تفسير سورة التوبة
هذه السورة آخر ما نزل من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم تبدأ بالبسملة لأن الصحابة لم يكتبوا البسملة فى المصحف الإمام واقتدوا فى ذلك بأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه
نزلت لما رجع الرسول صلى اله عليه وسلم من غزوة تبوك وأراد أن يحج
وكان المشركين يحضرون هذا المسم ليطوفوا عراة بالبيت كعادتهم فكره الرسول صلى اله عليه وسلم مخالطتهم وأرسل أبا بكر أميرا على الحج هذا العام ليعلم الناس مناسك الحج وليأمر المشركين بأن لا يحجوا بعد عامهم هذا
وأن ينادى فى الناس بأن الله ورسوله يتبرأون من المشركين
ثم أرسل فى تبعته على بن أبى طالب رضى الله عنه ليكونوا عصبة معا .
الآيات 1 ـ 2
( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين * فسيحوا فى الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزى الله ، وأن الله مخزى الكافرين )
واعلموا أيها المشركين بأنكم لا تعجزون الله فى الأرض ، والله يخزى أعمالكم الضالة .
الآية 3
( وآذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ، ورسوله ، فإن تبتم فهو خير لكم ، وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزى الله ، وبشر الذين كفروا بعذاب أليم )
وآذان : وإنذار من الله ومن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الناس يوم الحج الأكبر يوم النحر الذى هو أفضل أيام الحج ومناسكه وأكبرها جميعا
أن الله ورسوله برئ من المشركين وأفعالهم فى البيت ، ودعاءا لهم بالتوبة
فإن تبتم مما أنتم فيه من ضلال فهذا خير لكم فى الدنيا والآخرة ، وإن توليتم
واستمررتم على ما أنتم فيه فاعلموا جيدا أنكم لن تعجزوا الله ولن تهربوا منه ولن تعصوا عليه ، بل قادر عليكم وأنتم فى قبضته ، وبشر المشركين بالنكال والعذاب فى الدنيا والجحيم فى الآخرة .
الآية 4
( إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ، إن الله يحب المتقين )
ومن كانت مدة عهده أكثر من أربعة أشهر وهم على عهدهم ولم ينقصوكم شيئا مما تعاهدتم عليه ولم يستنصروا بأحد ولم ينصروا عدوا على المسلمين ، فعلى المسلمين أن ينتظروا عليهم إلى مدة عهدهم ويستكملونها
وهذا من تقوى الله والله يحب من يتقيه ولو مع الكفار .
الآية 5
( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ، إن الله غفور رحيم )
فإذا انقضت الأربعة أشهر التى حرم فيها نقض العهود معهم وكانوا آمنين فيها ، فيجب على المسلمين قتل المشركين أينما وجدوهم فى الأرض وأسروهم وخذوهم
وحاصروهم فى حصونهم واقصدوهم واقعدوا مترصدين لهم فى الطرقات لكى
تضيقوا عليهم وتضطروهم للقتل أو الإسلام
فإن تابوا ودخلوا الإسلام وأقاموا الصلاة ودفعوا زكاة أموالهم فاتركوهم وسالموهم لأن الله يحب العفو والمغفرة والرحمة .
الآية 6
( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ، ذلك بأنهم قوم لا يعلمون )
وإذا استجار واستأمنك أحد هؤلاء المشركين الذين أمرت بأن تقاتلهم فاعطيه الأمان واستجب لطلبه حتى تسمعه القرآن وتذكر له أوامر الدين الإسلامى ليكون عليه حجة ، وهو آمن حتى يرجع بلده وداره
وذلك لأنهم لا يعلمون ويجب أن نعلمهم الدين وتنتشر الدعوة .
الآية 7
( كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ، فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ، إن الله يحب المتقين )
كيف يكون للمشركين أمان ويتركون فيما هم فيه وهم كافرون بالله وبرسوله
إلا المشركين الذين عاهدوهم فى صلح الحديبية
فإن تمسكوا بما تعاهدتم عليه من ترك الحرب عشر سنين فاستمروا فى عهدكم معهم ، لأن الله يحب المتقين
وإن نقضوا عهدهم فانقضوه واقتلوهم مثلهم كمثل باقى المشركين .
وقد نقضت قريش عهدهم بعد ستة سنوات فغزاهم الرسول فى رمضان وفتح الله عليه البلد الحرام ومكنه منهم والحمد لله .
الآية 8
( كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة ، يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون )
إلا : قرابة
ذمة : عهد
كيف تتركوا المشركين وهم لو نقضوا عهدهم وظهروا عليكم لن يرحموكم ولا يراعوا فيكم قرابة ولا عهد
لو أرضوكم بألسنتهم فلن ترضى قلوبهم ويحملون لكم البغضاء ومعظمهم فاسقون خارجون على أمر الله .
وهذا القول من الله لتحريض المسلمين على قتال المشركين والبراءة منهم .
الآية 9 ـ 11
( اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله ، إنهم ساء ما كانوا يعملون * لا يرقبون فى مؤمن إلا ولا ذمة ، وأولئك هم المعتدون * فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم فى الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون )
إن هؤلاء المشركين فضلوا على الإيمان بآيات الله ثمنا قليلا ودنيا غرورة زائلة فحاولوا منع الناس عن اتباع طريق الله ورسوله ـــــ فبئس ما عملوا
إنهم لا يراعوا فيكم قرابة ولا عهد ، وهذا هو حق الإعتداء .
فإن تابوا واستقاموا وآمنوا وأقاموا الصلاة فى أوقاتها وأدوا شعائرها ودفعوا زكاة أموالهم ، فهم إخوانكم فى الدين
إننا نوضح ثانيا الآيات للقوم ليعلموا .
