مــــرحــــــباَ بـــأحـبـــاب الله مــعــاَ

في طريق الجنة


الأربعاء، 1 يونيو 2011

تفسير سورة ... طه

تفسير سورة طه




بسم الله الرحمن الرحيم


الآيات 1ـ 8


( طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى * تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى * الرحمن على العرش استوى * له ما فى السموات وما فى الأرض وما بينهما وما تحت الثرى * وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى * الله لآ إله إلا هو ، له الأسماء الحسنى )


طه : بمعنى يا رجل


ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى : والله ما جعل الله القرآن لتشقى به ولكن جعله هدى ورحمة


إلا تذكرة لمن يخشى : جعله الله لتذكرة من يخافه ليعلمه الحلال والحرام


تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى : وهذا القرآن منزلا من عند الله الذى خلق السموات والأرض القادر على كل شئ


الرحمن على العرش استوى : الذى خلق السموات والأرض فى ستة أيام ثم استوى على عرشه فوق السموات السبع وهو رحمن بجميع الخلائق
يخبر الله الخلق عن نفسه جل وعلا : هو الله خالق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام ( الأحد والأثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة ) والجمعة اجتمع فيه الخلق كله وخلق آدم


أما يوم السبت لم يتم فيه خلق وسمى سبت لأنه انقطع فيه عملية الخلق ولم يتم فيه شئ وهو اليوم السابع


ثم بعد ذلك استوى الله على عرشه ولا نعرف كيفية الإستواء ولا يمكن تشبيهه


له ما فى السموات وما فى الأرض وما بينهما وما تحت الثرى : جميع الخلق فى السموات والأرض وما بينهما وما تحت التراب تحت تصرفه وفى قبضته وتحت حكمه


وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى : والله يعلم السر وما هو أخفى منه وهو الوسوسة


الله لآ إله إلا هو ، له الأسماء الحسنى : فالله منزل القرآن لا أله غيره وله الصفات الحسنى العلا


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لله تسعة وتسعين إسما ، مائة إلا واحدا ، من أحصاها دخل الجنة ، وهو وتر يحب الوتر "


الآيات 9 ـ 10


هل أتاك حديث موسى * إذ رءا نارا فقال لأهله امكثوا إنى آنست نارا لعلى آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى )


قص الله على رسوله قصة موسى عليه السلام منذ بدء ولادته حتى أن قتل نفسا بالخطأ وهرب إلى مدين وتزوج ، وبعد أن انتهت فترة تأجيره كنوع من سداد مهر العروس ...


بدأ رحيل موسى مع زوجته الحامل وولديه منها وأعطاه الشيخ كل شاة ولدت على غير لونها وقد قدر الله رزقه فولدت كل الشياه على غير لونها فى هذا العام وساقها


وسارت العائلة ... ونسى موسى مخاوفه وساقه الله ليؤدى المهمة التى أعدها له


وتحت تأثير الميل للوطن عائد موسى مع أهله وزوجته إلى الوطن مصر ولا يعبأ بالخطر الذى كان قد هرب منه




ـــــ وأثناء الطريق دخل عليه الليل والظلمة فى ليلة شاتية، فاحتاج النار للتدفئة والإضاءة والطبخ وقد ضلوا عن الطريق


وعندما نظر رأى نارا من بعيد ولم يراها غيره فقال لأهله إنى آنست نارا ـ امكثوا هنا لأذهب آتيكم بجذوة منها أو أجد عند النار هداية للطريق الصحيح


الآيات 11 ـ 16


(  فلما أتاها نودى ياموسى * إنى أنا ربك فاخلع نعليك ، إنك بالواد المقدس طوى * وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى * إننى أنا الله لآ إله إلا أنا فاعبدنى وأقم الصلاة لذكرى * إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى * فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى )


وهنا يكلمه ربه


انطلق موسى فى الوادى نحو ما يرى من نور يظنه ناراوهو يتوكأ على عصاه


اقترب موسى وإذا به يسمع صوت رب العزة يناديه ويقول ): أن بورك من فى النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين (


ارتعد موسى ولاذ محاولا الهرب ولكن الصوت يحيطه من كل مكان ويقول : (  يا موسى * إنى أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى )


طوى : هو اسم الوادى


ثم قال ( وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى ) : اخترتك واصطفيتك على كل الناس الموجودة فى زمنك


