغيت من دون الله ويستغيث بها وهى لا تضره ولا تنفعه ويضل عن طريق الحق وليس بعد ذلك ضلالا.
ويدعو لما يضره فى الدنيا قبل الآخرة ويترك ما ينفعه
فبئس ما دعى من دون الله وبئس وليا وناصرا وبئس مخالط ومعاشر .
الآيات 14 ـ 16
( إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار ، إن الله يفعل ما يريد * من كان يظن أن لن ينصره الله فى الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ * وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدى من يريد )
أما الذين آمنوا وأصلحوا عملهم مخافة من الله ورغبة فى عطاءه وحسن جزاءه فيدخلهم الله جنات ملؤها أنهار الخير وما تشتهى أنفسهم ، والله قادر على أن يفعل كل ما أراد وشاء .
من كان يظن أن لن ينصره الله : من كان يظن أن الله لن ينصر نبيه ورسوله محمد فى الدنيا والآخرة
وينصر كتابه والمؤمنين فليمد حبل إلى السماء أو فى سقف بيته ويعلق رقبته ثم يقطع الحبل ليختنق به ويقتل نفسه ، لعل ذلك يذهب غيظه
فالله ناصر محمد لا محالة وأنزل القرآن واضحا فى ألفاظه ويهدى بحكمته من يريد ولا يسئل عما يفعل .
الآية 17
( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ، إن الله على كل شئ شهيد )
يخبر الله عن أهل الأديان المختلفة من المؤمنين ومن اليهود ومن النصارى ومن الصابئين ( أى الخارجين على دينهم منهم من عبدة الكواكب ودخلوا الإسلام ) ، ومن المجوس وهم عبدة النيران والمشركين الذين عبدوا مع الله شيئا آخر ، فإن الله يحكم بينهم يوم القيامة بالعدل
فيدخل من كفر النار ويدخل من آمن الجنة فهو سبحانه يشهد عليهم جميعا ويعلم أفعالهم وقلوبهم وحفيظ على ما يسرون وما يعلنون .
الآية 18
( ألم تر أن الله يسجد له من فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ، وكثير حق عليه العذاب ، ومن يهن الله فما له من مكرم ، إن الله يفعل ما يشاء )
إن الله يسجد له جميع الخلق فى السموات والأرض
من الملائكة والإنس والجن والحيوانات
والشمس والقمر والنجوم التى يعبدها بعضا من الناس فهى أيضا تسجد لله
والجبال والشجر والدواب جميعا تسجد له طوعا أو كرها
وكثير من الناس يسجدون لله ، وكثير من الناس يشركون بالله فحق عليهم عذاب الله فى الدنيا والآخرة
ومن يذله الله فلا معز له ولا يكرمه أحد
والله يفعل ما يريد .
الآيات 19 ـ 22
( هذان خصمان اختصموا فى ربهم ، فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءؤسهم الحميم * يصهر به ما فى بطونهم والجلود * ولهم مقامع من حديد * كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق )
نزلت الآيات فى حمزة وصاحبيه ــ وعتبة وصاحبيه يوم بدر
وقيل الآيات فى مجموعات المؤمنين ، ومجموع الكافرين يوم بدر
فهم خصمان اختصموا فى الإيمان بالله
فمجموع الكافرين فصلت لهم ثياب من النار مقطعات ، ويصب فوق رؤسهم الماء شديد الحرارة يصهر به جلودهم وأمعاءهم ويضربون بمقامع من الحديد فتقع أعضاءهم
وكلما طمعوا فى أن يخرجهم الله مما بهم من هم وعذاب ، فيعيدهم فيه ثانيا ويقال لهم ذوقوا عذاب الجحيم
وهكذا يهانوا بالقول والفعل كما فعلوا بالمؤمنين فى الدنيا .
الآيات 23 ، 24
( إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ، ولباسهم فيها حرير * وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد )
وأما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسله وعملوا عملا صالحا ، فيدخلهم الله جنات تجرى في أنحائها أنهار الماء العذب والشراب الطاهر وبها الأشجار والقصور ويلبسون من الحلى من الذهب واللؤلؤ وتفصل لهم ثياب من الحرير الإستبرق اللامع والسندس الحرير الخالص
وهدوا إلى المكان الذى يسمعون فيه من طيب الكلام وتحيتهم هى السلام من الملائكة وهدوا إلى مكان يحمدون فيه الله ويسبحونه على ما أنعم عليهم من طيبات .