الآية 12
( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلوا أئمة الكفر ، إنهم لآ أيمان لهم لعلهم ينتهون )
وإذا نقض هؤلاء المشركين عهدهم معكم على المدة التى اتفقتم عليها
وعابوا فى دينكم بسب أو إنقاص ، فقاتلوا رؤوس الكفر
فهم لا عهد لهم لعلهم يرجعون عما هم عليه من عناد وضلال .
الآيات 13 ـ 15
( ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة ، أتخشونهم ، فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين * قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عيهم ويشف صدور قوم مؤمنين * ويذهب غيظ قلوبهم ، ويتوب الله على من يشاء ، والله عليم حكيم )
وكيف لا تقاتلون المشركين وهم قوم نقضوا عهودهم وحاولوا إخراج رسول الله من مكة وهم فعلوا ذلك فى يوم بدر حين خرجوا لنصر عيرهم ، فلما نجت استمروا على القتال بغيا وتكبرا وقاتلوا مع حلفائهم بنى بكر لخزاعة أحلاف الرسول صلى الله عليه وسلم
هل تخافونهم ، فالله أحق أن تخافوه
لا تخافوا وقاتلوهم ينصركم الله عليهم ويعذبهم بأيديكم ويذهب غل نفوس المؤمنين جميعا ويتوب على من يشاء من عباده
والله عليم بما يصلح عباده حكيم فى أوامره عادل لا يجور ولا يضيع أجر عامل فى الدنيا ولا فى الآخرة .
الآية 16
( أم حسبتم أن تتركوا ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ، والله خبير بما تعملون )
أيها المؤمنون ، هل ظننتم أن نترككم بدون اختبار لنفرق بين الصادق من الكاذب
ومن يطيع الله فى أوامره بالجهاد ومن يعصيه ومن يتخذ من غير الله ورسوله والمؤمنين بطانة وعونا
والله يعلم بما يكون وما لم يكن ويعلم أفعالكم ولا راد لقدره .
الآيات 17 ـ 18
( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ، أولئك حبطت أعمالهم وفى النار هم خالدون * إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله ، فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين )
ليس للمشركين الحق فى أن يعمروا مساجد الله التى بنيت على اسمه لا شريك له وهم يشهدون على أنفسهم بالشرك والكفر
لقد حبطت أعمالهم وبطلت وليس لهم إلا النار خالدين فيها
ولكن يجب أن المؤمنين هم الذين يعمروا مساجد الله فهم يؤمنون بالله لا شريك له ويقيموا الصلاة فى أوقاتها ويؤدون الزكاة ولا يخشون إلا الله
وهؤلاء هم المهتدين المفلحون .
الآيات 19 ـ 22
( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد فى سبيل الله لايستوون عند الله ، والله لا يهدى القوم الظالمين * الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله ، وأولئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبدا ، إن الله عنده أجر عظيم )
يس هناك مساواة بين عمارة المشركين البيت والقيام على السقاية مع الشرك بالله وبين الإيمان بالله والجهاد مع نبى الله صلى الله عليه وسلم والإيمان بالبعث واليوم الآخر ، إنهم لا يتساوون عند الله
والله لا يحب أن يهدى من ظلم .
فمن آمن بالله وترك بلده وهاجر فى سبيل الله مجاهدا بماله ونفسه له درجات عظيمة عند الله وهم الفائزون فى الدنيا والآخرة.
ويبشرهم الله ربهم بأن لهم الجزاء الأوفى فى جنات بها نعيم دائم .
خالدين فى الجنة إلى ما لا نهاية ، وما عند الله من أجر فهو عظيم وكبير .
الآيات 23 ـ 24
( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ، ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون * قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره ، والله لا يهدى القوم الفاسقين )
يأمر الله المؤمنين أن يتبرؤا من ذويهم وإخوانهم وآبائهم الذين كفروا وأحبوا الكفر على الإيمان بالله وطاعة الله ورسوله ، ولا يتخذوا منهم أنصارا
ومن يتخذهم أنصار وأحباء فهو ظالم .
إذا كانت آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وقبائلكم وشعوبكم وأموالكم التى اكتسبتوها وجمعتوها وتجارتكم التى تخافون ضياعها وخسارتها ومساكن تحبون أن تقتنوها وإذا كان ذلك كله تحبونه أكثر مما تحبون الله والجهاد فى سبيل رفعة كلمة التوحيد ودين الله فانتظروا عذاب الله وغضبه
ولا يهدى الله من فسق وخرج على طاعته وطاعة رسوله .
الآيات 25 ـ 27
( لقد نصركم الله فى مواطن كثيرة ، ويوم حنين ، إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا ، وذلك جزاء الكافرين * ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ، والله غفور رحيم )
وهذا فضل الله عليكم أيها المؤمنين ، نصركم الله فى غزوات كثيرة مع رسوله وهذا النصر فضل من الله وليس بكثرة عددكم ولا بعدتكم وشجاعتكم ، والدليل أنكم يوم حنين أعجبتكم كثرة عددكم ولكن مع ذلك فررتم هاربين إلا قليل منكم بقوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم أنزل الله السكينة على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم ومن معه من مؤمنين ، وأنزل جنودا لم تراها أعينكم وهم الملائكة ، ونصركم على الكافرين الذين عذبهم جزاء لهم بأعمالهم السيئة وكفرهم
وتاب الله على من تبقى من قبيلة هوازن فأسلموا ولحقوا بالرسول صلى الله عليه وسلم فرد عليهم ما سبى منهم وألف بين قلوب المؤمنين .
والله غفور لمن تاب وأسلم ورحيم بمن عمل صالحا .