( إننى أنا الله لا أله إلا أنا فاعبدنى وأقم الصلاة لذكرى ) : أول ما يجب عليك معرفته أنه الله لا إله إلا هو وعليك عبادة الله وحده


ثم الشئ الثانى الذى يجب عليك هو إقامة الصلاة وذكر الله فيها وبعدها
( إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ) : وعليك معرفة أن القيامة آتية بلا شك وأخفى موعدها لتختبر كل نفس وتجازى بما عملت


( فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى ) : فلا تتبع سبيل من كذب بها فتهلك


الآيات 17 ـ 21


( وما تلك بيمينك يا موسى * قال هى عصاى أتوكؤا عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى * قال ألقها يا موسى * فألقاها فإذا هى حية تسعى * قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى )


ثم قال له الله : ( وما تلك بيمينك يا موسى ) أى انظر هذه العصاة التى تمسك بها دائما


( قال هى عصاى أتوكأ عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى ) : إنها عصا أهش بها على الأغنام لجمعها وأهز بها الشجر ليسقط الورق لترعى الغنم وكذلك أتوكأ عليها ولى فيها منافع أخرى


( قال ألقها ياموسى * فألقاها فإذا هى حية تسعى) : ألقى بالعصا يا موسى فلما ألقى بها فإذا بها تصبح حية عظيمة


وهذا بالطبع شئ رهيب خارق للطبيعة والعادة وهذا من قدرة الله الذى يقول للشئ كن فيكون


وخاف موسى ( ولى مدبرا ) ورجع هاربا ولم يلتفت


ولكن الله ناداه ( يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين )


ولما رجع قال له ( قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ) :عندما تمسك بها سنعيدها عصا مرة أخرى


ولما مسك بها تحولت ثانيا إلى عصاه


وسبحان القدير العظي


الآيات 22 ـ 35


( واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى * لنريك من آياتنا الكبرى * اذهب إلى فرعون إنه طغى * قال رب اشرح لى صدرى * ويسر لى أمرى * واحلل عقدة من لسانى * يفقهوا قولى * واجعل لى وزيرا من أهلى * هارون أخى * اشدد به أزرى * وأشركه فى أمرى * كى نسبحك كثيرا * ونذكرك كثيرا * إنك كنت بنا بصيرا )


ثم أمره أن يدخل يده فى جيبه ثم يخرجها فيجدها بيضاء بغير بهق ولا برص


وهذه علامات من الله على أنك مرسل من عند الله إلى الناس لتدعوهم لعبادة الله الواحد


وقد طلب موسى من ربه أن يجعل معه أخاه هارون نبيا يعاونه فى رسالته فهو أفصح كلاما ولسانا وأبلغ فى البيان ،


ويطلب موسى من الله أن يكون فى عونه ويساعده وينصره فى هذا الأمر


( احلل عقدة من لسانى * يفقهوا قولى ) : اختبر فرعون درجة ادراك موسى عندما لقيه طفلا رضيعا فقدم له تمرة وجمرة فجعله الله يقبل على الجمرة ويضعها بفمه فاطمأن فرعون وأبقى عليه فلم يقتله وأصبح من بعدها موسى لا يجيد النطق بلسانه


وهنا يطلب موسى من الله أن يعينه بأخيه هارون الذى يفصح بالكلام حتى يفهم القوم ما يريد قوله لهم وأن يشركه معه فى المشاورة وذكر الله والتسبيح الكثير


ثم يشكر الله أنه يبصر من أمرهم واصطفاه فى الرسالة فيقول ( إنك كنت بنا بصيرا)


الآيات 36 ـ 39


(  قال قد أوتيت سؤلك يا موسى * ولقد مننا عليك مرة أخرى * إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى * أن اقذفيه فى التابوت فاقذفيه فى اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لى وعدو له ، وألقيت عليك محبة منى ولتصنع على عينى * إذ تمشى أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله ، فرجعناك إلى أمك كى تقر عينها ولا تحزن ، وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا )


ويقول الله عز وجل لموسى لقد استجبت لمطالبك يا موسى


ويذكره بفضله سبحانه عليه منذ ولادته :


كان أخوة يوسف قد استقروا فى مصر وتكاثروا وكثروا وتعرضوا للإضطهاد فهم بنوا اسرائيل ( يعقوب )


وكان الملك ( رمسيس ) قد أكد له كهنة المعبد عبدة الأصنام بأنه سيولد ولد يقتل الملك ويستولى على الحكم