الآية 25
( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذى جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ، ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم )
يمنع الكفار المؤمنين من دخول المسجد الحرام وقد جعله الله شرعا سواء
العاكف المقيم فيه أو الباد بعيد الدار عنه
ومن يفعل فيه من المعاصى عامدا الظلم والشرك فيه فإن الله يذيقه من العذاب الشديد المؤلم
الآيات 26 ـ 29
( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لاتشرك بى شيئا وطهر بيتى للطائفين والقائمين والركع السجود * وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ، فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير * ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق )
ويوبخ الله مشركى مكة إذ أن هذا المكان منذ أول يوم فيه قائم على عبادة الله الواحد لا شريك له
ففى هذا المكان بوأنا أرشد الله لإبراهيم عليه السلام إلى مكان البيت وأمره ببناءه وتطهيره من الشرك للناس ليطوفوا به ويعبدون الله الواحد ويقيموا عنده ويصلون لله عنده ، وأمره أن ينادى فى الناس للحج ليأتون ماشيين على الأقدام رجالاوركبانا على كل ضامرليأتون من كل طريق فج بعيد عميق
وذلك ليجدوا فضل الله ومنافع فى الدنيا بالتجارة والذبائح ومنافع الآخرة وهى رضوان الله
ويأمرهم بذكر الله كثيرا عند البيت فى الأيام العشر الأوائل من ذى الحجة ويتصدقوا بالذبائح ويطعموا الفقراءويؤدوا ما عليهم من نذور ويطوفوا بالبيت ، وهى أعمال الحج .
ثم ليقضوا تفثهم : الإحلال من الإحرام من حلق الرأس ولبس الثياب وقص الأظافر
فكيف لهم هؤلاء المشركين يعبدون غير الله عنده .
الآيات 30 ، 31
( ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ، وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم ، فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور * حنفاء لله غير مشركين به ، ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح فى مكان سحيق )
ذلك : وهذا ما فرضنا عليكم من مناسك الحج وجزاء من تمسك بها
ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه : ومن تكن حرمات الله كبيرة فى نفسه فله خير الجزاء
وأحلت لكم الأنعام : أحل الله لكم جميع الأنعام وما جعل سائبة ولا حام ولا وصيلة ولا غيرها مما حرم المشركين على أنفسهم
إلا ما يتلى عليكم : إلا ما عرض عليكم من تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذكر عليه غير اسم الله
فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور : ابتعدوا عن الأوثان وقول الزور على الله بتحريم ما لم يحرم .
حنفاء لله غير مشركين به : فأخلصوا العبادة لله مائلين عن الشرك قاصدين الحق .
ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير : ومن أشرك بالله فكأنما سقط من السماء فتخطفته الطيور تمزق جسده
أو تهوى به الريح فى مكان سحيق : أو تطير به الرياح فيسقط فى مكان بعيد مهلك .
الآيات 32 ،33
( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب * لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق )
ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب : وبعد أن علمتم مناسك الحج والهدى والبدن ، فإن من يعظم أوامر الله فى شعائر الحج استحسانا وتمسكا بها وتأدية لها فهذه هى التقوى والخشية من الله
لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق : فالهدى والبدن لكم فيها منافع من لبنها وأصوافها وأوبارها وركوبها ، ثم تنتهى إلى البيت العتيق وهو الكعبة
الهدى: الإهداء بأنعام إلى البيت الحرام فتعظيمه من تعظيم الشعائر
القلائد : تعليقها فى أعناقها لتتميز عن باقى الأنعام ليعلم أنها هدى إلى الكعبة ولا يتعدى عليها أحد بسوء
البدن : الأنعام تسمن لتكون أضحية
الآيات 34 ـ 35
( ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ، فإلاهكم إله واحد فله أسلموا ، وبشر المخبتين * الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمى الصلاة ومما رزقناهم ينفقون )
ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام : ولكل أمة جعل الله لها فى شريعتها ذبح على اسم الله شكرا لله على ما رزقهم من أنعام
فإلاهكم إله واحد: لأن الله واحد لجميع الأمم مهما اختلفت الأنبياء والرسل فهى من عند إله واحد وعلى شريعة واحدة
فله أسلموا ، وبشر المخبتين : فأسلموا لله الدين مخلصين لله وبشرى بالجزاء الحسن للمطمئنين المتواضعين الراضين بقضاء الله
الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم : فالمخبتين هم الذين عند ذكر الله يخافونه ويخشونه
والصابرين على ما أصابهم : وهم الصابرين على المصائب والإبتلاءات
والمقيمى الصلاة : وهم الذين يتحول خوفهم إلى إقامة الصلاة فى مواعيدها وبمناسكها كما علمهم الله
ومما رزقناهم ينفقون : وهم الذين ينفقون مما رزقهم الله على أهليهم وأنفسهم حلالا طيبا ويعطون الفقراء والمحتاجين .