فقرر الملك قتل كل مولود ولد وترك النساء وبالطبع هذا بلاء عظيم يتسبب عنه الفواحش وضعف الدولة


وكان عناء الناس شديد إذ بعد أن كثر بنوا اسرائيل ( أخوة يوسف ) وأصبحوا شعبا كبيرا خاف فرعون مصر على ملكه ودولته فكان يستعبدهم فى أعنف الحرف وأردئها


كان بنوا اسرائيل يتدارسون فيما بينهم ما يعلمونه عن ابراهيم عليه السلام بأنه يخرج من ذريته غلام يكون على يديه نهاية ملك الفراعنة فى مصر


ولم يكن فرعون يستطيع طرد اليهود من مصر لكثرة عددهم فسخرهم فى الأعمال الشاقة ليكون هلاكهم بالإضافة لقتل الولدان وترك البنات


وكان يتابع الحوامل من النساء ليعرف موعد ولادتهم وليعرف ما وضعت منهم


وبذلك كان حذرا كل الحذر ولكن ( الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون )


فإذا كان يخشى فرعون إنتهاء ملكه على يد غلام من بنى اسرائيل فقد جعل الله نهاية فرعون على يد هذا الغلام الذى رباه فرعون نفسه فى بيته ليحميه الله من خطر عدوه فى بيت عدوه


شكا القبط ( وهم أهل مصر ) إلى فرعون أن قتل ألذكور من بنو إسرائيل سيسبب أن تفنى الكبار وتقتل الصغار فمن سيقوم بأعمالهم بعد ذلك إلا القبط ... فأمر فرعون بأن تقتل الذكور عاما وتترك عاما


وولد هارون فى سنة المسامحة


ثم حملت أمه وستلد فى سنة القتل


ووضعت ولدا أسمته موسى وخافت عليه


فأوحى لها الله فكرة النجاة وهى بأن تضعه فى صندوق وتربطه بخيط وتضعه فى النيل وكانت دارها مجاورة للنيل تراقبه طوال النهار هى وابنتها مريم وترضعه ثم تضعه ثانيا فى البحر وتمسك طرف الحبل عندها فإذا بعد الجند أخذته


هذه أمه حائرة ويتمزق قلبها مخافة أن يطلع الجند على ولادة موسى


وتأت القدرة الإلهية لتربط على قلبها وتطمئنها


أرضعيه وإن خفت عليه ألقيه فى البحر فهو فى رعاية الله ... سبحان الله


ويبشرها ( إنا رادوه إليك ) ... ( وجاعلوه من المرسلين )


ولكن وجده الجنود وأخذوه


أخذوه ليصبح لهم عدو


خافت أمه من آل فرعون ولكنهم أخذوه وهذا فرعون وهامان اللذان كانا يقتلان كل مولود أخذوه بلا بحث ولا عناء ويلقى الله محبته فى قلوبهم وقلب زوجة فرعون التى كانت لا تنجب فتتمناه لها ولدا وقالت ( قرت عين لى ولك )


وهذا ما حدث فكان لها قرة عين فى الدنيا وسكن لها فى الآخرة فى الجنة


أما لفرعون فلا فقد انتهى ملكه وظلمه على يديه وغرق فى البحر بسببه وهو فى الآخرة من أصحاب الجحيم


تبنياه وهما لا يعلمان ما يخفى الله لهما


ولكن قلب الأم يتمزق خوفا على وليدها


قال تعالى :


( وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين )


أى طار عقلها من الجزع والخوف وكادت تكشف عن أمرها بأنه وليدها لولا أن الله ثبت قلبها وأنعم عليها بالصبر فاطمأن قلبها


(  وقالت لأخته قصيه ) قالت لأخته مريم تتبعيه واتبعى أخباره


وأخذه آل فرعون ليكون لهم ولدا وأغشى الله أبصارهم


ولكن عرضوا عليه المراضع لإرضاعه بدون فائدة لأن الله حرم عليه المراضع ليرجعه لأمه


قالت لهم أخته أتريدون أن أدلكم على مرضعة له ترضعه فقالوا نعم فأدخلته على أمه وهم لا يعرفون أنها أمه فرضع منها وبذلك كانوا يدخلون عليه فى كل وقت يحتاج فيه الرضاع وأعطوها أيضا أجرة إرضاعه وكسوتها وطعامها ونفقتها


ونشأ موسى وتربى فى قصر فرعون أفضل تربية


وشب وكبر موسى


ورث موسى من آبائه الذين ينتمون إلى أبو الأنبياء التقوى والإيمان بالله وفقه الدين ولم يسجد لصنم من أصنمة القصر الملكى وحباه الله حسن الخلق ومحبة الناس وحباه بسطة فى القوة والجسم ولا نعرف كيف كانت علاقته بأمه تلك السنوات وكيف مرتفقد كان الله بشر أمه برده لها وجعله من المرسلين فقال سبحانه وتعالى ) :إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ( ، ولكن ما نعرفه عنه هو بعد أن كبر وبلغ سن الأربعين وهو سن التكليف واحتكام الخلق وأتاه الله العلم والحكم


قال تعالى :( ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين )


قال تعالى يشرح لنا قصة لموسى بعد أن بلغ أشده


( ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين ) القصص 15


فى ذات يوم كان اليوم انتصف وأغلقت الأسواق والناس فى غفلة القيلولة من الحر الشديد ، وكان موسى يمشى نحو المدينة وجد رجلين يتصارعان ويقتتلان ، أحدهما من القبط والآخر من بنو إسرائيل ، فاستغاث به الذى من بنو إسرائيل يستنجد به على عدوهما القبطى


وهذا يدل على أن موسى كان قد ترك قصر فرعون وأصبح ناقم على الملك وحاشيته وأن بنو إسرائيل علموا ذلك


فوكز موسى بيده القبطى ليبعده عن الإسرائيلى وكان موسى قوى وانفعل وكان فى ضيق من فرعون ومن معه فقضت الوكزة عليه ومات القبطى


عندما وجد ذلك ندم على انفعاله وغضبه وقال هذا من فعل الشيطان لأنه لم يكن ينوى قتله وإنما وكزه ليبعده عن الرجل فقط


ثم استغفر وطلب العفو من الله فقال: ( قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى )


واستجاب له الله فغفر له : ( فغفر له إنه هو الغفور الرحيم )


قال موسى كما ذكرالله لنا : ( قال رب بما أنعمت علىّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين ) عندما تاب موسى ورجع لربه وزلزلت نفسه بشعوره أن الله استجاب له وغفر له خطأه قال لن أعود ثانيا مساندا للمجرمين


وهذه هى التوبة أن يقع الفرد فى الخطأ ويفيق ليؤنب نفسه فورا ويتراجع ويعزم على عدم الرجوع للذنب


و( فأصبح فى المدينة خائفا يترقب ) يلتفت حوله من أن يدركه الأذى بسبب جريمته الغير مقصودة ( فإذا الذى استنصره بالأمس يستصرخه قال موسى إنك لغوى مبين ) وهذا الذى كانت الجريمة بسبب تشاجره بالأمس يتشاجر ويتصارع اليوم مع آخر ويستنجد بموسى ثانية بعد الذى حدث


فقال موسى يتضح الآن إن المخطئ والمذنب هو أنت


أراد أيضاأن ينقذ الإسرائيلى من القبطى ولكن صورة القتيل التى تراوده بالأمس تتخيل له فيقاوم شدته ويصرخ القبطى ويقول: ( أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين )


وقيل فى ذلك أن ما قال ذلك هو الإسرائيلى لما رأى من تعنيف موسى له لما رأى أنه هو الذى يتشاجر مع الأقباط


وذهب القبطى إلى قصر فرعون وأخبر بالخبر واشتد غضب فرعون وأرسل فى طلب موسى لقتله والتخلص منه فهو الطفل الذى كان قد قدر له أن يقتل موسى ورباه فى قصره بدون أن يعلم فهو فى نظرهم يثور لنصرة بنى إسرائيل إذن فهو المخلص المنتظر


وجاء من بعيد رجل من آل فرعون كان مؤمنا يكتم إيمانه وقال له إنهم يأتمرون بك ويريدون قتلك فاهرب واخرج من المدينة


وخرج موسى من مصر خائفا على نفسه وهو يدعو الله أن ينجيه من قوم فرعون والأقباط المصريين الظالمين


الآيات 40 ـ 41


(  فلبثت سنين فى أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى * واصتنعتك لنفسى )


وخرج موسى خائفا وجنود فرعون يبحثون عنه وهو حائرا أين يذهب وسلك الطريق المؤدى إلى مدين (  ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى أن يهدينى سواء السبيل )