الآية 36
( والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير ، فاذكروا اسم الله عليها صواف ، فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ، كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون )
ومن فضل الله أن جعل البدن (البدن : الأنعام تسمن لتكون أضحية ) من أفضل ما يهدى إلى البيت الحرام من البعير ، وهى للمؤمنين خير فى الآخرة وثواب عظيم .
فاذكروا اسم الله عليها عند ذبحها وهى قائمة على قوائمها الثلاث ممسكون باليد اليسرى لها ( صواف )
فإذا وجبت جنوبها : فإذا وقعت على الأرض بعد ذبحها فكلوا منها وأطعموا القانع وهو المستغنى وهو فى بيته والمعتر وهو الذى يتعرض لك ويطلب منك أن تعطيه .
وهذا من فضل الله أن ذللها لكم تركبوها وتأكلوا لحمها وتشربوا لبنها لعلكم تشكرون الله .
الأية 37
( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ، كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم ، وبشر المحسنين )
شرع الله لكم النحر لهذه الضحايا لتذكروه عند ذبحها ولكن لن يناله شئ من لحومها أو دماؤها إنما هى لتتقوه وتكبروا الله وتشكروه على ما هداكم لدينه
وبشر يا محمد الذين أحسنوا عملهم المتبعين شرائع الله بحسن الجزاء والثواب .
الآيات 38 ـ 40
( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ، إن الله لا يحب كل خوان كفور * أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ، وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ، ولينصرن الله من ينصره ، إن الله لقوى عزيز )
يخبر سبحانه بأنه يدافع عن المؤمنين وينصرهم على عدوهم من الفجار لأنه يحب المؤمنين ولا يحب الخائنين الفجار .
عندما أخرج النبى من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون ، ليهلكن
فأنزل الله هذه الآية يطمئن نبيه والمؤمنين بأن الله قادر على نصر المؤمنين ونصر نبيه وقد قدر الله ذلك ليشرع القتال والجهاد وذلك لحين أن يكثر المؤمنين لأن عدد المشركين بمكة كان أكثر عددا من المؤمنين . ثم أذن الله للرسول والمؤمنين لما قويت شمائلهم واستقروا بالمدينة بأن يقاتلوا المشركين .
ويقول الذين آمنوا وأخرجوا من ديارهم ولم يكن لهم ذنب سوى أن قالوا ربنا الله وعبدوه وحده وتركوا الشرك به ينصرهم الله على أعدائهم وأذن لهم بقتالهم
ولولا أن الله يدفع شر أناس بآخرين لفسدت الأرض ولهلكت الأقوام الضعيفة وهدمت صوامع الرهبان وبيع النصارى وصلوات ( كنائس ) اليهود ومساجد المسلمين التى يذكر فيها اسم الله كثيرا
ويبشر الله المؤمنين بأنه ناصرهم على أهل الشرك فهو قوى عزيز لا يقهر ولا يغالب .
الآية 41
( الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، ولله عاقبة الأمور )
ينصر الله المؤمنين الذين إذا أنعم عليهم بالتمكين لهم فى الأرض شكروا الله فأقاموا الصلاة وأعطوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن ما نهى الله عنه
والأمور كلها ترجع إلى الله .
الآيات 42 ـ 46
( وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود * وقوم إبراهيم وقوم لوط * وأصحاب مدين ، وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم ، فكيف كان نكير * فكأين من قرية أهلكناها وهى ظالمة فهى خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد * أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور )
فلا عليك يا محمد ، فإن كان هؤلاء يكذبونك فقد كذبت رسل من قبلك مثل نوح وكذبت عاد قوم هود وكذبوا صالح نبى قوم ثمود
كما كذب إبراهيم ولوط وشعيب كذبهم قومهم
كما كذب موسى
فأنظرت هؤلاء الأقوام وتركتهم حتى أنكرت عليهم ما فعلوا فأخذتهم وأهلكتهم فكيف كان انكارى وعذابى لهم
فكم من قرية أهلكتها وهى مكذبة لرسلها قد خربت منازلها فأصبحت خاوية على سقوفها معطلة كالبئر التى لا يستفاد من ماءها أو كالقصر العالى الفارغ الذى لم ينفع صاحبه
ألم يسيروا فى الأرض فتكون لهم آذان يسمعون بها أو عقول يفهمون بها ليعتبروا من هؤلاء
فليس العمى عمى الأبصار ولكن عمى قلوبهم التى فى صدورهم وعمى بصيرتهم .
الآيات 47 ـ ، 48
( ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده ، وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون * وكأين من قرية أمليت لها وهى ظالمة ثم أخذتها وإلىّ المصير )
يستعجل الكفار العذاب ويقولون يا محمد إن كنت صادقا فاءتنا بما تعدنا من العذاب وذلك لجهلهم
قل لهم لن يخلف الله وعده مهما أجل وأخر لكم ، فيوم واحد من أيام الله بمقدار ألف سنة مما تحسبون ، ويوم القيامة آت لا محالة
فكثير من القرى فعلت مثلكم وتركت لها الفرص والتأجيل لعلهم يتراجعون ولكن لما أخذتهم كان الهلاك لهم وما بقيت لهم من باقية .
الآيات 49 ـ 51
( قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين * فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم * والذين سعوا فى آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم )
فقل لهم يا محمد تستعجلون العذاب ، فما أنا إلا نذير لكم وبشير للمؤمنين فمن آمن وصلح عمله فله جنات بها نعيم مقيم ومغفرة من الله
ومن كفر فله جهنم خالدا فيها وبئس المصير .
الآية 52
( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته ، والله عليم حكيم )
أخرج الطبري : عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس انهما قالا : جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ناد من أندية قريش ، كثير أهله ، فتمنى يومئذ أن لا يأتيه من الله شئ فينفروا عنه ، فأنزل الله عزوجل : ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ) ، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغ : ( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى )
ألقى الشيطان عليه كلمتين : ( تلك الغرانيق العلى ، وان شفاعتهن لترجى ) .
فتكلم بهما ، ثم مضى فقرأ السورة كلها ، فسجد في آخر السورة وسجد القوم معه جميعا ، ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته فسجد عليه ، وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود ، فرضوا بما تكلم به وقالوا : قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ، وهو الذي يخلق ويرزق ، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده ، فإذا جعلت لها نصيبا فنحن معك . قالا : فلما أمسى أتاه جبرائيل عليه السلام فعرض عليه السورة ، فلهم بلغ الكلمتين اللتين القى الشيطان عليه قال : ما جئتك بهاتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : افتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل ، فأوحى الله إليه : ( وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ - إلى قوله - : ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ) الإسراء : 73 - 75 .
فما زال مغموما مهموما حتى نزلت عليه : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )
قال : فسمع من كان بأرض الحبشة من المهاجرين أن أهل مكة قد أسلموا كلهم ، فرجعوا إلى عشائرهم وقالوا : هم أحب إلينا ، فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقى الشيطان .
والمعنى : يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم مسليا له أن من أرسلنا من رسل من قبلك كان يحدث ذلك معهم بأن يلقى عليه الشيطان مثل ما ألقى عليك ثم ينسخ الله أمنية الشيطان وتبقى كلمة الحق
فلا تحزن
الآيات 53 ، 54
( ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين فى قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفى شقاق بعيد * وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم ، وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم )
وذلك يحدث ليجعل الله ما يمليه الشيطان فتنة واختبارا لمن فى قلوبهم شك ومرض وقلوبهم قاسية وتجد الظالمين فى فرقة وضلال وعناد بعيد
ولكى يعلم المؤمنون بالله ورسوله أن ما أوحينا إليك إنما هو من الله وهو الحق الذى أنزله بحفظه ورعايته ولا يختلط بغيره ، وأنه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل ويصدقوه وينقادوا إليه .
والله يهدى المؤمنين إلى الطريق الحق الذى لا عوج فيه .
الآيات 55 ـ 57
( ولا يزال الذين كفروا فى مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم * الملك يومئذ لله يحكم بينهم ، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات فى جنات النعيم * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين )
لا يزال الكافرين فى شك من القرآن ومما ألقى الشيطان فى نفوسهم حتى يوم القيامة أو يأتيهم الهزيمة والقتل يوم بدر فهو يوم عقيم لا نصر لهم فيه من عذاب الله .
فالملك لله فى هذا اليوم لله وحده ليحكم بين الكفار وبين من أسلموا
فالذين آمنت قلوبهم واتبعوا الله ورسوله وما أنزل إليهم لهم جنات ونعيم مقيم
أما من كفر وكذب بالله وآياته فله عذاب جهنم وعذاب النار تهان فيه كبرياءهم الذى منعهم عن التصديق .