وكان بين مصر ومدين مسيرة 8 أيام


ولنا أن نتصور المشقة فى السفر بلا طعام يأكل ورق الشجر الذى تأنف الدواب أن تأكلها وحافيا وجلس فى الظل جائعا


وكان قريبا من الشجرة التى يستظل بها بئر عظيمة يستقى الناس منها ويسقون دوابهم ، ووجد فى مكان أسفل منهم امرأتان تمنعان غنمهما أن تختلطان بغنم القوم وتمنعا أغنامهما عن الماء


ثم بدأت المرأتان تسقيان غنمهما بعد أن سار القوم وكان ذلك بسبب ضعفهما وكراهة مخالطة الرجال


وهنا لنا وقفة فى سلوك المرأة إذا احتاجت للخروج للعمل


لا تختلط بالرجال


وتلتزم الحياء


عندما رأى موسى هذا الحال من حياة أهل مدين نسى جوعه وتعبه وتملكته نخوة الرجال وشعر أن تلك الفتاتان تحتاجان المساعدة فقام وسألهما : ما خبركما ؟


قالتا : لانستطيع أن نزاحم الرجال فنتأخر حتى تسير الرعاة ثم نسقى لأن أبونا شيخ كبير فنرعى بدلا منه


فتقدم وسقى لهما وكانت على فم البئر صخرة لا يقدر على إزاحتها إلا مجموعة من الرجال فرفعها وحده وسقى لهما ثم أعادها


سارت الفتاتان وعاد موسى يجلس تحت الشجرة ويحدث ربه يشكو جوعه وضعفه وتعبه وفقره لعون الله ووحدته


واستمع الله لنجواه


فما لبثت أن عادت إليه إحدى الفتاتان تسير فى حياء لا تبرج ولا ابتذال كما نرى اليوم


وقالت له (: إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا )


وتلك الفتاة يجب أن تكون عنوانا لبناتنا ( الحياء ـ الوضوح ـ عدم التبرج ـ لا تبجح ـ لا إغواء ـ لا تعثر ولا ربكة ـ طهارة ـ استقامة )


ما فعله موسى كان مساعدة لوجه الله بدون مقابل ولهذا جزاه الله خير الجزاء


عندما عادت الفتاتان لأبيهما قصصن عليه ما حدث


تبع موسى الفتاه ذاهبا لأبيها استجابة للدعوة


وهنا يتجلى الحياء من الله فقد سار أمامها حتى لا ينظر إليها


وسارت خلفه بعيدا عنه


وعندما قابل أبيها قص عليه قصته وسره


فقال الشيخ : إطمئن نجوت من القوم الظالمين فبلاد مدين ليست تحت سلطان فرعون وإنما هى تابعة لملك الكنعانيين وهم أهل قوة ونجدة وبأس شديد ( العراق )
واختلفت الأقوال فى تحديد من هذا الشيخ هل الخضر أم شعيب ولا دليل على صحة كلاهما ولا يهمنا فى شئ الآن


دارت مودة بين الرجلين وظهرت الرحمة والطهارة والقوة على موسى والكرم من الشيخ وتولدت محبة ومودة بينهما


وهنا عرضت إحدى الفتاتان الرأى لأبيها ( يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين )


فعرض الشيخ على موسى أن يزوجه إحدى ابنتيه ويكون مهرها أن يخدمه لمدة عشرة سنوات فى رعى الأغنام


وسعد موسى بذلك


وكان أمينا فى الوفاء بشروط العقد بينهما فالله شهيد عليهما


انتهت الفترة المحددة وبدأ يحن موسى لوطنه مصر... أمه وأخته وأخيه هارون


وكانت الزوجة مطيعة وأطاعت رغبة زوجها


وبدأ رحيل موسى مع زوجته الحامل وولديه منها وأعطاه الشيخ كل شاة ولدت على غير لونها وقد قدر الله رزقه فولدت كل الشياه على غير لونها فى هذا العام وساقها


وسارت العائلة ... ونسى موسى مخاوفه وساقه الله ليؤدى المهمة التى أعدها له


وتحت تأثير الميل للوطن عائد موسى مع أهله وزوجته إلى الوطن مصر ولا يعبأ بالخطر الذى كان قد هرب منه


( واصتنعتك لنفسى ) وهكذا بالشدائد صنع الله موسى ليكون أهلا لتحمل الرسالة